وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

التلوث في الجزائر

Specials- Pollution algeria
أحد المتطوعين الجزائريين يحمل كيساً للنفايات التي تم جمعها من شوارع العاصمة الجزائر كجزءٍ من مبادرة لتنظيف المدينة بعد المظاهرات المستمرة، في 15 مارس 2019. Photo AFP

الجزائر كغيرها من بقية دول العالم لم تسلم هي الأخرى من مشكلة التلوث البيئي، الذي أصبح هاجساً يؤرق الحكومة والمواطن على حد سواء. وما زاد من حدته الفضلات والمهملات المنتشرة في كل مكان، داخل المدن وخارجها وكذا المنشآت الصناعية المتواجدة في قلب المدن الكبرى أو على أطرافها، وهو ما ينبئ بكوارث بيئية وصحية لا يحمد عقباها.

كما تشهد نسب التلوث ازداياً مستمراً، الأمر الذي يمكن إرجاعه بصفة أساسية للغازات السامة والأدخنة المنبعثة من المصانع وخاصة الكيميائية، وكذا الانبعاث المتزايد لغاز ثاني أكسيد الكربون من السيارات، ناهيك عن الاستعمال غير العقلاني للأسمدة والمبيدات الأمر الذي زاد من نسبة تلوث الهواء وحتى الغذاء الذي يستهلكه الإنسان.

وفي هذا السياق، أشار الخبير والباحث الفرنسي جاك موسافير، الرئيس المدير العام لشركة أريا تكنولوجيا، لأرصاد التلوث البيئي ومقرها دولة قطر، في حوار صحفي لجريدة المساء بتاريخ 5 فبراير 2016، أن الجزائر تعد من بين أكثر الدول تلوثاً في العالم، وهو ما يستدعي تدخل السلطات المعنية بحماية البيئة للبحث عن آليات تحد من انبعاث الغازات وتحمي المدن من مخاطر التلوث.

ووفقاً لدراسة أجرتها جامعة هارفارد عام 2018، تعد الجزائر من بين البلدان الأكثر تعرضاً للخطر بسبب “اعتمادها الشديد على الأطعمة التي تفقد المواد المغذية عندما يزيد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الهواء.”

وهو نفس المنحى الذي سار فيه البنك الدولي ومعهد القياسات الصحية والتقييم، هو معهد متخصص في البحوث العالمية يهتم بتسريع وتيرة التقدم الصحي العالمي، في تقرير مشترك أعد سنة 2016 بعنوان “تكلفة تلوث الهواء،” أكد فيه أن الجزائر تعد من بين أكثر دول العالم تلوثاً إضافة إلى كل من المكسيك والصين والهند ودول الشرق الأوسط، كما أشار التقرير أن نسبة الوفيات سنة 2013 بسبب التلوث بلغت نسبة 10%.

النفايات

يعد التلوث الناتج عن تراكم النفايات من بين أكثر الأشكال انتشاراً، حيث أشار في هذا الصدد السيد عبد الحكيم بطاش، رئيس بلدية الجزائر الوسطى، في حوار له على قناة النهار التلفزيونية تم بثه يوم 26 أكتوبر 2018، أن النفايات ظاهرة تعرفها كل المدن الجزائرية دون استثناء على غرار بلدية الجزائر الوسطى، حيث أكد أنه يجب على المواطن أن يتحمل مسؤوليته في هذا الجانب، فالمواطن يعد السبب الأول والرئيس لظاهرة تراكم النفايات في الشوارع، بسبب الرمي العشوائي للنفايات وعدم احترام أوقات إخراجها من المنازل.

كما أشار السيد بطاش أن بلدية الجزائر الوسطى وضعت رقم هاتف تحت تصرف المواطنين إضافة إلى شاحنات وعمال من أجل رفع النفايات الخاصة (بقايا الترميمات المنزلية، الآلات الكهرومنزلية العاطلة…)، إلا أن هذه العملية لم تلق التجاوب المنتظر منها من طرف المواطنين.

أما رئيس بلدية براقي بالجزائر العاصمة السيد الحاج غازي، فقد حمّل مسؤولية النفايات المتراكمة في كل مكان لثلاث أطراف هم المواطنون، والمؤسسة المكلفة بالنظافة وكذا السلطات المحلية، والذي حسبه يجب تعاونهم جميعاً والتنسيق فيما بينهم من أجل القضاء على ظاهرة التلوث البيئي الناتج عن الرمي العشوائي للنفايات التي باتت تهدد صحة المواطنين وتشكل خطراً على بيئته دون أن ننسى مساسها بجمال ورونق الجزائر العاصمة.

تلوث المياه والغذاء

ومن بين أشكال التلوث الذي يمكن أن يضرب صحة المواطن هو التلوث الذي يصيب المياه وكذا الأغذية التي يتناولها الإنسان، ولعل داء الكوليرا الذي ضرب الجزائر في شهر أكتوبر من سنة 2018 لخير دليل على ذلك، والسبب في تفشي الوباء حسب التحاليل التي تم إجراؤها هو تلوث منبع للمياه في سيدي الكبير بولاية تيبازة. كما حذر معهد باستور (المعهد الوطني المتخصص في الأوبئة بالجزائر العاصمة) الجزائريين من تناول الخضراوات والفواكه دون الغسل الجيد أو تناول تلك التي يتم سقيها بمياه قذرة، والتي يمكن أن تكون حسبه مصدراً لنقل هذا الوباء.

