وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الخليج: العمالة المنزلية الوافدة لا تزال دون حماية

Specials- Migrant workers in Kuwait
صورة “سيلفي” لعاملات فلبينيات وصلن إلى مانيلا من الكويت في مطار مانيلا الدولي في 13 فبراير 2018. أدان وزير الخارجية الكويتي في 13 فبراير ما أسماه “تصعيداً” من مانيلا بعد أن وسعت الفلبين حظراً على عمل مواطنيها في الكويت. Photo AFP

عُثر في فبراير 2018، على خادمةٍ منزلية من الفلبين ميتة في ثلاجة ٍفي الكويت. مرةً أخرى، تُبرز هذه الحالة المروعة ظروف الحياة الفظيعة التي يواجهها بعض الآلاف من عمّال المنازل الوافدين في الخليج.

فقد وظفت جوانا ديمافيليس، البالغة من العمر 29 عاماً والتي أرسلت إلى الكويت في عام 2014، كخادمةٍ من قبل زوجين سوريين لبنانيين، هما منى حسون ونادر عصام عساف، اللذان انتقلا آنذاك إلى الكويت، حيث لم تتصل جوانا بأسرتها منذ عام 2016. وتشير العلامات التي وجدت على جسدها إبان العثور عليها أنها تعرضت للتعذيب أو الخنق حتى الموت، ووفقاً للشرطة، ربما بقي جسدها في الثلاجة لأكثر من عام. ومنذ ذلك الحين، حكم على الزوجان اللذان كانت تعمل لديهما جوانا بالإعدام بموجب القانون الكويتي. وعلى صعيدٍ متصل، فقد تم التحقيق في وفاة سبعةٍ من العمال الفلبينيين في نفس الوقت في الدول العربية هذا العام. وتسببت هذه الحالة، على وجه الخصوص، بأزمةٍ دبلوماسية بين الكويت والفلبين، حيث تقوم الأخيرة بإيفاد حوالي مليوني شخص للعمل في الخارج كل عام، حيث أن غالبية العاملات يعملن كخدم في المنازل.

ومن الجدير بالذكر أن العاملين في المنازل من الوافدين يعملون في دول الخليج في ظل نظام الكفالة، الذي يربط الموظف بأرباب العمل إلى حين انتهاء العقد. هذا ويمنح النظام الكفيل مجموعة من الصلاحيات القانونية للسيطرة على العمال: فدون إذن صاحب العمل، لا يمكن للموظفين تغيير وظائفهم أو ترك وظيفتهم الحالية أو مغادرة البلاد. وفي حال قام العامل بتغيير عمله دون الحصول على تصريحٍ بذلك، يمتلك صاحب العمل سلطة إلغاء تأشيرته/ تأشيرتها، مما يحول الموظف تلقائياً إلى مُقيم غير قانوني في البلاد. وغالباً ما يُجبر العمال الذين يتم إلغاء تأشيرات الإقامة الخاصة بهم من قبل أرباب العمل على مغادرة البلاد من خلال إجراءات الترحيل، وفي حالاتٍ كثيرة يقضون بعض الوقت خلف القضبان.

يُشكل العمال الوافدون في الخليج ما نسبة 10% من جميع المهاجرين في العالم. ويوجد أكثر من 620 ألف عامل منازلي وافد في الكويت، حيث تستخدم 90% من الأسر عمّالاً منزليين من الخارج. في حين تمثل العمالة المنزلية ما نسبته 10,2% من القوى العاملة البحرينية. وفي عُمان في عام 2013، كان غالبية العمال الوافدين العاملين في البلاد من الهند وباكستان وبنغلادش (87%). وبالكاد يتمتع العمّال الوافدون بالسيطرة على أوضاعهم، فضلاً عن عملهم لساعاتٍ طويلة جداً: ففي السعودية على سبيل المثال يعمل العمال المنزليون بمعدل 63,7 ساعة في الأسبوع، وهو ما يمثل ثاني أعلى معدل في العالم. وهذا مجرد متوسطٍ في البلاد، حيث يقدر الخبراء أن بعض الخادمات قد يعملن حتى 100 ساعة في الأسبوع. كما يعمل أكثر من 750 ألف عامل منزلي في الإمارات، أما في قطر، فيحصل العاملون المنزليون على أقل من 30% من متوسط أجر العمال.

فقد قالت لنا في فَنَك روثنا بيغوم، الخبيرة في حقوق المرأة في الشرق الأوسط لدى منظمة هيومن رايتس ووتش إن “نظام الكفالة يهدف إلى تشجيع الإنتهاكات.” وأضافت “في الأصل، كان نظاماً ثانوياً يحمّل المسؤولية للكفيل في الحالات الإجرامية أو الحوادث، ولكن في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي تغيرت القوانين لتمنح الكفيل كامل السلطة، وبالتالي أصبح النظام مسيئاً. واليوم، اعتادت الحكومات والناس على الاعتماد كلياً على العمال الوافدين. فهناك جيل كامل ربته هؤلاء النساء. فقد أصبح البعض معتاداً على أن يتم الاعتناء بأنهم بحيث باتوا لا يرون الفائدة من منح العمال الرواتب التي يستحقونها وساعات العمل المحددة وأيام العطلة، في حين يشعر آخرون بالامتنان للاهتمام الذي تلقوه، وبالتالي أصبحوا كريمين ويريدون أن يمنح هؤلاء العاملون المزيد من الحقوق.”

ووصفت بيغوم قضية جوانا ديمافيليس بأنها “مروعة للغاية، ولكنها ليست نادرة في الشرق الأوسط.” فقد وثقت هيومن رايتس ووتش آلاف الإساءات من خلال التحدث إلى مجموعة كبيرة من العمال المنزليين الوافدين في الخليج وبقية المنطقة، سواء في مراكز التسوق أو بعد هروبهم من صاحب العمل.

