وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، إغلاقٌ كلي بانتظار إعادة الإعمار

مخيم اليرموك
مدنيون وقوات موالية للنظام يسيرون في شارع الثلاثين في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين على المشارف الجنوبية للعاصمة دمشق في 24 مايو 2018، بعد أن استولى النظام على المخيم من تنظيم داعش، ووضع دمشق بالكامل تحت سيطرته لأول مرة منذ عام 2012. Photo AFP

بات من الصعب في عام 2019 شرح وتحليل واقع مخيم اليرموك، جنوب العاصمة السورية دمشق، بناءً على الوقائع والبيانات والأرقام والمعلومات المتوفرة. تكمن هذه الصعوبة بانعدام المصادر داخل المخيم، ذلك أن معظم قاطنيه خلال العام الماضي وبداية العام الجاري لا يتجاوز عددهم العشرات لا أكثر. واليوم، أغلق النظام السوري وبشكلٍ نهائي المخيم وأخرج جميع من بقي فيه، بحسب إحدى السيدات اللاتي كانت تقطن بشارع المالكي، أحد شوارع المخيم.

“أغلق النظام المخيم كلياً ورفض السماح لدخول أو خروج أي من سكانه منذ نهاية الشهر الثاني لعام 2019،” بحسب السيدة التي فضلت عدم ذكر اسمها، وأضافت “تذرع النظام بأن البنية التحتية في المخيم لا تساعد على الحياة. فلا كهرباء ولا مياه شرب ولا شبكات صرف صحي، ولذا يتوجب هدم كامل المخيم وإعادة إعماره.”

نزح عن المخيم نحو 60% من أهله بعد قصف جامع عبد القادر الحسيني ومدرسة الفلوجة من قبل طيران (الميغ) السوري في 16 ديسمبر 2012 بعد أن سيطرت المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية عليه. في حين نزح معظم من تبقى من سكانه بعد سيطرة داعش على اليرموك يوم 1 أبريل 2015. فقد أسفرت العملية العسكرية التي شنها النظام السوري على مخيم اليرموك ومناطق جنوب دمشق لطرد تنظيم داعش وإعادة السيطرة عليه عن دمار 60% من منازل اليرموك وقضاء 31 مدنياً وسقوط العشرات من الجرحى، بحسب توثيقات “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية“.

ومع ذلك، تغطي واقع المخيم صورة ضبابية غير واضحة، تتجلى في مطالبات الأهالي للعودة إلى بيوتهم التي بات معظمها ركاماً، ورفض النظام لعودتهم مقابل إطلاقه عشرات الوعود بشأن إعادة الإعمار دون أي أثر واضح أو تحرك حقيقي بهذا الصدد.

يخضع المخيم منذ المعارك الأخيرة التي انطلقت في أبريل عام 2018 وانتهائها بانتصار النظام السوري، بشكلٍ مباشر لإدارة محافظة دمشق خلافاً لكل السنوات السالفة من عمره، حيث كان يدار من قبل سكانه الفلسطينيين. كما يخضع المخيم عسكرياً، اليوم، لسلطات النظام السوري من الناحية النظرية. أما على الأرض، فينقسم إلى ثلاثة محاور تسيطر عليها ثلاثة تشكيلات أولها قوات النظام وثانيها ميليشيات فلسطينية من جبهة التحرير – القيادة العامة، المقربة من النظام، والمحور الثالث يخضع لميليشيات موالية للنظام “الشبيحة.”

وبحسب المحامي والناشط الحقوقي الفلسطيني علاء عبود، فإن المخيم على هذه الحالة منذ شهر مايو 2018، حيث لا يزال “مغلقاً،” في ظل منع عودة الأهالي إليه بهدف “تنفيذ خطة لتنظيف وإعادة الترميم وترحيل الركام.” جميع هذه العمليات تخضع لإدارة “لجنة فلسطينية – سورية مدعومة من منظمة التحرير وغالبية أعضائها من الجبهة الشعبية – القيادة العامة وفصائل منظمة التحرير المصرح لها بالعمل على الأرض السورية”. كما أن جميعها مقربة من النظام السوري وتعمل تحت إدارته.

