وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مدينة تدمر الأثرية في سوريا، لا تزال ساحة قتال

syria-culture-palmyra-ruins-update-concert-1024px-flickr
المايسترو فاليري غيرغييف يقود أوركسترا مسرح ماريينسكي الروسي خلال الحفل الذي أقيم في مدينة تدمر المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو في سوريا، 5 مايو 2016. Photo Boaz Guttman

سقطت مدينة تدمر الأثرية والاستراتيجية في يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في مايو 2015، وبعد عشرة أشهر، وتحديداً في 27 مارس 2016، استعاد الجيش السوري بدعمٍ من الطيران الروسي، المدينة، وهو حدثٌ اعتبره الكثيرون نقطة تحولٍ في الحرب ضد “الإرهابيين.”

وقد صرّح مسؤولٌ رفيع المستوى في الجيش السوري لرويترز أنّ النصر الذي أعقب أسابيع من القتال العنيف مع “داعش،” تحقق بدعمٍ جوي كبير من الطائرات الروسية والسورية. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان (ساهر)، أنّ حوالي 400 من مقاتلي “داعش” و200 جندي حكومي قضوا في الاشتباكات.

وفي 5 مايو 2016، أقامت روسيا حفلاً موسيقياً ابتهاجاً بالنصر بعنوان “صلاة من أجل تدمر، وموسيقى تحيي الجدران العتيقة،” بقيادة الموسيقار البارز، المُفضل لدى الكرملين، فاليري غيرغيف، على المسرح الأثري للمدينة. وخلال الحفل، تم بث كلمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين متحدثاً على الهواء مباشرةً من مدينة سوتشي. وفي خطابه الذي بُث على شاشة على المسرح الرئيسي، أشاد بوتين بعملية “تحرير تدمر،” وقال أن الحفل تخليدٌ لذكرى جميع “ضحايا الإرهاب الدولي،” الذي وصفه بـ”الشر المطلق.”

وعلى الرغم من هذه الرسالة المتفائلة، إلا أن الصور التي نُشرت بعد إعادة السيطرة على المدينة، أظهرت حجم الدمار الذي تعرضت له هذه المدينة الأثرية البالغة من العمر ألفي عام.

فقد بات عدد من المعالم البارزة، بما في ذلك قوس النصر، ومعبد بعل شمين، ومعبد بل الشهير أنقاضاً بعد 12 شهراً من احتلال “داعش” للمدينة. كما نهبت الجماعة المتطرفة متاحف تدمر وخربت مقتنياتها الثمينة.

تماثيل مدمرة في متحف تدمر الذي تعرّض للتخريب، مدينة تدمر الأثرية، سوريا. Photo AP

أسوء الأضرار طال، على وجه الخصوص، المتحف الوطني في تدمر، الذي يصنف ضمن قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو. وعلى الرغم من أن غالبية المباني الخارجية، بما في ذلك المسرح القديم، نجت بشكلٍ أفضل مما كان متوقعاً، إلا أنّ الدمار داخل المتحف يبدو مهولاً مع تجاهلٍ متعمد للقيمة الأثرية والثقافية للقطع الأثرية. فقد تم تدمير الأضرحة وفتحها إلى جانب إزالة رؤوس التماثيل بشكلٍ ممنهج، بينما كتب الجهاديون باللون الأسود على حجارة مدخل معبد بل “الدولة الإسلامية. يُمنع دخول المدنيين والأخوة (المقاتلين).” وفي حين لم يتم المساس بالجدران الخارجية للمعبد، والمدخل الرئيسي والفناء، تم تدمير الهيكل أو قاعة الصلاة الرئيسية. ولم يتبقى اليوم من معبد بعل شمين سوى أربعة أعمدة فحسب، أما بقايا قوس النصر التي يعود تاريخها إلى عهد الإمبراطور الروماني سيفيروس في القرن الثالث، سويت بالأرض، ولم يبقى سوى عامودين كانا يوماً ما يحملان المبنى الرئيسي. ومن المرجح أن يكون من السهل، نسبياً، ترميم القوس، الذي رمم سابقاً في ثلاثينيات القرن الماضي.

وقال مأمون عبد الكريم، مدير عام المتاحف والأثار في سوريا، أن خبراء إزالة الألغام أزالوا 150 لغماً زرعها “داعش” في المنطقة، إلا أنه أضاف أنّ الفريق لم يتمكن حتى من الوصول إلى بعض المناطق النائية، بما في ذلك مواقع المقابر، بسبب وجود “المئات من الألغام.”

