وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

السيد القمني: مفكر شجاع بمعارك مختلفة

سيد القمني مثقف مصري معروف بمواقفه المثيرة للجدل داخل مصر والعالم العربي. وبينما اعتبره البعض شخصية بارزة في حركة التنوير العقلانية، اتهمه آخرون بالهرطقة والإلحاد، مما أدى إلى رفع دعاوى قضائية ضده.

السيد القمني
صورة تم التقاطها لسيّد القمني في عام 2009.

يوسف م. شرقاوي

كان المفكر المصري سيد القمني من أكثر المفكرين إثارة للجدل في مصر والعالم العربي. وما من رأيٍ عربي ثابت عن القمني، إذ اعتبره البعض واحداً من أبرز العاملين في التيار العقلاني التنويري. أما البعض الآخر فاتهموه بالكفر والإلحاد ورُفعت بحقه قضايا كثيرة.

الحياة والصعود

ولد السيد القمني عام 1947 في إحدى قرى مدينة الواسطى في محافظة بني سويف (شمال صعيد مصر). ودرس الفلسفة في جامعة عين شمس التي تخرج منها عام 1969. وبعد عمله معلماً لفترة، عاود الدراسة في جامعة القديس يوسف في بيروت، ثم بدأ في كتابة أطروحته، التي حاز عنها الدكتوراه من جامعة جنوب كاليفورنيا. وكانت رسالته تحت إشراف أستاذ الفلسفة المصري فؤاد زكريا.

تخصص القمني بعد ذلك في الكتابة عن بواكير التاريخ الإسلامي، محللاً وناقداً الكثير من المحطات التاريخية الإسلامية حتى هُدّد بالاغتيال عام 2005.

ونال القمني شهرة واسعة في الثلاثين سنة الأخيرة، بسبب المعارك الفكرية والمناظرات الإعلامية التي خاضها سواء مع قوى فكرية محافظة أو مع مثقفين من داخل معسكر “التنوير” الذي عد القمني نفسه ممثلاً له.

ويقول الكاتب المصري سيد محمود: “بدأ القمني رحلته مع الكتابة عبر سلسلة من المقالات كتبها في الأنثروبولوجيا التاريخية، وعلوم المصريات ضمن أعداد مجلة “الكرمل” الفلسطينية، التي كانت تصدر برئاسة الشاعر الفلسطيني محمود درويش نهاية الثمانينيات”.

وشكلت تلك المقالات نواة لكتابه الأول “أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة“. ولم يثر الكتاب سجالات واسعة كتلك التي عرفها كتابه “النبي إبراهيم والتاريخ المجهول“. ففي ذلك الكتاب أجرى القمني مقاربات تاريخية حول الديانة الإبراهيمية ومسارها في الجزيرة العربية.

وعقب المواجهات التي شهدتها مصر مع قوى الإسلام السياسي، نمت حركةٌ فكرية هدفها نقد تلك التيارات على اختلاف مصادرها الفكرية والعقائدية.

من جملة المفكرين الذين قادوا تلك الحركة، حسب سيد محمود، الفيلسوف فؤاد زكريا، وآخرون من أنصار الفكر الاعتزالي. وكان من هؤلاء حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد وعلي مبروك. وتولى مثقفون يمثلون القوى الليبرالية مواقع مؤثرة داخل المؤسسات الثقافية وعلى رأس مطبوعاتها، وكان من أبرزهم الناقدان الراحلان جابر عصفور وغالي شكري.

ويضيف سيد محمود: “حقق كتاب السيد القمني في تلك الفترة “الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية” نجاحاً كبيراً أسهم في تكريس اسمه كصوت نقدي في مجال الدراسات المرتبطة بالتاريخ الإسلامي.

وتوالت بعد هذا الكتاب مجموعة من المؤلفات التي كانت تحقق مبيعات كبيرة وتحظى بانتشار في أوساط معارضي الحركات الدينية الراديكالية ومنها “حروب دولة الرسول“، و”قصة الخلق: منابع سفر التكوين“، و”النسخ في الوحي: محاولة فهم“».

المعركة وأسلوب القتال

بدأت معركة القمني الحقيقية بعد نكسة حزيران 1967. تلك الهزيمة قادته للتفكير فيما حدث، وليصير جندياً “من نوع آخر” كما قال في حوار لـ Middle East Times في عام 2004.

