وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

رد فعل المسلمين على هجوم شارلي إيبدو

IRAN-FRANCE-ATTACKS-CHARLIE-
إيرانيون يتظاهرون ضد نشر الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد في الصحيفة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو, طهران, 19 يناير/كانون الثاني 2015 / Photo Corbis

بعد الحادث المأساوي الذي وقع في الصحيفة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو في 7 يناير 2015، وقع جدل في جميع أرجاء العالم حول ماهية حرية التعبير. وسبق ودخلت الصحيفة الساخرة في دائرة الجدل بسبب رسم كاركاتيري أتهمت من خلاله بإزدراء النبي محمد وأدى إلى التهديد بالقتل لكلٍ من رئيس تحرير ورسام الكاريكاتير ستيفان تشاربونيير وبالتالي وضعه تحت حماية الشرطة. وأدى نشر الرسوم الكاريكاتورية عام 2012 إلى إشتعال موجة من الغضب في المجتمعات الإسلامية حول العالم، مما دفع الحكومة الفرنسية لإغلاق سفاراتها في العديد من الدول الإسلامية، في حين أدت أحداث 7 يناير إلى مقتل 12 شخصاً من قبل رجلين مسلمين أخذوا على عاتقهم تحقيق العدالة بأيديهم.

هذا وأدانت المساجد والمنظمات الإسلامية الرائدة حول العالم المجزرة في نشراتها الصحفية. كما أصدر مسجد باريس الكبير بيانا على موقعه على الإنترنت، مستنكراً الهجوم حيث ذكر أن المجتمع “مصدوم ومذعور من جراء أعمال العنف هذه”. فضلاً عن ذلك، خرج العديد من الناشطين المسلمين وكذلك قادة المجتمع المحلي والمسلمين العاديين إلى وسائل الاعلام الاجتماعية لإدانة الهجوم والتعبير عن تعازيهم لأسر الضحايا، مشيرين إلى أن القتل بإسم الإسلام يُسيء إلى الإسلام أكثر من الاستهزاء بالإسلام والنبي. وقال حسن نصر الله، زعيم حزب الله الشيعي اللبناني، أن الجماعات الإرهابية “أهانت الإسلام بشكلٍ أكبر من أولئك الذين هاجموا النبي”.

عمّ الإستنكار أرجاء العالم تقريباً، ولكن ذكرت الجماعات الإسلامية أنه على الرغم من أنها لا تدافع عن القتل، إلا أنها تعارض الرسوم الكاريكاتورية الاستفزازية التي أثارت الحادث، وكانت تلك أيضاً مشاعر العديد من الشخصيات غير الإسلامية البارزة في جميع أنحاء العالم بما في ذلك البابا فرانسيس الذي قال في محضر إدانته للحادث “لا يمكنك إستفزاز كما لا يمكنك إهانة عقائد الآخرين، لا يمكنك أن تسخر من الإيمان”. بينما حث مشايخ وعلماء الأزهر الشريف في القاهرة المسلمين على تجاهل الرسوم الجديدة التي نشرتها صحيفة شارلي إيبدو بعد الهجوم.

وأعرب الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، عن إدانته للهجوم على الملأ. بينما ذكرت الخطب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وإفريقيا أمثلة من حياة النبي محمد، مؤكدة أنه بالرغم من التعرض النبي، صلى الله عليه والسلم، للسخرية والإهانة إلى أنه لم يقتل المستهزئين به، بل دعا دوماً إلى التسامح. وعلى الرغم من الدعوات لضبط النفس، تحولت بعض المظاهرات إلى عنيفة، كما هو الحال في نيجيريا، حيث هاجم المتظاهرون المركز الثقافي الفرنسي والعديد من الكنائس والمحلات المسيحية، مما أسفر عن مقتل عشرة أشخاص. وفي الجزائر، وهي مستعمرة فرنسية سابقة، تحولت أيضاً المظاهرات إلى العنف، مما أسفر عن إصابة عدد من ضباط الشرطة بجروح. ولكن في غالبية مناطق العالم الإسلامي، كانت المظاهرات سلمية.