وادعى نقل العديد من القطع الأثرية إلى مدينة دمشق التي تقع تحت السيطرة الحكومية، بعد تحرير المدينة الأثرية.
وأضاف “تم نقل جميع القطع الأثرية الذهبية التي تزن حوالي 100-200 أونصة على شكل تماثيل صغيرة من الذهب والمجوهرات القديمة إلى دمشق.” وأكد أيضاً على أن دمشق كانت قادرةً على استعادة العديد من التماثيل المدمرة التي لم يتمكن “داعش” من نقلها، وتشتمل هذه على بقايا أسد اللات، الذي يعود تاريخه إلى القرن الثاني والذي يزن 15 طناً، والذي كان أيضاً أحد أول الآثار التي استهدفتها جماعة “داعش” المتطرفة.

وبعد أسبوعٍ واحدٍ من استعادة السيطرة على المدينة، دخلت الدبابات والآليات العسكرية الروسية المدينة للمساعدة في عملية تطهيرها. إلا أن اكتشافاً مروّعاً سلط الضوء على فترة الحكم القصيرة، والوحشية، للجهاديين في المنطقة. فقد عثرت القوات السورية على مقبرةٍ جماعية تضم 42 جثة، كما أكدّ مصدرٌ عسكري. وكان الضحايا من الضباط والجنود وأعضاء اللجان الشعبية (الموالية للحكومة)، وأقاربهم، وذلك وفقاً لوكالة فرانس برس. في حين كان بعض الضحايا الـ42 من المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال.

قوات النظام متهمة “بنهب” تدمر

في مطلع شهر يونيو 2016، اتهم خبير التراث الثقافي الألماني الرائد قوات النظام السوري بنهب مدينة تدمر الأثرية، مثلما فعل المتشددون من قبلهم. جاءت تصريحات عالم الآثار هيرمان بارزينغر، رئيس مؤسسة التراث الثقافي البروسي عشية مؤتمرٍ عُقد ليومين في برلين حول سبل حماية المواقع التراثية التي دمرتها الحرب في سوريا. وأثناء تصريحاته لوسائل الإعلام، قال بارزينغر أن القوات السورية خارج الخدمة، “تُجري حفريات غير قانونية،” وبأنها “نهبت” موقع التراث العالمي لليونسكو.

تقارير عن تعاون النظام مع “داعش”

يُزعم أن استعادة سيطرة النظام على مدينة تدمر كان جزءاً من اتفاقٍ سري بين دمشق و”داعش،” مما سمح لـ”داعش” بسحب الاسلحة الثقيلة من المدينة إلى محافظة الرقة في شمال سوريا قبل الانسحاب. جاء هذا وفقاً لتقرير صادر عن شبكة سكاي نيوز البريطانية، نقلاً عن وثائق حصلت عليها من منشقين عن “داعش.”

وقال ستيوارت رامزي، مراسل سكاي نيوز الذي أعد التقرير، أنه سأل أحد المنشقين إذا ما كان “داعش” ينسق تحركاته مباشرةً مع الموالين للأسد أو حتى مع روسيا التي دعمت النظام بالطائرات الحربية، في الهجوم الذي قامت به القوات السورية “بسهولة” لاستعادة السيطرة على المدينة. رد المنشق على السؤال بكلمة واحدة: بالتأكيد.

“داعش” يستأنف هجماته بالقرب من تدمر

بعد ما يقرب الثلاثة أشهر على استعادة السيطرة على المدينة، ذكرت تقارير استئناف “داعش” لهجماته ضد قوات النظام وحلفائه بالقرب من تدمر.
وفي أوائل شهر يوليو 2016، أسقط “داعش” طائرةً عامودية عسكرية روسية، مما أسفر عن مقتل الطيارين. ويزعم أن الطائرة من طراز (Mi-25) كانت تقوم برحلةٍ تجريبية عندما تلقت طلباً للمساعدة من الجيش السوري الذي كان يتعرض لهجومٍ من عناصر “داعش” شرق مدينة تدمر.
وبعد أسبوعٍ من ذلك، صرّحت وزارة الدفاع الروسية، أنه رداً على هجوم “داعش،” دمرت 6 طائرات قاذفة بعيدة المدى من طراز (Tu-22M3 ) مركزيّ قيادة ومقراتٍ تابعة لـ”داعش.” وجاء في بيان وزارة الدفاع أنه “وفقاً للصور الاستخباراتية، دمرت الضربات الجوية مركزي قيادة للجماعة الإرهابية، وعناصر من التنظيم، ومركبات قتالية في معاقلهم.”

وفي الآونة الأخيرة، أي في الأول من سبتمبر 2016، تعرضت نقاط تفتيشٍ تابعة ٍ للنظام لهجومٍ من قبل مسلحي “داعش” بقذائف الهاون والرشاشات الثقيلة، مما أسفر عن مقتل وجرح العشرات من القوات الموالية للنظام في شمال شرق تدمر، فضلاً عن السيطرة على 11 نقطة تفتيش أمنية، وفقاً لمصادر محلية ونشطاء وسائل الإعلام.

ربما تحررت تدمر، إلا أن الحرب على الإرهاب لا تزال بعيدةً كل البعد عن النصر.

Advertisement
Fanack Water Palestine