يكشف كل من محمد زياني وسفيان صحراوي في كتابهما الغني بالمعلومات “ثقافة الجزيرة: داخل عملاق إعلامي عربي” (2007) أن ثقافة الجزيرة ليست منفتحة ومتسامحة كما يقال في كثير من الأحيان. بل على العكس، فقد اتضح أن المؤسسة كتومة ومتحفظة وتعاني من المحسوبية، “والشعور بأن فسحة الحرية داخل الشبكة آخذة بالانحسار مؤخراً”. وادعاؤها بالاستقلالية “لا مصداقية له لدى البعض من موظفيها”. يتم حذف بعض التصريحات المثيرة للجدل والتي تُبث على الهواء مباشرة عند إعادة عرضها.
وتخضع البرامج الوثائقية الناقدة للممارسات والسياسات القطرية المحلية للرقابة. ويتحدث الكاتبان بحذر وبصورة مبهمة عن “إدراك أن بعض القرارات العرضية المتعلقة ببرامج معينة، أو ربما موضوعات، تأتي من مصدر غير معلن أو مجهول”.
ومن المؤكد أن النخبة الحاكمة في قطر لم ترغب يوماً بالتعرض إلى التهديد أو الرقابة من قبل مؤسسة من نتاج فكرها. فالدافع الرئيسي وراء إنشاء قناة الجزيرة كان الرغبة في جعل قطر محط أنظار العالم، ومنحها في النهاية المزيد من حرية الحركة في تعاملها مع الغرب – بما فيها إسرائيل – وإيران. ولتحقيق ذلك، كان على قطر أولاً وقبل كل شيء تحرير نفسها من سيطرة “الأخ الأكبر”، المملكة العربية السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي.
وقناة الجزيرة أداة ناجحة للغاية في هذا الصدد. فعن طريق السماح للشخصيات المعارضة السعودية والبحرينية، وغيرها، بإبداء وجهات نظرهم فيها، أصبحت المحطة (ودولة قطر على نحو غير مباشر) قوة سياسية لا يستهان بها. علاوة على ذلك، عززت قناة الجزيرة العصرية صورة قطر كدولة حديثة وواثقة ومتطلعة إلى المستقبل. ومن دون شك، فقد وسعت قناة الجزيرة حدود حرية التعبير في الشرق الأوسط.