حاول وجهاء المسلمين تثقيف غير المسلمين حول موقف الإسلام من مسألة إزدراء الدين، بحجة أن القرآن لم يذكر أي عقوبة لإزدراء الدين. وكتب فريد زكريا، صحفي أمريكي مقالةً اقتبس فيها من الباحث الإسلامي الهندي البارز وحيد الدين خان حيث قال: ” إزدراء الدين في الإسلام موضوع نقاش فكري وليس موضوع عقاب بدني”. ومع ذلك، ذُكر أن العديد من المسلمين تعرضوا إما للإضطهاد أو حتى القتل فيما إعتبره الكثيرون موقفاً معادٍ للإسلام، فعلى سبيل المثال، أعدم محمود طه، وهو مفكر سوداني بتهمة الردة، كما واضطر نصر أبو زيد وهو مفكر إسلامي مصري إلى الفرار من مصر بعد خضوعه للمحاكمة بسبب تفسيره الذي ينتقد القرآن.

تعكس هاتين الحالتين الصراع الداخلي في علم اللاهوت والفلسفة الإسلامية حول التفسير الحرفي للشريعة والتي يملك بموجبها القضاة المسلمون السلطة المُطلقة بإعلان رِدة الأفراد، متجاهلين حقيقة أن المتهم لم يصرح صراحةً بتركه الدين الإسلامي كما هو واجب في الشريعة فيما يتعلق بقضايا الردة.

ولكن فيما يتعلق بغير المسلمين فالوضع مختلف قليلاً، حيث يُناقش المسلمون الأديان الأخرى منذ قرون، كما تم تأليف العديد من الكتب ضد الإسلام والمسلمين، وعمد المسلمون إلى دحضها، وجميعها تقع في سياق الحوار الفكري الذي يعدّ مقبولاً من قِبل غالبية المسلمين. ومع ذلك، يعتقد العديد من المسلمين أن استخدام السخرية والإهانة في الخطاب العام خط أحمر لا يجوز تجاوزه قط. ويرتبط هذا إرتباطاً وثيقاً بالأهمية الكبيرة للشرف في المجتمعات القبلية كتلك التي تقع في الشرق الأوسط وإفريقيا. وهكذا يمكن التنبؤ بردود فعل الجماهير المسلمة، تماماً كما فشل الغرب في فهم الإختلافات الثقافية.

المعايير المزدوجة

ولم يكن استخدام حرية التعبير كذريعة للسخرية أو الإهانة أو التحريض على الكراهية مقبولاً على نحوٍ تقليدي في الدول الغربية. فالعالم الغربي حظر منذ قرون نشر بعض الكتب وشرّع منذ الحرب العالمية الثانية القوانين التي تحظر تشويه السمعة على نحوٍ عنصري ومعاداة السامية. وبعبارة أخرى، تعتبر في العديد من البلدان الأوروبية السخرية من الأشخاص بسبب لونهم أو السخرية من اليهود وإنكار المحرقة عمل غير قانوني ويعاقب عليه بالسجن. ونتيجة لذلك، يشعر المسلمون في أوروبا أحياناً بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، دون وجود أي قانون يحميهم من الإهانات. هذا الشعور بالعجز، دفع أقلية من المسلمين الأصوليين إلى أخذ العدالة بأيديهم كما حصل في حادثة اغتيال المنتج السينمائي الهولندي ثيو فان جوخ الذي كان معروفاً جيداً بمواقفه الاستفزازية اتجاه جميع الأديان، وبخاصة الإسلام. هذا الشعور بعدم المساواة تصاعد بشكل كبير جداً بين المسلمين الأوروبين في أعقاب حادثة شارلي إيبدو عندما اعتقلت الحكومة الفرنسية 54 شخصاً بتهمة التحريض على الكراهية.

