وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مصر: برامج تنظيم السكان تكتسب زخماً

Population of egypt
Aصورة التقطت في 12 ديسمبر 2017، تظهر مشهداً عاماً لمنطقة العتبة المتاخمة لوسط القاهرة في مصر. Photo: MOHAMED EL-SHAHED / AFP

من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 100 مليون في بداية عام 2020، بالرغم من أن الرقم في عام 2013، وصل إلى 86 مليون. كما تشير التقديرات إلى أن عدد السكان سيزداد إلى 120 مليوناً في عام 2030 و150 مليوناً في عام 2050. علاوةً على ذلك، فإن أكثر من نصف السكان تقل أعمارهم عن 25 عاماً. وعليه، بدأت البرامج الحكومية التي أدخلت في عام 2018 للحد من النمو السكاني بالتزايد. وعلى الرغم من الطريق الطويل الذي ينتظرها، إلا أن الأرقام الأخيرة الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان تشير إلى وجود سببٍ يدعو إلى التفاؤل الحذر.

مع عيش الغالبية العظمى من المصريين في القطاع الخصب على طول نهر النيل وتنامي سوق العمل بالفعل لاستيعاب الشباب الذين يدخلون إلى القوى العاملة، يفرض النمو السكاني عبئاً هائلاً على الخدمات الحكومية مثل مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي والتعليم والرعاية الصحية، وذلك في ظل الكميات المحدودة بالفعل من المياه والأراضي الصالحة للزراعة.

وبين عامي 2011 و2016، ارتفع عدد الأطفال في المدارس الابتدائية بنسبة 40%، مما أدى إلى ازدحام الفصول الدراسية وحضور الأطفال إلى المدارس للتقدم للامتحانات فحسب. علاوةً على ذلك، فإن نصيب الفرد من المياه يقل بالفعل عن الحد الأدنى الدولي، وتُصنف البلاد كأكبر مستوردٍ للقمح في العالم.

وبحسب الخبراء، لا ينبغي أن يتجاوز النمو السكاني ثلث النمو الاقتصادي بحدٍ أقصى منعاً لتدهور مستويات المعيشة. ومع أن تدابير التقشف الشديدة التي اتخذت منذ عام 2016 كجزء من صفقة قرض صندوق البنك الدولي بقيمة 12 مليار دولار قد أدت إلى نمو اقتصادي أعلى بنسبة 5,5%، إلا أن هذا لا يكفي لمواكبة النمو السكاني البالغ حوالي 2% سنوياً.

في واقع الأمر، تشهد مستويات المعيشة تدهوراً، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر في يوليو 2019 أن 32,5% من المصريين كانوا يعيشون تحت خط الفقر في عام 2018، في ارتفاعٍ ملحوظ من ما نسبته 27,8% في عام 2015. كما حدد الجهاز خط الفقر بـ737 جنيه شهرياً للفرد الواحد، أي ما يعادل تقريباً 1,50 دولار في اليوم.

كما أقر الرئيس عبد الفتاح السيسي في عام 2017 بأن كبح النمو السكاني يمثل إحدى الأولويات، ووصفه بأنه “تهديد كبير مثل الإرهاب.” ومنذ ذلك الحين، تم إدخال العديد من البرامج، بهدف خلق الوعي حول مزايا الأسر الصغيرة ووسائل منع الحمل، فضلاً عن توفير الحوافز المالية لإنجاب عدد أقل من الأطفال.

من جهتها، أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي عن حملة ” اتنين كفاية” في عام 2017، التي تشجع الناس على الحد من حجم الأسرة. وتتمثل الرسالة الرئيسية في أن تحديد النسل يمكن أن ينتشل الناس من الفقر، بيد أن هذا ليس بالأمر السهل، ذلك أن الفقر يمكن أن يكون محركاً مهماً لإنجاب المزيد من الأطفال. يتم إرسال الأطفال، وخاصة في الأحياء الفقيرة في صعيد مصر والقاهرة ، للعمل في الأراضي أو في ورش العمل في سنٍ مبكرة ويمثلون مصدر دخل إضافي مهم للعائلات الفقيرة.

تشتمل الحملة أيضاً على نشر لوحاتٍ إعلانية في الشوارع، وتوفير وسائل منع الحمل الرخيصة وإنشاء عيادات في الأحياء، إلى جانب العيادات المتنقلة للمناطق النائية.