يؤكد عبود أن “الدخول إلى المخيم بحاجة لتصريح أمني عالي المستوى، وإن حصلت عليه لا يمكنك البقاء في الداخل، خاصة مع انعدام الخدمات العامة مثل المواصلات والمحال التجارية ومياه الشرب والصرف الصحي، ووجود الكهرباء لساعات قليلة جداً.”

وبحسب المعلومات المتوفرة من “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” فهذا “الأمر طبيعي إذا علمنا أن المخيم مدمر بنسبة تصل لحدود 80% وأكثر من 50% من منازل المخيم باتت أثراً بعد عين.”

بعد كل ما سبق يمكن تقسيم واقع الحياة داخل المخيم منذ عودته لسيطرة النظام وحتى فبراير 2019، إلى مجموعتين: مجموعة لديها تصريحات أمنية للدخول والخروج إلى المخيم لذا يمكنها شراء احتياجاتها الإنسانية، ومجموعة لا تملك أي تصريحات أمنية لذا فإنها تعاني من أوضاع كارثية فلا محال تجارية ولا اتصالات ولا أطباء ولا صيدليات في المخيم، لذا وفي الحالة الصحية الحرجة يكون مصير المريض الموت أو الانتظار الطويل للحصول على فرصة الخروج إلى دمشق.

ظروفٌ دفعت بعض الفرق التطوعية إلى العمل على ترحيل الأنقاض وإخراج بعض الجثث التي بقيت عالقة تحتها خلال فترة السماح بدخول المخيم. عملياتٌ بقيت في حيز العمل التطوعي مقابل احتياجاتٍ كبيرة لإعادة تأهيل المخيم الذي يحتل أكثر من 2,1 كم مربع جنوب دمشق، والذي كان يوماً ما أكثر المساحات ازدحاماً في البناء والعمران جنوب العاصمة.

مساحاتٌ كبيرة من الدمار وعشرات ألاف المشردين بين دمشق ومدن سورية أخرى وخارج البلاد، وجميعهم ينتظرون تنفيذ وعود غير واضحة المعالم بخصوص إعادة الإعمار وتعويض العائلات المتضررة من قبل الدول الداعمة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

انتظارٌ قد يطول كثيراً، مما دفع ببعض تلك العائلات للتظاهر على أبواب المخيم، بحسب عبود، الذي أكد أن أخر مظاهرة كانت منتصف عام 2018. كما تقدم وفد من أبناء مخيم اليرموك، مع بداية شهر فبراير 2019، بعريضة إلى محافظ دمشق عادل أنور العلبي.

وبحسب “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا،” فإن العريضة موقعة من قبل حوالي 3000 شخص من أبناء المخيم بمجموع 200 صفحة، طالب الموقعون فيها بعودتهم الفورية للمخيم سواء توفرت فيه البنى التحتية أم لم تتوفر، مشددين على أن سكان اليرموك الذين أرهقتهم التكاليف المادية يؤكدون استعدادهم للعمل التطوعي المدني وأنهم سيقومون ببناء منازلهم بأيديهم.

تؤكد هذه المطالب بالعودة انقطاع أملهم بإعادة إعماره وفقدانهم الأمل بوعود النظام السوري ومؤسساته بالعمل على ملف إعادة تأهيل المخيم. يضاف إليها وقوعهم في ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة، حيث فقد معظمهم مصادر رزقهم وأعمالهم ويعانون من البطالة. فالمخيم الذي كان يوماً ما موطن 150 ألف شخص وعشرات الأعمال التجارية، كان مركزاً تجارياً كبيراً يقصده سكان دمشق.

حال المخيم قريبٌ لأوضاع مناطق مختلفة في جنوب العاصمة السورية دمشق، مثل التضامن وحجيرة ويلدا، التي عانت أيضاً من دمارٍ واسع النطاق. ومع ذلك، يختلف ذلك مع واقع حي القدم والعسالي، الذي وضع له مخطط تنظيمي جديد وتعمل الشركات الخاصة اليوم على إنهاء المتعلقات الإدارية بشأنه والانطلاق بإعادة بنائه. ربما يتوجب على أبناء المخيم انتظار المخطط التنظيمي الخاص بحيهم ليعاد إعماره من قبل شركات خاصة تعمل تحت إمرة وقيادة النظام السوري.

user placeholder
written by
Kawthar Metwalli
المزيد Kawthar Metwalli articles