وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)

مقبرة الحرب في طهران / Foto Fanack
مقبرة الحرب في طهران / Foto Fanack

المقدمة

عام 1979، وبعد سقوط الشاه وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران، كان هناك فرصة لتعزيز وضع العراق في المنطقة. حتى ذلك الحين كانت إيران، كونها منتجة كبيرة للنفط ومدججة بالسلاح أيضاً، واحدة من القوى الكبرى في منطقة الخليج، إذ كانت تمتلك على ثلثي احتياطات النفط في العالم. استفاد نظام صدام حسين من الفوضى والبلبلة التي كانت تحيط بتغير السلطة هناك، وأمل أن يملأ الفراغ الحاصل في القوة الإقليمية.

كما تطلعت بغداد إلى احتلال خوزستان – مقاطعة إيرانية ذات عرقية عربية، على حدود محافظة البصرة العراقية والخليج الفارسي – واستعادة السيطرة الكاملة على شط العرب (بعد مذلة معاهدة الجزائر عام 1975)، والتي من شأنها التخفيف من وضع العراق المحاط باليابسة. وفي النهاية، أمل صدام حسين أن يسبب توريط إيران في حرب إضعاف الجمهورية الإسلامية الجديدة، وبالتالي القضاء على التشجيع الذي كانت الثورة الإسلامية تعطيه للشيعة في العراق بشكل لا يمكن إنكاره.

ولمخاوفهم المشتركة حول تصدير الثورة، ضمن العراق دعم معظم الأنظمة العربية وحلفائهم الغربيين في حال نشوب أي صراع مستقبلي. وزادت طهران من عدائها للغرب باحتجاز موظفي السفارة الأمريكية كرهائن. علاوة على ذلك، كانت خوزستان نقطة ضعف الاقتصاد الإيراني لاحتوائها على معظم احتياطات البلاد من النفط ومنشآت الصناعة النفطية. في حال تمكنت العراق من الاستيلاء على خوزستان، فإنها تسيطر على احتياطي نفط أكبر من احتياطي المملكة العربية السعودية حتى.

في 17 أيلول/سبتمبر عام 1980، استغل نظام صدام حسين تهديدات لفظية وحادثة حدودية صغيرة لإلغاء المعاهدة التي فُرضت عليه قبل خمس سنوات في الجزائر بشأن شط العرب، مما أعاد وضع الممر المائي الحدودي في أيدي العراقيين بشكل كامل. وبعد خمسة أيام، غزا الجيش العراقي إيران على طول السهل الساحلي في خوزستان واندلعت الحرب العراقية الإيرانية. وبعد هذا الغزو، لم يقم مجلس الأمن بإدانة العراق أو طالب بانسحابه إلى ما وراء الحدود المعترف بها دولياً؛ وإنما اتخذ ببساطة قراراً يدعو الطرفين إلى وقف فوري لإطلاق النار.

غير أن الهجوم المفاجئ على إيران لم يحقق النتائج التي كان يتوقعها العراق وآخرون. ولم يؤدِ إلى انهيار الجمهورية الإسلامية، وإنما في الواقع ساعد على ترسيخ قوتها. وبعد أن تعافت إيران من الصدمة الأولى، تمكنت قواتها بسرعة من وقف تقدم العراق. ولم تتمكن القوات العراقية من اختراق أكثر من 75 إلى 100 كم داخل الأراضي الإيرانية. ولم يقف سكان خوزستان العرب إلى جانب صدام حسين. بحلول منتصف عام 1982، أدت سلسلة من الهجمات العسكرية إلى طرد القوات العراقية إلى ما وراء حدوده.

وبعدها نقل سلاح الجو الإيراني الحرب إلى المدن العراقية، مما تسبب في دمار كبير، ولا سيما في جنوب العراق. وقامت سوريا المجاورة، والتي كانت العلاقات معها صعبة لسنوات عديدة، بإغلاق خطوط أنابيب النفط إلى البحر الأبيض المتوسط، مما قطع أهم مصدر لعائدات العراق. وبدأت المشاكل الاقتصادية في الازدياد.

الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)

في 22 أيلول/سبتمبر 1980، غزت القوات العراقية إيران، مشعلةً بذلك فتيل حرب استمرت ثماني سنوات. كانت حرب الخليج الأولى، والمعروفة باسم الحرب العراقية الإيرانية – “الحرب المفروضة”، كما سمتها السلطات الإيرانية – من أطول النزاعات وأكثرها فظاعة بين الدول منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

كانت نتائج هذه الحرب مدمرة للدولتين. فقد قُدر عدد القتلى بحوالي المليون والجرحى مليونين. وشارك في الحرب حوالي 40% من الذكور الراشدين في كلا البلدين. وتم تهجير أكثر من مليون شخص تقريباً. وتدمير 157 بلدة إيرانية على الأقل أو تضررت إلى حد كبير، بينما اختفت حوالي 1,500 بلدة عن الخارطة. وقدرت تكاليف الحرب الإجمالية بحوالي 1,2 مليار دولار.