فقد سعت الجزائر جاهدة لمحاربته والسعي للتخفيف من حدته، من خلال إجبار الملوثين على تحمل تكلفة تلويثهم للبيئة، إذ تم في هذا الصدد إصدار عدة قوانين هدفها حماية البيئة من كافة أشكال التلوث وحماية الموارد الطبيعية وضمان ديمومتها، أولها كان القانون المتعلق بحماية البيئة المؤرخ الصادر سنة 1983. تلتها ترسانة من القوانين والمراسيم التنفيذية تنظم مختلف الجوانب البيئية وإجراءات حمايتها مع العقوبات والرسوم المفروضة على المتسببين في تلويثها.

التلوث البلاستيكي

أحيت الجزائر مؤخراً اليوم العالمي للبيئة بتاريخ 5 يونيو 2018 تحت شعار “التغلب على التلوث البلاستيكي،” وصرحت وزيرة البيئة والطاقات المتجددة السيدة فاطمة الزهراء زرواطي بهذه المناسبة في فوروم الإذاعة الجزائرية، أن الجزائر تستعد بهذه المناسبة لإصدار مجموعة من النصوص القانونية والتنظيمية في مجال إعادة تدوير النفايات وحماية البيئة، والتي من شأنها أن تحفز المتعاملين الاقتصاديين وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار في مجال استرجاع النفايات البلاستيكية وإعادة تدويرها.

كما صرحت الوزيرة أن الجزائر تستهلك سنوياً حوالي 5,5 مليار كيس بلاستيكي، محذرة في هذا السياق من الأكياس المجهولة المصدر والتي تتسبب حسبها في كوارث بيئية في العديد من المدن الكبرى. ومن بين الحلول لمشكلة التلوث البيئي في هذا المجال هو إعادة تدوير النفايات بكافة أنواعها، هذا النشاط الذي لم يعرف المستوى المطلوب في الجزائر رغم أهميته على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بدرجة كبيرة، ومن أجل بعث هذا النشاط تسعى الجزائر إلى إقامة شراكات مع الأجانب وكذلك تشجيع الخواص على دخول هذا المجال من خلال التسهيلات المقدمة لهم وكذلك التكوين والمرافقة، وكمثال على ذلك ما قامت به الوكالة الوطنية للنفايات في إطار الشراكة الجزائرية الهولندية في مجال إعادة تدوير النفايات وبالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة الجزائرية من تكوين لفائدة إطارات وزارة البيئة والمستثمرين المهتمين بهذا النشاط في الفترة ما بين يوليو 2017 بغية تشجيع نشاط إعادة التدوير في الجزائر.

زيادة الوعي

من بين الأنشطة التي تنظمها وزارة البيئة والطاقات المتجددة هي حملات التوعية ذات الطابع الوطني لتنظيف الأحياء والتي أشرفت عليها وزيرة البيئة شخصياً بتاريخ 30 أكتوبر 2018، حيث شاركت في هذه الحملات مختلف مصالح النظافة وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني.

فقد أكدت الوزيرة في تقرير للقناة الجزائرية الثالثة أن مثل هذه الحملات يجب أن لا يكون ظرفياً وأنه يجب العمل على ترسيخ ثقافة بيئية لدى المواطن الجزائري الذي يقع على عاتقه الدور الأهم في التخفيف من حدة النفايات، كما أكدت الوزيرة في ذات التقرير أن عملية القضاء على النفايات من المدن الجزائرية هي عملية تشاركية ما بين السلطات المحلية والمجتمع المدني بمختلف أطيافه.

ومن بين الآليات لدعم الثقافة البيئية للمواطن الجزائري، هو خلق ثقافة بيئية لدى التلاميذ، الأمر الذي سعت إليه وزارة البيئة بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية من خلال تنصيب نوادي للبيئة، إذ تم تنصيب أول نادي للبيئة بالمؤسسات التربوية لبلدية الجزائر الوسطى يوم 5 فبراير 2019، على أن يتم تنصيب نوادٍ أخرى على مستوى نفس البلدية.

ومن بين المشاريع الهامة التي تهدف لحماية البيئة وتنظيفها من النفايات، هو مشروع تهيئة وادي الحراش، أكبر وادي تصب فيه المياه القذرة نحو البحر بالجزائر العاصمة والذي يعرف بنسبة تلوث جد عالية. وبحسب التقرير الذي نشرته جريدة المساء بتاريخ 23 سبتمبر 2018، من المفترض أن تنتهي أشغال تنظيف وتوسيع مجرى الوادي بحلول صيف عام 2019. وستسمح عملية تهيئته من استغلال 500 هكتار لانجاز فضاءات ترفيهية وملاعب ومسالك للدراجات الهوائية، الأمر الذي سيمكن من القضاء على أحد أهم النقاط السوداء المضرة بالبيئة على مستوى العاصمة، وكذا توفير فضاء مهم لراحة واستجمام سكانها.

وبالرغم من كل القوانين البيئية والمخططات الوطنية التي تم اعتمادها في الجزائر حفاظاً على البيئة من الأخطار المحدقة بها، إلا أن نسب التلوث وخاصة في المدن الكبرى لا يزال مرتفعاً ويعد من المشاكل الأساسية (50 % من الإصابة بأمراض انسداد القصبة الهوائية، الربو وسرطان الرئة،…إلخ سببها التلوث البيئي). يثقل هذا الأمر كاهل الخزينة العمومية التي تخصص مئات المليارات سنوياً لمعالجة هذه الأمراض المستعصية وآثارها الجانبية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء.