وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إسرائيل كنظام للفصل العنصري والاضطهاد في تقريرين

إسرائيل كنظام للفصل العنصري
صورة تم التقاطها لامرأة فلسطينية مع طفل يلعب بطائرته الشراعية على شاطئ خانيونس جنوب قطاع غزة، وذلك على هامش حدث نظمته بلدية البلدة في إطار برنامج يختص بتقديم الدعم النفسي للسكان الذين يعانون من ويلات الحروب. المصدر: SAID KHATIB / AFP.

ماجد كيالي

شهد هذا العام صدور عديد من التقارير الأممية التي تفضح انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني، بل إن تلك التقارير باتت تتحدث عن إسرائيل بوصفها دولة استعمارية، وكدولة تمييز عنصري، وكدولة تضطهد الفلسطينيين.

عموما فإن الحديث هنا يدور عن تقريرين لافتين، الأول، أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش، والثاني، أصدرته منظمة “بتسيليم” وهي منظمة إسرائيلية؛ ما يضفي على تقريرها أهمية خاصة.

طبعا كنا شهدنا في السابق تقارير عدة، ربما من أهمها، أو أشهرها، تقرير محكمة العدل الدولية (ومقرها في لاهاي)، الذي قدم كرأي استشاري (9/7/2004)، نشرت، بشأن عدم شرعية “الجدار الفاصل”، الذي كانت تنشئه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ تلبية لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتقرير القاضي ريتشارد غولدستون (2009) الخاص بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واستهدافها المتعمد للمدنيين (حوالي 1400 من القتلى من الفلسطينيين). وتقرير لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) عام 2017، الذي أعده اثنان من أبرز خبراء القانون الدولي، هما ريتشارد فولك وفرجينيا تلي.

في تقرير منظمة هيومن رايتس (صدر في إبريل 2021)، الذي أتى تحت عنوان معبر، هو: “تجاوزوا الحد“، ثمة خلاصة تفيد بأن “الحكومة الإسرائيلية أظهرت نيتها في الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي التي تسيطر عليها…بالقمع المنهجي للفلسطينيين، والأفعال اللاإنسانية ضدهم، وذلك يرقى إلى جريمة الفصل العنصري”، ويتهم التقرير السياسة الإسرائيلية “بالسعي وراء أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من الفلسطينيين”.

ويفسر التقرير تلك الممارسات بأن هدفها “إبقاء الهيمنة الإسرائيلية اليهودية على التركيبة السكانية، والسلطة السياسية، والأرض هو ما وجّه سياسة الحكومة منذ زمن طويل. لتحقيق هذا الهدف، عمدت السلطات بدرجات مختلفة من الشدة إلى نزع ممتلكات الفلسطينيين، وإخضاعهم، وعزلهم، وفصلهم قسرا بحكم هويتهم.”

ويشرح التقرير سببا لتفسير حجب تلك وقائع التمييز والاضطهاد الإسرائيلية بإحالتها إلى افتراضات ضمنها “اعتبار الاحتلال مؤقتا، وأن “عملية السلام” ستضع حدا للانتهاكات الإسرائيلية قريبا، وأن الفلسطينيين يتحكمون حقا في حياتهم في الضفة الغربية وغزة، وأنّ إسرائيل ديمقراطية قائمة على المساواة داخل حدودها.”

وعلى ذلك فإن التقرير يعتبر أن إسرائيل بممارستها “الفصل العنصري والاضطهاد” ضد الفلسطينيين ترتكب “جريمتين ضد الإنسانية، يعاقب عليهما القانون الدولي. واللافت أن التقرير يؤكد أن الجريمتين تتمان ضد كل الفلسطينيين، في كافة أماكن وجودهم، “في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948، وضد الفلسطينيين الذين طُردوا من ديارهم وهُجّروا منها، ومُنعوا من العودة إليها، في حين يُباح ذلك لليهود.” بل إن المنظمة تطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف تلك الجرائم، كما تطالب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق بشأنهما، “أما الأمم المتحدة فعليها إنشاء لجنة تحقيق دولية، ولجان متابعة، وعلى مجلس الأمن الدولي أن يتخذ قرارًا بأن تفرض الدول الأعضاء عقوباتٍ مثل منع السفر، وتجميد الأصول، ووضع قيود على مبيعات الأسلحة، وقيود على التجارة. كما يوجه نداءً إلى جميع الدول لتطبيق مثل تلك الإجراءات، وإدراج الجريمتين في القانون الجنائي الوطني بهدف التحقيق مع الأفراد المتورّطين ومقاضاتهم.”

اللافت ان تقرير “بتسيليم”، وهي منظمة إسرائيلية تركز اهتمامها على كشف انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان الفلسطيني، صدر تحت عنوان بالغ الدلالة، وهو: “تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد” (يناير 2021)، وهو يتحدث عن وجود “نظام احتلال عسكريّ في المناطق التي احتلّتها إسرائيل في العام 1967” وأن هذا النظام يسعى إلى “تحقيق وإدامة تفوّق جماعة واحدة من البشر (اليهود) على جماعة أخرى (الفلسطينيّون).الوسيلة المركزيّة لتحقيق هذا الهدف هي هندسة الحيّز: المواطنون اليهود المقيمون في الأراضي الممتدّة بين النهر والبحر يديرون حياتهم كأنّما هي هناك حيّز واحد (يُستثنى منه قطاع غزّة). بينما الأراضي نفسها مقسّمة بالنسبة للفلسطينيّين إلى وحدات مختلفة:

1 | الفلسطينيّون المقيمون في المناطق التي اعتُبرت في العام 1948 أراضي إسرائيل السياديّة هُم مواطنون إسرائيليّون، ويشكّلون 17% من مجمل مواطني الدّولة ويتمتّعون بحقوق مترتّبة على هذه المكانة إلّا انّها ليست مساوية للحقوق التي يتمتّع بها المواطنون اليهود.

بينما الأراضي نفسها مقسّمة بالنسبة للفلسطينيّين إلى وحدات مختلفة:

2 | في شرقيّ القدس التي ضمّتها إسرائيل إلى حدودها في العام 1967 يقيم ما يقارب 350 ألف فلسطينيّ عرّفتهم إسرائيل “مقيمين دائمين”. بموجب هذه المكانة يمكنهم السّكن والعمل في إسرائيل دون الحاجة إلى تصاريح خاصّة ويحق لهم الضمان الاجتماعيّ والتأمين الصحّي والمشاركة في الانتخابات البلديّة دون انتخابات الكنيست.

بينما الأراضي نفسها مقسّمة بالنسبة للفلسطينيّين إلى وحدات مختلفة:

3 | في الضفة الغربيّة يقيم نحو 2.6 ملايين من الرّعايا الفلسطينيّين في عشرات الجيوب المعزولة عن بعضها البعض (المعازل) تحت نظام حُكم عسكريّ صارم دون أيّة حقوق سياسيّة.

بينما الأراضي نفسها مقسّمة بالنسبة للفلسطينيّين إلى وحدات مختلفة:

4 | في قطاع غزّة يقيم نحو مليونا فلسطينيّ مجرّدين من الحقوق السياسيّة. في العام 2005 سحبت إسرائيل قوّاتها من القطاع وأخلت جميع المستوطنات. في العام 2007 سيطرت حماس على القطاع ومنذ ذلك الحين تفرض إسرائيل عليها الحصار وتواصل التحكّم بقطاع غزّة من الخارج على نحوٍ يطال تقريباً جميع تفاصيل حياة السكّان.

إسرائيل تقرّر أيّ الحقوق تمنح للفلسطينيّين في كلّ من هذه المعازل وأيّها تسلب، ولكنّها في كلّ حال حقوق منقوصة مقارنة بالحقوق التي يتمتّع بها اليهود.” يسعى النظام الإسرائيليّ لتحقيق التفوّق اليهوديّ بطرق متنوّعة”.

يتحدث ذلك التقرير عن انتهاج إسرائيل التهويد الجغرافي والديمغرافي، أي للمكان والبشر، إذ “سياسة تهويد المكان…في موازاة تجريد الفلسطينيّين من أراضيهم ودحرهم إلى معازل ضيّقة ومكتظّة…90% من الأرض في يد الدولة، التي أقامت مئات البلدات للسكّان اليهود ولم تُقم حتى بلدة واحدة  للفلسطينيّين…منذ العام 1967 تطبّق إسرائيل السياسة نفسها في المناطق التي احتلّتها: مئات آلاف الدّونمات وبضمنها مراعٍ وأراضي زراعيّة نهبتها إسرائيل من الرّعايا الفلسطينيّين بشتّى الذرائع…إسرائيل أكثر من 280 مستوطنة في أنحاء الضفة الغربيّة (يشمل شرقيّ القدس) يقيم فيها ما يزيد عن 600 ألف مواطن يهوديّ. أمّا للرّعايا الفلسطينيّين فقد أنشأت إسرائيل جهاز تخطيط منفصل لم يُقم حتى بلدة فلسطينيّة جديدة واحدة، بل إنّ هدفه الأساسيّ منع البناء والتطوير…جميع يهود العالم وأولادهم وأحفادهم – وكذلك أزواجهم وزوجاتهم – يحقّ لهم الهجرة إلى إسرائيل في أيّ وقت والحصول على الجنسية الإسرائيليّة وجميع الحقوق المترتّبة عليها أو الناجمة عنها حتى إذا اختاروا الإقامة في المناطق المحتلّة.” وهذا ينطبق على تقييد حرية الحركة والتنقل والسفر للفلسطينيين، داخل وخارج إسرائيل، والأراضي المحتلة. ويخلص التقرير إلى تسمية الواقع بـ “إنّه أبارتهايد”.

 

لمزيد من الاطلاع على التقريرين في الرابطين:

ـ تقرير بيتسيلم https://www.btselem.org/arabic/topic/apartheid

ـ تقرير هيومن رايتس ووتش

https://www.hrw.org/ar/report/2021/04/27/378469

 

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.