يُوظف العمال الوافدون في لبنان بموجب نظام الكفالة، الذي يُقيّد العامل بكفيلٍ واحد؛ غالباً ما يكون صاحب العمل الذي يتمتع حينئذٍ بسيطرةٍ كاملةٍ تقريباً على العامل. الفئة الأكثر استهدافاً من الوافدين هنّ عاملات المنازل، اللواتي غالباً ما يأتين من آسيا وافريقيا للعمل لدى الأسر اللبنانية.
ووفقاً لتقرير نشرته هيومن رايتس ووتش في عام 2008، بلغ معدل وفاة عاملات المنازل الوافدات واحدة في الأسبوع، لأسباب غير طبيعية مثل الانتحار أو الفشل في محاولة الفرار أو القتل. وذكر التقرير “تظهر المقابلات التي أجرتها هيومن رايتس ووتش مع مسؤولين بسفارات عاملات المنازل ومع أصدقاء بعض العاملات اللواتي انتحرن، إن حصر الإقامة قسراً في محل العمل وطلبات العمل المفرطة، وإساءات أصحاب العمل والضغوط الاقتصادية هي الأسباب الرئيسية التي تدفع بهؤلاء النساء إلى الانتحار أو المخاطرة بحياتهن.”
وعليه، يبدو أن النظام القضائي غير قادر على معالجة هذه الإنتهاكات، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش. فقد راجع تقريرٌ لمنظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان “بلا حماية،” 114 حكماً قضائياً لبنانياً يمس عاملات المنازل الوافدات. وخلص التقرير إلى “الافتقار إلى آليات شكاوى يسهل الوصول إليها، وطول الفترة الزمنية للإجراءات القضائية، وسياسة التأشيرات التقييدية التي تجعل من الصعب على العاملات تقديم أو متابعة الشكاوى ضد أصحاب العمل. حتى في حال تقديمهن الشكاوى، كثيراً ما تواجه العاملات تقاعساً من جانب الشرطة والسلطات القضائية، التي فشلت في معالجة بعض الادعاءات باعتبارها جرائم محتملة.”
كما أن هناك مشكلة الأوراق الثبوتية، التي لا يملكها جميع العمال الوافدون في لبنان، الأمر الذي يحصل غالباً بعد خسارة الكفيل. وفي لقاءٍ لنا في فَنك مع فرح سالكا، المدير التنفيذي لحركة مناهضة العنصرية، قالت “إن لم تملك أوراقاً ثبوتية، يتم إسكاتك.” وأضافت “يمكن للأشخاص ضربك والنجاة بفعلتهم ذلك أنك لن تلجأ للشرطة، التي ستطلب دوماً أوراقك الثبوتية أياً كانت المشكلة.”
وقال بسام خواجا، الباحث المتخصص في شؤون لبنان والكويت في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بهيومن رايتس ووتش، لفَنَك “يوجد نحو 250 ألف عاملة منزلية وافدة في لبنان يعشنّ في ظل نظام الكفالة التعسفي ويُستثنون من قوانين العمل اللبنانية.” وأضاف “تعمل جماعات حقوق الإنسان، بشكلٍ روتيني، على توثيق تقارير لمصادرة أرباب العمل لجوازات سفر العمال، وتأخير أو عدم دفع الأجور، ورفض منحهم إجازات أو تحديد ساعات عملٍ إنسانية، فضلاً عن الإيذاء اللفظي والجسدي. كما يُقيّد لبنان أيضاً إمكانية وجود أسرة أو أطفال للعاملات في لبنان، حيث رحلّ في السنوات الأخيرة العاملات اللواتي قمنّ بذلك. وتواجه العاملات الوافدات في المنازل عقباتٍ قانونية في النظام القضائي اللبناني عند محاولتهن التماس المساءلة عن الانتهاكات التي يتعرضن لها. ويمكن لهذه الدعاوى القضائية أن تستمر لأشهرٍ أو لسنوات، ونادراً ما يُحاسب القضاة أرباب العمل على هذه الانتهاكات، ويُصدرون عقوباتٍ مخففة في الحالات النادرة للإدانة.”