مبادرة أخرى هي برنامج مصر لتنظيم الأسرة، الذي يمتد لخمس سنوات، والذي أطلقته وزارة الصحة عام 2018 بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويشمل التثقيف في مجال الصحة الإنجابية للعاملين في المجال الطبي وحملات نشر الملصقات والإعلانات التلفزيونية والعيادات التي توفر معلومات حول تنظيم الأسرة ودعمه.

بالإضافة إلى ذلك، ستقوم الوزارة بتوزيع خدمات منع الحمل والصحة الإنجابية المجانية عبر المدن والقرى المحيطة في ديسمبر 2019 كجزء من الحملة التي يمولها الاتحاد الأوروبي، والتي حملت شعار “حقك تنظمي.”

ففي أواخر نوفمبر 2018، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الدعم النقدي للمصريين الأكثر فقراً لن يغطي الأسر التي تتجاوز الطفل الثاني. ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت هذه الخطة قد تم تنفيذها بالفعل.

تعدّ مشاركة المنظمات الدولية وخاصة الاتحاد الأوروبي جلية: فمصر المكتظة بالسكان والفقراء يمكن أن تصبح مصدراً رئيسياً للهجرة، التي تريد الدول الأوروبية تجنبها. ففي عام 2016 على سبيل المثال، انقلب قاربٌ يحمل مصريين في الغالب قبالة الساحل بالقرب من الإسكندرية. وعليه، تم إغلاق حدود مصر بحزمٍ منذ ذلك الحين، ولكن لا يزال هناك احتمالٌ بحصول هجرة جماعية ضخمة.

ومع ذلك، تشير أحدث أرقام صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى وجود سببٍ يدعو إلى التفاؤل الحذر. ففي عام 2018، انخفض معدل الخصوبة لأول مرة منذ عام 2010 إلى 3,1، إذ بلغ معدل الخصوبة في العام السابق 3,4 وفي عام 2014 وصل إلى 3,5.

تعتقد نهلة عبد التواب، مديرة مكتب مجلس السكان الدولي في مصر، أن هذا مرتبط بزيادة الوعي، إذ قالت لفَنَك: “أعتقد أن حملة [اتنين كفاية] ساعدت في تذكير العامة بمشكلة السكان، لأن وسائل الإعلام قد توقفت عن مناقشتها منذ عدة سنوات.” وأضافت “كما يتطرق الرئيس السيسي مراراً وتكراراً لمشكلة النمو السكاني السريع، وبالتالي ربما زاد الوعي العام.”

ومع ذلك، أضافت إنه لم يكن هناك تقييم لحملتي “اتنين كفاية” و”برنامج مصر لتنظيم الأسرة،” وبالتالي فإن البيانات الثابتة لإثبات فعاليتها غير متوفرة بعد.

يعتقد بعض الخبراء أن الحملات الحالية بحد ذاتها غير كافية، بحجة أن التثقيف الجنسي السليم في المدارس ضروري لتغيير عقلية عميقة الجذور بين العديد من المصريين بأن إنجاب المزيد من الأطفال، بطبيعته، أفضل.

“رأينا الكثير من الأزواج الذين يقولون أنهم لا يفضلون استخدام وسائل تنظيم الأسرة إلى أن ينجبوا ما يكفي من الأطفال [طفل واحد على الأقل]،” على حد تعبير عبد التواب.

بالعادة، تعدّ معدلات الخصوبة أعلى في صعيد مصر، لكن دراسة صندوق الأمم المتحدة للسكان أظهرت أن المعدلات انخفضت على وجه الخصوص في هذه المنطقة. ومن ناحيةٍ أخرى، في القاهرة والإسكندرية، ارتفعت معدلات الخصوبة. من هنا، تركز مبادرة برنامج مصر لتنظيم الأسرة على أكبر مدينتين في مصر بالإضافة إلى صعيد مصر، الذي بالرغم من الانخفاض الذي يشهده لا يزال يضم أكبر عددٍ من المواليد الجدد.

وبحسب عبد التواب، تشير الأبحاث إلى أن العقوبات المالية التي اقترحها مدبولي “ليست أفضل أسلوب لتشجيع الأسر على خفض الخصوبة.” بل ستكون زيادة الوعي بمخاطر الحمل المتعدد والمتقارب وتحسين جودة وكمية خدمات تنظيم الأسرة المتاحة أكثر فعالية. كما تدعو إلى تمكين المرأة اجتماعياً واقتصادياً “ليكون لديهن مجالات أخرى لإثبات قيمتهن.”

تهدف الحكومة إلى خفض معدل الخصوبة إلى 2,4 بحلول عام 2030. وبالتالي، ستُظهر السنوات القادمة ما إذا كانت الحملات تحقق النتائج المرجوة.