وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إبراهيم رئيسي، رجل الدين المحافظ رئيساً جديداً لإيران

إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. ATTA KENARE / AFP

فلورينس ماسينا

يعدّ إبراهيم رئيسي، الذي تم تنصيبه رئيساً جديداً لولاية مدتها أربع سنوات في 3 أغسطس 2021، الممثل المحافظ الجديد لإيران بعد ولايتيّ المعتدل حسن روحاني. وعليه، سيواجه، في ظل الأوضاعٍ الاجتماعية والمالية والصحية المزرية في البلاد، تحدياتٍ كبيرة إلى جانب محاولاته استمالة شعبٍ متعطشٍ للتغيير السياسي.

انتخب رئيسي، البالغ من العمر ستين عاماً، بنسبة 62,9% من الأصوات بينما كانت نسبة الامتناع عن التصويت مرتفعةً جداً (حوالي 61%)، كما كان هناك معدل قياسي للبطاقات الاحتجاجية الفارغة والباطلة والمفقودة (حوالي 13%). ومن الجدير بالذكر أن هذه كانت المرة الثانية التي يترشح فيها إبراهيم رئيسي للرئاسة، بيد أنه نجح هذه المرة بهامشٍ ضئيل من الفشل حيث بدا أن هناك إجماعٌ على انتخابه، خاصة بعد استبعاد مرشحين بارزين مثل الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.

وفي أعقاب الانتخابات الرئاسية، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية، إن الانتخابات “لم تكن حرة ولا نزيهة مما يثير مخاوف جدية بشأن حقوق الإنسان والمساءلة في البلاد.”

سلط التقرير الضوء على مسيرة رئيسي، الذي شغل عدة مناصب في النظام القضائي الإيراني، منذ بداياته كمدعٍ عام لإحدى ضواحي طهران في سن العشرين إلى أن أصبح قاضياً، ثم تقلّد مناصب أعلى مثل نائب رئيس السلطة القضائية، ونائب المدعي العام والمدعي العام في طهران، وكان آخر منصبٍ له هو رئيس السلطة القضائية في إيران.

وبحسب منظمة العفو الدولية، زُعم تورط رئيسي في عمليات إعدام خارج نطاق القضاء لما لا يقل عن 5000 من معارضي النظام في عام 1988، وذلك خلال فترة توليه منصب نائب المدعي العام في محكمة الثورة بطهران.

وفي هذا الصدد، قال مايكل بَيج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “مهدت السلطات الإيرانية الطريق لإبراهيم رئيسي ليصبح رئيساً بالقمع وانتخابات غير عادلة. أشرف رئيسي من منصبه على رأس الجهاز القضائي القمعي على بعض أبشع الجرائم في تاريخ إيران الحديث، وهي جرائم تستحق التحقيق والمساءلة بدلاً من الانتخاب لشغل منصب رفيع.”

لذا، تعدّ شرعيته بالنسبة للسكان موضع تساؤل، لا سيما في وقتٍ تحتاج فيه البلاد إلى الإصلاح والأمان في المستقبل. وبحسب ما قاله نيسان رافاتي، محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية، لفَنَك: “يُكمّل انتخاب رئيسي استيلاء المحافظين على جميع مراكز الجمهورية الإسلامية للسلطة المنتخبة وغير المنتخبة.” وأضاف، “يتولى منصبه في وقتٍ يشهد تحديات خطيرة، على الصعيدين المحلي وعلى صعيد العلاقات الخارجية: اقتصادٌ متعثر، واحتجاجات على الخدمات الأساسية، ووباء فيروس كورونا، كما أن مصير الاتفاق النووي لعام 2015 على المحك، بيد أنه لم يقدم الكثير حقاً من حيث السياسات الملموسة حول كيفية معالجة هذه القضايا، حيث قضى كل حياته المهنية تقريباً في السلك القضائي، وارتبط اسمه ببعض الفصول الظلامية فيما يتعلق بحقوق الإنسان.”

فالاحتجاجات في إيران مستمرةٌ منذ عام 2016، ويرجع ذلك بشكلٍ أساسي إلى انخفاض الأجور والبطالة وارتفاع أسعار متطلبات الحياة الأساسية، فضلاً عن الاستياء الشعبي من الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع أزمة الوباء، في حين يعتبر الفساد والحصول على المياه نقطة اشتعال غضبٍ مستمر للمطالبة بالتغيير. ومع ذلك، ردت السلطات الإيرانية بالعنف في كل مرة، لا سيما خلال انتفاضة نوفمبر 2019 التي شهدت مقتل حوالي 1500 متظاهر.

ينحدر رئيسي من عائلة متدينة محافظة من مدينة مشهد، أحد أهم مواقع الحج للمسلمين الشيعة، حيث أقام ضريحاً ترعاه مؤسسة ترأسها رئيسي بين عامي 2016 و2019. كما يحمل رئيسي أيضاً لقب حجّة الإسلام ويعني “سلطة الإسلام،” وهو اللقب الثاني بعد آية الله. ارتبط رئيسي بعد ذلك بصلاتٍ جيدة مع الزعماء الدينيين في إيران، بل إنه “يُعتبر شخصاً موثوقاً به للمرشد الأعلى، بل وحتى خليفة محتملاً له،” وفقًا لمقابلة أجراها الخبير في الشأن الإيراني جوناثان بيرون لصالح وسيلة الإعلام الفرنسية على الإنترنت، ميديابارت.

علاوةً على ذلك، تتجه أنظار العالم إليه على صعيد الساحة الدولية، حيث تأمل الولايات المتحدة في العودة إلى المفاوضات النووية، المتوقفة منذ يونيو 2021. ونظراً لعدم احتمالية تركيز المحافظين على العلاقات الدبلوماسية مع الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، فمن الصعب توقع الخطوة التالية لإيران، على الرغم من أن اقتصاد البلاد ورفاهية السكان على المحك أيضاً.

وأوضح رافاتي قائلاً: “سيكون مؤشراً غاية في الأهمية على كيفية تحرك رئيسي والنظام الإيراني الأوسع.” وتابع، “هل سيحاولون كسر الجمود من خلال التفاوض على اتفاقية تعكس تقدمهم النووي وتخفيف العقوبات لتعزيز الاقتصاد المتعثر؟ أم أنهم يراهنون على أن سياسة حافة الهاوية قد تمنحهم شروطاً أفضل، حتى وإن كانت تنطوي على مخاطر بحصول توتراتٍ أكبر مع الولايات المتحدة وأوروبا، وكذلك في المنطقة؟ في الوقت الراهن الأمور غير واضحة، إلا أن الحل الأخير سيكون مساراً لمزيدٍ من العلاقات المشحونة مع باقي العالم.”