جذر المشكلة بالنسبة للقمني يمكن في الإطار الفكري الإسلامي، لا في الإطار الفكري العروبي. وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي عبد الله رامي: “من وقتها، بدأت معركته التي بلغت ذروتها في مواجهة التيار الديني خلال التسعينيات بمؤلفات عديدة، فضلاً عن المناظرات والسجالات التي خاضها”. كما يقول عبد الله رامي.

القمني خاض معركته بطريقة تختلف عما فعله أبناء جيله. إذ كان، بكلام الكاتب محمد طلبة رضوان: “ابن سياق “الصحوة الإسلامية”، وما أنتجته من “إسلامٍ غاضب”. كما أنه مجايلٌ للمشروعات الأيديولوجية الكبرى التي حاولت أن تجد مخرجاً للأمة في تراثها، ومخزونها النفسي والحضاري، بتعبير (المفكر) حسن حنفي، فإذا بها تعيد قراءته، أو بالأحرى توجيهه، ليتناسب مع أيديولوجيات تقدّمية محدّدة سلفا.

من هنا، جاء القمني، لكنه لم ينته إلى ما انتهى إليه أصحاب المشروعات الحقيقية. فقد قرّر أن يلعب اللعبة بكل ما أوتي من خيال، وكلّ ما يحتمل السياق الديني المأزوم، من شعبويةٍ، وبكل ما يسمح به السياق السياسي “المنحطّ” من “فهلوة” وانتهازية، ولعب بالبيضة والحجر”.

المنهج والأعمال

سار القمني وفق خطين متوازيين، بحسب صحيفة الأخبار. ويتعلق الخط الأول يتعلّق بالإسلام والإسلاميات واستخدم فيه المنهج المادي التاريخي، “مقدّماً ما يطلق عليه بنفسه “قراءة سوسيو ــ تاريخية للسيرة النبوية”.

وضمّن هذه القراءة في كتبه “حروب دولة الرسول”، و”الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية” و”النسخ في الوحي” وغيرها من المؤلفات”.

أما الخط الآخر فيتعلق “بالعصور السابقة للإسلام، بل للأديان التوحيدية. هنا تناول أساطير الرافدين القديمة كبداية، إذ اعتقد أنها المصدر الأساسي الذي أخذت عنه التوراة، فنسخت الأساطير البابلية والسومرية من دون تغيير. وقال القمني بأن القرآن أخذ الأساطير نفسها عن التوراة.

وفي هذا السياق، وضع كتاب “الأسطورة والتراث” الذي كان المنطلق، ثم “قصة الخلق: منابع سفر التكوين” و”مدخل إلى فهم دور الميثولوجيا التوراتية”، و”النبي إبراهيم والتاريخ المجهول”، و”إسرائيليات التوراة: التاريخ التضليل””.

للقمني أعمالٌ في قضايا سياسية واجتماعية معاصرة أيضاً من أبرزها “أهل الدين والديمقراطية“، و”شكراً بن لادن“، و”خريطة الطريق نحو الإصلاح“، و”الفاشيون والوطن“، و”صحوتنا لا بارك الله فيها“، و”الحجاب وقمة الـ 17″.

نموذج المفكر الشجاع

يمكن اعتبار مقولة قالها القمني في واحد من حواراته قضيّةَ حياته ومركزها: “لا بد من تحطيم أوثان العقل الغيبي”.

كان القمني يوصف بالشجاعة، كما يقول الكاتب إبراهيم الفرغلي، “لأنه استمر في مشروعه في إعادة قراءة التاريخ، وخصوصاً التاريخ الإسلامي، بالاستناد إلى الكثير من المدوّنات المسكوت عنها، والمُزاحة من المتن الرسمي السائد في تتبّع تاريخ الإسلام، وبالتالي في الأسس التي بنيت عليها خطابات الإسلام السياسي القائمة على التكفير وإقصاء الآخر، وتقديم تحليله الخاص لتلك الكتابات”.

وكما كان في حياته كان في موته، حيث اشتعل الجدل الافتراضي حول تركته ومشروعه، بعد وفاته في السادس من شباط عام 2022، خاتماً مسيرة كانت شاهدة على حقبة ضاجّة بالتحولات السياسية والاجتماعية.