ففي صيف عام 2016، رحلت السلطات اللبنانية ما لا يقل عن 21 عاملة منزلية مع أطفالهن، قائلة إنهن لم يكن يسكنّ لدى أصحاب عملهن أو لم يكن من المفترض أن ينجبن في لبنان، وفقاً لدراسةٍ نشرتها مؤسسة إنسان الحقوقية المحلية عام 2017. وقالت ماريلا أكونا، إحدى موظفات مؤسسة إنسان لفَنَك “يمكن تفسير حالة الوافدين والأطفال المستضعفين بوجود عجزٍ مزدوج قائمٍ إلى حدٍ كبير في التشريعات والسياسات العامة في العديد من الدول، بما في ذلك لبنان، مثل غياب سياسات وممارسات الهجرة المراعية لاحتياجات الأطفال، والافتقار إلى القضايا المتعلقة بالهجرة في سياسات الطفولة التي تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الخاصة والوضع سريع التأثر للأطفال الوافدين والأطفال المتضررين من الهجرة، على سبيل العد لا الحصر.” وتابعت القول “وفي هذا السيناريو المعقد، فمن المهم للغاية وضع عددٍ من الاستراتيجيات التي تسهم في تحسين وضع هؤلاء الأطفال من أجل ضمان الحماية السليمة والشاملة لحقوق الطفل في سياق الهجرة الدولية. ومن خلال تجاربنا، لاحظنا تفاقم وضع الوافدين وأطفالهم، على وجه الخصوص، سوءاً على مر السنين ذلك أن العديد من التدابير التي اتخذها الأمن العام حدّت بصورةٍ تعسفية من حرية وحقوق العاملات الوافدات في المنازل. ونحن، بصفتنا مجتمعاً مدني، نرفض ونعترض على مثل هذه التدابير التعسفية.”
وفي عام 2015، أطلقت حوالي 200 عاملة منزلية أجنبية أول اتحادٍ للعاملات المنزليات في لبنان، بمساعدة الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، وهي مؤسسة عملت يداً بيد مع العاملات المنزليات الأجنبيات في غضون السنوات الأربع الماضية للضغط على الحكومة لتحسين حقوقهن. بيد أن وزارة العمل لم تستجب مطلقاً للطلب، وفي أواخر عام 2016، تم ترحيل سوجانا رانا، وهي عاملة منزلية نيبالية مشاركة في الكفاح من أجل الحقوق، بسبب نشاطها.
وقالت غِينا الأندري، موظفة التوعية والقضايا في منظمة كفى عنف واستغلال اللبنانية المحلية التي تُعنى بقضايا المرأة، “هناك حاجة ماسة لاعتماد قانون جديد لا يُقيّد العاملة المنزلية الوافدة برب العمل بعلاقة تشبه الاستعباد.” وأضافت “ينبغي أن يتماشى القانون مع الاتفاقية رقم (189) الخاصة بالعمل اللائق للعمال المنزليين وتوفير جميع الحقوق التي يتمتع بها العمال الآخرون للعمال الوافدين المنزليين.”
ووفقاً للأندري، دون حماية قانونية فإن “العمال الوافدين معرضون بشكلٍ عام لخطر التعرض للإساءة ذلك أنهم الطرف المغلوب على أمره في العلاقة بين رب العمل والمُستخدم.” وأضافت “يُعرضهم نظام الكفالة لخطر التعرض للاساءة ذلك أن السُلطة تُمنح للكفيل، كما لا يضمن عقد العمل الذي يوقعونه حماية حقوقهم. ففي المقام الأول، نادراً ما تحصل العاملات المنزليات الوافدات على معلوماتٍ حول الأماكن التي يمكنهنّ التوجه إليها لطلب المساعدة القانونية، والتدابير القانونية التي يمكن اتخاذها لحمايتهن.”
وشددت على أن غالبية العمال الوافدين المعرضين للخطر هنّ من النساء، إذ قالت “بما أن العمل المنزلي يُعتبر تقليدياً “مسؤولية المرأة،” فإن غالبية من يُستخدمنّ للعمل المنزلي من النساء. وبالإضافة إلى ذلك، يعيشنّ في نفس الموقع حيث يوجد أرباب العمل، إذ تتعرض العديد منهن للتحرش الجنسي والإيذاء الجسدي على أساسٍ منتظم.”
وللضغط على الأقل على أرباب العمل المُسيئين، إن لم يكن على الحكومة، تم إطلاق موقع This is Lebanon في الأول من مايو 2017- الذي يُصادف الاحتفال بعيد العمّال- بهدف تسمية وفضح أرباب العمل هؤلاء. فقد اعتبره الخواجا حلاً مؤقتاً واعداً، إلا أنه يرى أنه ينبغي القيام بالمزيد، حيث أضاف “يجب على لبنان إلغاء نظام الكفالة، وإدراج العاملات المنزليات الوافدات ضمن حماية قانون العمل والاعتراف باتحاد العاملات المنزليات الوافدات.” وإلى أن يحصل هذا، من المرجح أن تعاني المزيد من العاملات المنزليات الوافدات بصمت.