إذ قالت في هذا الصدد، “وصف البعض ظروف عملٍ جيدة، في حين حوصر آخرون في أوضاعٍ مسيئة بشكلٍ مروع. يعمل البعض حتى 21 ساعة في اليوم دون يوم عطلة، ويتم سحب جوازات سفرهم: وفي الواقع هذا أمر شائعٌ جداً، ويمثل ما نسبته حوالي 90% من النساء اللواتي تحدثنا إليهن. كما أن البعض منهم حبيس المنزل، وبالكاد يحصلون على الطعام، وتتأخر رواتبهم، أو يتقاضون أجوراً قليلة جداً، أو لا يتقاضون أجراً على الإطلاق، الأمر الذي يحصل أحياناً لسنوات. كما يتعرض بعضهم للإيذاء اللفظي، والإهانة، والإذلال، والبعض الآخر يتعرض للإيذاء الجسدي مثل الصفع إلى الحرق بالماء الساخن أو الضرب بالعصا. وبالنسبة للبقية، وصفوا تعرضهم للتحرش الجنسي أو لمس جسدهم أو تعقبهم أو اغتصابهم و/أو تهديدهم في حال الخضوع. وفي كثيرٍ من الحالات، تشتمل الإساءة على مجموعة من هذه الانتهاكات. والسبب في ذلك هو الإفلات من العقاب الذي يشعر به صاحب العمل الذي يحميه نظام الكفالة.”

وقد اتخذ بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي: البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، باستثناء عُمان (العضو أيضاً في مجلس التعاون الخليجي) بعض الخطوات القانونية البسيطة في هذا الصدد. فقد اتفقت هذه البلدان على تشريعٍ موحد لحماية عمال المنازل الوافدين، لكن الحقوق التي يمنحها لهم هذا التشريع لا تزال أضعف من قوانين العمل الحالية للدول. فعلى سبيل المثال، شملت البحرين، بخلاف الدول الأخرى التي وضعت قوانين خاصة تركز على العمال الوافدين، هؤلاء العمال في قانون العمل البحريني، مع استبعادهم من عدة مواد محددة. كما اعتمدت كل دولة مستوياتٍ مختلفة من الحماية، مما يعني أن عمال المنازل الوافدين يقعون دوماً ضمن إطار الحرمان القانوني.

وتعتبر قطر أول دولةٍ خليجية تجري تغييراتٍ حقيقية: ففي 4 سبتمبر، أصدرت البلاد قانوناً يسمح لغالبية العمال الوافدين بمغادرة قطر دون إذنٍ من أرباب العمل. بالتالي، ينظر إليها منظمو الحملات ومنظمات حقوق الإنسان على أنها علامة بارزة في المعركة ضد الإساءات العمالية في خضم الاستعدادات لبطولة كأس العالم المقبلة التي ستستضيفها قطر في عام 2022، حيث يوجد حالياً في قطر 1,9 مليون عامل وافد. ويعدّ هذا القانون الجديد، القانون رقم 13 لعام 2018، وهو تعديلٌ للقانون رقم 15 لعام 2015، وبموجب هذا التشريع الجديد، لن يكون لدى أرباب العمل سلطة منع تصاريح الخروج لمعظم العمال لديهم. الجانب السلبي لهذا الإصلاح أن بمقدور أرباب العمل طلب حصول أسماء معينة من الموظفين لديهم، ما يصل إلى 5%، على إذن قبل الخروج. وينبغي الموافقة على طلبهم من قبل وزارة التنمية الإدارية والعمل والشؤون الاجتماعية. كما ينطبق هذا فقط على العمال الوافدين المشمولين بقانون العمل، وليس على العمال الذين يحكمهم قانونٌ منفصل. وبحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، تعرضت قطر لضغوطٍ لإصلاح قانون العمل من منظمات عمالية دولية ومنظمات حقوق الإنسان مثل هيومن رايتس ووتش لمعالجة الظروف التعسفية للعمال الوافدين العاملين في الملاعب والبنية التحتية المرتبطة بكأس العالم 2022. ورداً على ذلك، اتفقت قطر في أكتوبر 2017 مع منظمة العمل الدولية على اتفاقية تعاون تقني (2018-2020) للعمل على الإصلاحات.

وبحسب بيغوم، “عليك أيضاً أن تتذكر أن [العمال الوافدين مثل الخادمة الفلبينية] يخضعون لشكلٍ من أشكال الاستغلال الثلاثي: فهم عاملات نساء في المنازل ولون بشرتهم مختلف.” وتابعت القول “كما أنهم يعيشون أكثر أنواع الإساءات حساسية لأنهم يعيشون في منازل الناس: ففي بعض الأحيان يتعرضون للمضايقة من أحد الضيوف الذكور. فهم أكثر عرضة للاساءة الجنسية، أو الصفع، أو الصراخ في وجههن، وما إلى ذلك.”

لا تزال هناك بعض الأفكار المتفائلة للتشبث بها على أمل أن تحصل هؤلاء النساء على الاحترام القانوني والشخصي والاحترام في العمل الذي يستحقونه، إذ قالت بيغوم: “بدأن في كسب الحقوق حتى لو كانت بسيطة، فقبل عشر سنوات كان الناس يطلقون عليهم الخدم ويظنون أن من غير الممكن احترامهم.” والآن، بدأت الحكومات في إدراج مواد قانونية تتعلق بحقوقهم، إلا أن التحدي الأهم يكمن في إصلاح نظام الكفالة. وبمجرد أن يكون نظام حقوق العمال الوافدين واضحاً، تتغير عقليات المجتمع.