وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عثمان كافالا رجل الأعمال الذي أقلق إردوغان

عثمان كافالا
صورة تم التقاطها يوم ٣١ أكتوبر ٢٠١٨ لصحفية تقف إلى جانب بوستر يظهر عليه صورة رجل الأعمال والناشط في الأعمال الخيرية عثمان كافالا أثناء مؤتمرٍ صحفي عقده محاموه في إسطنبول. ويقول كافالا، الذي ما زال قيد الاعتقال منذ عام ٢٠١٧ دون إدانته، إنه يشعر وكأنه أداة يستخدمها الرئيس رجب طيب إردوغان ضمن محاولاته لاتهام المعارضة المحلية بالتآمر مع جهات خارجية ضد نظام حكمه. المصدر: OZAN KOSE / AFP.

هبت رياح أزمة سياسية دبلوماسية بين تركيا من جهة وأمريكا وعدة دول أوروبية من جهة أخرى، وذلك على خلفية استمرار اعتقال رجل الأعمال والناشط التركي عثمان كافالا في إسطنبول، والذي تدخلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وسفراء من عدة دول للمطالبة بالإفراج عنه، الأمر الذي رد عليه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في كلمته التي ألقاها خلال افتتاح سلسلة مشاريع خدمية في مدينة أسكي شهير، معلناً أنه أصدر تعليمات إلى وزير خارجية بلاده من أجل إعلان سفراء كل من: الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا والدانمارك وفنلندا، وفرنسا وهولندا والسويد وكندا والنرويج ونيوزيلندا؛ أشخاصا غير مرغوب بهم في أسرع وقت.

ووصف إردوغانكافالا بأنهفرع سوروس في تركيا“، في إشارة إلى الملياردير الأمريكي جورج سوروس المتهم بالوقوف وراء المؤامرات. وأضاف الرئيس التركي: “عشر سفراء جاؤوا بسببه إلى وزارة الخارجية. أي وقاحة هذه؟ ماذا تظنون هذا البلد؟ هنا تركيا”.

ويواجه كافالا القابع منذ أربع سنوات في زنزانته في سجن سيليفري في إسطنبول سلسلة من التهم المتعاقبة بينها التجسس والتآمر على الدولة والتخطيط لاحتجاجات غازي بارك عام 2013، وإفشاء معلومات سرية.

من هو عثمان كافالا؟

عثمان كافالا من مواليد عام 1957 وينحدر من عائلة كانت تعمل في تجارة التبغ وانتقلت من شمال اليونان إلى تركيا عام 1923 خلال تبادل السكان بين اليونان وتركيا. كما أنه رجل أعمال ومؤسس ورئيس مجلس إدارة منظمة Anadolu Kültür  غير الربحية للفنون والثقافة.

في عام 2019، حصل كافالا على جائزة التراث الأثري الأوروبي الحادي والعشرين من الرابطة الأوروبية لعلماء الآثار لجهوده في حماية وحفظ نماذج مهمة من التراث الثقافي المعرض للخطر في تركيا. كما حصل على جائزة أيشينور زاراكولو السابعة عشر لحرية الفكر والتعبير من فرع جمعية حقوق الإنسان في إسطنبول.

كافالا ساهم في العديد من منظمات المجتمع المدني، وشارك في تأسيس عدة جمعيات ذات نشاط بيئي ومجتمعي. وتشمل القائمة جمعية BILSAK لخدمات الثقافة والفنون العلمية التي ساهمت في تعزيز المناقشات حول النوع الاجتماعي والبيئة، ومؤسسة TEMA لمكافحة تآكل التربة من أجل إعادة التحريج، وجمعية مواطني هلسنكي، ومركز الديمقراطية والمصالحة في جنوب شرق أوروبا. كما شغل كافالا عضوية مجلس إدارة المؤسسة التركية للسينما والثقافة السمعية والبصرية (TÜRSAK)، ومؤسسة الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التركية (TESEV)، وجمعية حماية التراث الثقافي (KMKD) وغيرها من المؤسسات.

اعتقالات متوالية

في 18 أكتوبر 2017، اعتُقل عثمان كافالا في مطار أتاتورك في إسطنبول بعد زيارته لمدينة غازي عنتاب، حيث كان يحضّر لإطلاق مشروع مشترك مع معهد غوته. ووُجهت إليه وفق المادة 312 من قانون العقوبات التركي تهمة محاولات إلغاء أو استبدال النظام الدستوري لجمهورية تركيا بالقوة والعنف، وذلك على خلفية دعمه لاحتجاجات غازي بارك عام 2013. وشهدت تلك الاحتجاجات، التي اعتبرها الرئيس التركي أول تحدي صارخ لسلطته، خروج مجموعة من الناشطين والنشاطات إلى حديقة غازي المجاورة لميدان تقسيم في حركة سلمية، رافضين استبدال حديقة غازي بمركز تجاري. وانتشر هذا الحراك في جميع أنحاء البلاد على خلفية ذلك، قبل أن تتدخل الشرطة وتسحقها بالقوة.

