وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

اليهود في الكويت؛ إلى أين أوصلتنا الكراهية؟

اليهود في الكويت
صورة تظهر رجال من اليهود الأرثوذكس المتطرفين يصلون أثناء أداء طقوس “طاشليش”. JACK GUEZ / AFP

نجود الياقوت

أثارت السفارة الأمريكية في الكويت جدلًا بعد تهنئتها اليهود بمناسبة حلول عيد الحانوكا، عبر حسابها على مواقع التواصل الإجتماعي. وسخر بعض المعلقين من السفيرة، وتعرّض المتفاعلون مع المنشور للإساءة اللفظية، وتساءل البعض لمَ تنشر السفارة الأمريكية هذه التهنئة رغم قلة اليهود في الكويت. ولم يقتصر انتقاد المعلقين على السفيرة واتهامها بالترويج لأجندة معينة بل تعدّى لمهاجمة اليهود.

فما سبب هذا الخوف المقيت من اليهود؟ لا يمكن لأحد التذرع بمسألة عدم الاحتفال بأعياد الديانات الأخرى لأن العديد من الكويتيين يحتفلون بعيد الميلاد المجيد، وبعضهم يحتفل بعيد الديوالي مع الهندوس. ولا يمكن الإدّعاء أنّها تدابير للحفاظ على القيم الإسلامية، لأن الكويت تحتضن الناس من كل الأديان، بل  ومن غير المؤمنين… فهل هذا ما آل إليه بلد يزخر تراثه بالتعايش؟ بلد كان بعض أجداده يهودًا عاشوا على هذه الأرض بسلام ومحبة؟

أما أولئك المحظوظون منّا ممن لديهم أصدقاء ومعارف يهود فمعظمهم يعيشون في الخارج؛ لأن اليهود الذين يعيشون هنا يكتمون عقيدتهم خوفًا من النبذ أو الإساءة إلى “مشاعر” أبناء عمومتهم في الدين، أو لأنهم من الندرة بمكان حتى إنهم لا يعرف بعضهم بعضًا،  فيمكن أن نجلس بجانب يهودي في مقهى ولا نعرف دينه، كما قال يهودي كويتي ذات مرة.

كيف وصلنا إلى هذه الحال؟ أو بمعنى أصح، ألا نخجل ممّا وصلنا إليه؟

إذا كنا لا نريد المشاركة في أعياد اليهود الدينيّة، لأننا للأسف لسنا مستعدين أو غير مهيئين لإخفاء الاستياء منهم، فما عذرنا في عدم وجود كنيس يهودي في بلادنا؟ وإذا كانت الحجة دينية مرة أخرى، أفلم يصف القرآن الكريم  اليهود بأنهم أهل كتاب؟ أوَليسَ أصل كثير من قصص القرآن الكريم يرجع إلى العهد القديم بل والتلمود؟ بل إننا نشاركهم الإيمان بمعظم الأنبياء. إذا كانت هذه الدولة تدّعي اتباعها القيم الإسلامية فما الذي يبرر هذا التمييز الصارخ؟ ألا تُعدّ التوراة كتابًا مقدّسًا؟ إذا كنا نسينا ذلك، فانظروا في القرآن الكريم:

“إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ” (سورة المائدة، آية 44)

“وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاة ۖ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ” (سورة المائدة، آية 46).

ألم يرد في القرآن الكريم: “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” (سورة الحجرات، آية 13)؟ فهل بإمكان غالبية المتدينين تجاهل هذه الآية (بل عصيان أوامرها)؟ وإذا كان بمقدور الناس بشكل موضوعي (أو ذاتي) أن يجدوا في تعاليمهم تمييزًا دينيًّا ، فلمَ لا نركز على تعاليم التعايش والتسامح؟ لقد اتبعنا النهج الأول وكانت نتيجته حروبًا وكراهية وانقسامًا، فلماذا لا نلتفت إلى النهج الآخر لنعيش في وئام؟ ألم يحن بعد كل هذا الزمن وقت التعايش؟

وماذا لو بُعث موسى، الذي يعتبره المسلمون نبيًّا، في بلادنا اليوم؟ هل سنسمح له بنشر تعاليم التوراة؟ هل سنتركه يبشر بمعتقداته ويدعو الناس إلى دينه علنًا؟ ستأتي إجابة الغالبية بالقبول حتمًا، فهو نبي ذو مكانة عظيمة، فلماذا لا نحترم أتباعه أو أبناء إبراهيم؟

وإذا ما نحّينا الدين جانبًا، فكثير منا لا يلتزمون تعاليم دينهم ولكنهم يحملون كراهية لليهود. فأي ذنب اقترفوه ليستحقوا ذلك؟ أهي السياسة؟ وإذا ما كانت هذه هي طريقتنا في التفكير، فلماذا نحاكم من يخافون منا؟ فقد خرج من بين المسلمين من استعمل الدين مبرّرًا  لتنفيذ هجمات ضد المدنيين الأبرياء. هل منع العالم بناء المساجد أو حظرها؟ بالطبع لم يحدث ذلك. في هذه المنطقة من العالم نعلم  وقع الإسلاموفوبيا، ونعلم جيّدًا ذلك الشعور المقيت بالتمييز. وقد تعلمنا على مدار زمن طويل أن الدين لا يُعرف بالرجال (كما لا يُعرف الرجال بالدين). فلماذا إذًن  نضرب الآخرين بنفس السلاح؟ والأهم من ذلك لماذا لا نسمو على التمييز ونعترف أننا أيضا نخاف الأديان الأخرى؟

خلاصة القول، إن الوقت قد حان لننحّي الخوف. إذ يمكننا الاستمرار في دعم فلسطين دون كراهية اليهود؛ فالكثير من الفلسطينيين أنفسهم يتعايشون مع اليهود، والكثير من اليهود يدعمون فلسطين. ويمكننا احتواء اليهود من دون أن تكون لنا أجندة سياسية، وهو ما يمكن أن يحدث عندما نكف عن الافتخار بالكراهية باعتبارها وسام شرف. 

ما الذي حصدناه من الكراهية سوى الصراع والعنف والموت؟! إن العيش في مجتمع منفتح ليس حلمًا بعيد المنال إذا ما توفرت لدينا الرغبة الصادقة في تحقيق ذلك. إنها مسؤوليتنا ومسؤولية كل واحد منا وعلينا أن نكون سفراء للإنسانية، بعيدًا عن معتقداتنا وميولنا السياسية.

وباختصار، لا يوجد مبرر للتمييز ضد اليهود، وعلينا الآن أن نستيقظ من غيبوبة الإقصاء تلك. ولننتظر رد فعل الكويت.

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.