تفسيرات الأصول التاريخية والأسباب المباشرة للحرب كثيرة. وفي حين تركز بعض الدراسات على الأبعاد الإقليمية للنزاع، تركز دراسات أخرى على دور الإيديولوجيات المتعارضة. ثمة دراسات تلقي الضوء على العداوة العربية الفارسية القديمة، وأخرى تشدد على الخطر المباشر الذي تمثّله الثورة الإسلامية الإيرانية على العراق والنظام الإقليمي.

السبب المباشر للحرب كان مسألة السيادة على شط العرب (بالعربية) أو اَروَندرود (بالفارسية). يبلغ طول هذا المجرى المائي 200 كم، ويشكّل آخر 80 كم منهالحدود بين إيران والعراق. يعتبر هذا النهر استراتيجياً بالنسبة لكلا البلدين لأن البصرة، الميناء العراقي الوحيد الواصل إلى الخليج الفارسي، تقع أعلى المجرى المائي، ولكلا البلدين منشآت نفطية بالقرب منه.

لسنوات عديدة، كانت جرت اشتباكات عند الحدود بين البلدين، وتم التوصل إلى اتفاقية عام 1975 في الجزائر. وفي أواخر شهر آب/أغسطس 1980، أصدر صدام حسين إنذاراً أخيراًيطالب فيه إيران منح العراق السيادة على شط العرب. وعندما انتهت صلاحية الإنذار من دون تحرك الحكومة الإيرانية، قامت الجيوش العراقية بغزو إيران.

مسار الأحداث

لم يرَ العراق في الثورة الإيرانية تهديداً فحسب، وإنما أيضاً فرصة. اعتقد صدام حسين أن الاضطراب الداخلي الذي أحدثته الثورة وأعمال القمع والثورات العرقية والمنافسات السياسية أضعفت المجتمع والقوات المسلحة الإيرانية، وبالتالي لم يعد الإيرانيون قادرين على التصدي لهجمة عسكرية، الأمر الذي قد يضطرهم إلى الموافقة على مطالبه.

لكن، وخلافاً لتوقعات القيادة العراقية والعديد من المحللين العسكريين في ذلك الحين، تمكنت القوات الإيرانية من التصدي للغزو العراقي. واعتباراً من عام 1982، تمكنت من نقل الحرب إلى الأراضي العراقية. يمكن عزو قوة إيران غير المتوقعة إلى أسس وطنية وواقع أنّ القيادة حظيت بدعم شرائح كبيرة من السكان وتمكنت من حشد مئات الآلاف من المتطوعين للنزاع.

حتى بعد أن استعادت إيران أرضها، لم تستجب القيادة الإيرانية لطلبات وقف إطلاق النار، وأصرت على القضاء على صدام حسين ونظامه. ويعتبر البعض أن القيادة الإيرانية كانت تعي جيداً أن استمرار الحرب قد يؤثر بشكل كبير على نتائج النزاع الداخلي على السلطة والشكل النهائي للدولة.

طيلة سنوات الحرب، رفض آية الله الخميني عروض السلام من النظام العراقي ومؤيديه. وغالباً ما كان يستخدم شعار “الحرب، الحرب حتى النصر” في الدعاية الإعلامية أثناء الحرب، والترويج للشهادة كهدف أسمى. على ضوء ذلك، يصعب تصور كيفية تبرير القيادة الإيرانية قبولها لقرار مجلس الأمن رقم 598 الصادر عام 1988، والذي يطالب بوقف إطلاق النار.

اعتباراً من عام 1986، بدأ الإنهاك من الحرب يظهر. لم يكن النصر قريباً، وتدهور الاقتصاد إلى حد كبير، كما استشهد آلاف الشباب. وأضطر تزايد انتقاد سياسة الحرب القيادة الإيرانية إلى البدء بالتفاوض لوقف إطلاق النار عام 1988. وفي تلك السنة، اعتبر إسقاط طائرة ركاب مدنية إيرانية (المفترض عرضياً) في الخليج الفارسي على يد وحدات تابعة للقوات البحرية الأمريكية، سبباً مباشراً لتغيير الموقف الإيراني.

في 18 تموز/يوليو 1988، وافق الخميني على مضض على قرار مجلس الأمن رقم 598، قائلاً: “كانت الموافقة على القرار مريرة حقاً ومسألة مأساوية للجميع، وخاصة بالنسبة لي… في هذه المرحلة، أرى أن ذلك يصب في مصلحة الثورة والنظام… الموت والشهادة أهون علي من ذلك… كم أنا حزين، لأنني تجرعت كأساً من السم حين وافقت على القرار”.