حادثتين استخدمتها الجماعات الإسلامية على نطاق واسع لإثبات المعايير المزدوجة التي يتبعها الغرب عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير. ففي عام 2009، طردت صحيفة شارلي إيبدو موريس سينيه، أحد رسامي الكاركاتير في الصحيفة التي عمل فيها لمدة 20 عاماً. وكانت جريمة سينيه في رسم كاريكاتوري زعم أنه سخر فيه من العلاقة بين نجل الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي وامرأة يهودية ثرية. وجد فيليب فال محرر شارلي إيبدو الرسم معادٍ للسامية وطلب من سينيه الإعتذار إلا أن رسام الكاركاتير رفض ذلك قطعاً ولم يطرد من الصحيفة فقط بل خضع للمحاكمة أيضاً.

وتتضمن الحادث الثاني الممثل الكوميدي الفرنسي ديودوني مبالا مبالا، الذي ألقي القبض عليه بتهمة التحريض على الإرهاب لأنه تجرأ بنشر جملة واحدة على صفحته على الفيسبوك التي اعتبرت خطاب كراهية. جريمة ديودون المزعومة كانت كتابته (أنا شارلي كوليبالي)؛ كوليبالي هو الاسم الأخير لأحمدي كوليبالي، المسلح الذي قتل أربعة أشخاص في متجر كوشير اليهودي في باريس. وتعتقد السلطات الفرنسية أن جملة ديودون كانت معادية للسامية وتحرض على الكراهية، في حين ادعى ديودون أنّ باعتباره ممثل كوميدي لديه الحق في حرية التعبير والسخرية من الجميع.

ولطالما أشار المسلمون في ردهم إلى وجود “معيار غير معلن” في وسائل الإعلام الرئيسية، مما يعني أنه يتوجب على المسلمين رفع صوتهم بشكلٍ جماعي لإدانة الهجمات. في حين يرى كتاب إسلاميون أن الشجب “المتوقع” شكل من أشكال الإعتذار للإسلام، مُشيرين إلى أن الإعتذار عن جرائم المسلمين الآخرين ليست مسؤولية جميع المسلمين، وذلك ببساطة استناداً لكونه دينهم المشترك، تماماً كما لم يكن من المتوقع اعتذار المسيحيين عن المذبحة التي نفذها أندرس بريفيك في النرويج في عام 2011. “بشكلٍ ضمني، كل مسلم مشتبه به باعتباره متعاطفاً مع الإرهاب ما لم يصرّح هو/ هي خلاف ذلك” كان ذلك المنطق الذي استخدمه مذيع سي إن إن، دون ليمون، عندما سأل أرسلان افتخار، محامي حقوق الإنسان الأمريكي المسلم إذا ما كان يؤيد الدولة الإسلامية ذلك أنه “ببساطة دين افتخار جعل منه مشتبهاً به”. وقد ردّ المسلمون هذا الإتهام ورفضوا الإعتذار بالنيابة عن الإسلام. وكان هذا هو الحال مع داليا مجاهد، وهي باحثة أمريكية بارزة والرئيس التنفيذي لشركة مجاهد للاستشارات، وهي شركة مقرها العاصمة واشنطن متخصصة بالمجتمعات الإسلامية والشرق الأوسط. التي كتبت على الفيسبوك:

أنا داليا. أنا أمثل مجتمعاً يتكون بالضبط من شخص واحد. وأجيب عن جرائم شخص واحد. وأعتذر عن تصرفات إمرأة واحدة بالضبط. وأنا أعرف دوافع فرد واحد بكل تأكيد. إذا لم يكن لديك سبب آخر غير ديني وعرقي لتشكك بي، مما يتطلب مني أن أثبت لك أن القتل الجماعي يسيء لي، فأنت بالتأكيد مدين لي بإعتذار.

وتبقى الحقيقة أنه بالنسبة للمسلمين يعتبر الدين جزء لا يتجرأ من هويتهم، لذلك تعتبر إهانة النبي محمد هجوم شخصي يمسهم بشكلٍ شخصي. أما السخرية فهي شكلٌ من أشكال حرية التعبير، سيتم النظر إليه دوماً بأنه يستهدف المسلمين على وجه الخصوص ما لم يتم تطبيقه على جميع الجماعات.

المقالات ذات الصلة

[fanack_generic_list content_source=”chronicle” child_of=”42048″ class=”homepage-latest-updates”]