ومنذ صدور حكم المحكمة على عثمان كافالا في 2017 تم اعتقاله 3 مرات. وتشير الصحافة التركية إلى سلسلة محاكمات عثمان كافالا بـ “محاكمة غازي بارك”. وعند اعتقاله في المرة الأولى، وجهت إلى كافالا لائحة اتهامات جنائية قد تتسبب في سجنه و15 شخصا آخرين – بينهم الصحفي دوندار والممثل مميت علي ألبورا – مدى الحياة.

ووجهت لهؤلاء تهمة تكوين العقل المدبر لاحتجاجات غازي بارك والتآمر مع جهات أجنبية. وعلى الرغم من تبرئة كافالا من هذه التهم، إلا أنه وبعد ساعات من تبرئته من المادة 312، طلب المدعي العام في اسطنبول استمرار احتجازه بسبب المادة 309. ولكن ما لبث أن تمت تبرئته أيضاً من هذه التهمة في العام ذاته. ومع ذلك، إلا أنه بقي قيد الاعتقال بموجب المادة 328 التي تنص على تأمين المعلومات التي بحكم طبيعتها يجب أن تبقى سرية لأسباب تتعلق بالأمن أو المصالح السياسية المحلية أو الخارجية للدولة، لغرض التجسس السياسي أو العسكري.

رد أوروبا

عثمان كافالا
يحضر محامو رجل الأعمال وفاعل الخير عثمان كافالا مؤتمرا صحفيا في 31 أكتوبر 2018 للمطالبة بالإفراج عن عثمان كافالا، – تم القبض على عثمان كافالا قبل عام من قبل السلطات التركية وما زال يتعين توجيه تهم بارتكاب جريمة. (OZAN KOSE / AFP)

كافالا تقدّم بطلب للمحكمة الأوروبية ضد الاتهامات التي وجهتها له السلطات التركية. وقامت هذه السلطات باعتقال كافالا قبل يوم واحد فقط من إصدار المحكمة الأوروبية لحكمها بشأن حبسه الاحتياطي. ونص قرار المحكمة الأوروبية على “عدم وجود أدلة كافية لدعم الاتهامات الموجهة لكافالا” وأن “موقف الادعاء متوافق مع قول مقدِّم الطلب بأن الإجراءات المتخذة ضده تهدف إلى تحقيق غرض خفي، ألا وهو إسكات ناشط في المنظمات غير الحكومية ومدافع عن حقوق الإنسان، بهدف ثني الأشخاص الآخرين عن الانخراط في مثل هذه الأنشطة وشل المجتمع المدني في البلاد”. كما طلبت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان من الحكومة التركية “اتخاذ جميع التدابير لوضع حد لاحتجاز مقدم الطلب وتأمين الإفراج عنه على الفور”.

بدورها وصفت السيناتور البارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أسلي أيدينتاسباس اعتقال كافالا بالقضية التي تبدو وكأنها “ثأر”. وأضافت أيدينتاسباس: “ما يمر به عثمان أمر غير منطقي وقاسي وبلا داعٍ”.

كما قال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش: ” إن إعادة القبض الفوري على عثمان كافالا في تحقيق مزيف آخر بعد تبرئته من تهم ملفقة بشأن احتجاجات غازي بارك يُظهر كيف يتم التلاعب بنظام العدالة الجنائية في تركيا سياسياً. فالاحتجاز والملاحقات القضائية التي تتم بناءً على نزوات الرئيس السياسية”.

في 3 سبتمبر 2020، قامت لجنة الحقوقيين الدولية وهيومن رايتس ووتش ومشروع دعم التقاضي بشأن حقوق الإنسان في تركيا بمطالبة السلطات التركية بالإفراج عن كافالا على الفور. وفي عام 2021، منحت لجنة وزراء مجلس أوروبا تركيا حتى ديسمبر 2021 للإفراج عن كافالا قبل بدء إجراءات الانتهاك ضد تركيا.

وقال كافلا في رد مكتوب باللغة الإنكليزية من سجنه لوكالة فرانس برس: “أعتقد أن السبب الحقيقي وراء اعتقالي المستمر هو حاجة الحكومة إلى الإبقاء على رواية ارتباط احتجاجات غازي بارك 2013 بمؤامرة أجنبية حية”.

وأضاف رجل الأعمال المعتقل: “بما أنني متهمٌ بكوني جزءا من هذه المؤامرة المزعومة التي نظمتها قوى أجنبية، فإن إطلاق سراحي سيضعف هذه الرواية المشكوك فيها وهذا ليس شيئا توده الحكومة”.

في نهاية المطاف، لا يبدو أن الرئيس التركي سيتراجع عن قرار اعتقاله لكافالا. فتصريحاته الأخيرة تشير إلى أنه مستعد إلى المضي في رأيه وإن كلفه ذلك سلسلة من الخلافات والتوترات الدبلوماسية. كما أن إطلاق سراح كافالا قد يحوله إلى بطل شعبي وقد يدفع الشارع التركي الذي يعيش حالة توتر وسخط على الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية وبسبب قمع الحريات إلى التظاهر والتمرد.