وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معركةٌ شاقة: حقوق متساوية لمجتمع الميم-عين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حقوق متساوية لمجتمع الميم-عين
أفراد من مجتمع الميم-عين يلوحون بأعلام قوس قزح وهم يبحرون على طول معلم الروشة الشهير (صخرة الحمام) في العاصمة بيروت. مروان طحطح / وكالة الصحافة الفرنسية

 دانا حوراني

يونيو هو شهر الفخر. هو شهرٌ مخصّص لتكريمِ أفراد مجتمع الميم-عين في جميع أنحاء العالم.

تُخلّد أحداث الشهر هذا ذكرى انتفاضة ستونوول في نيويورك في يونيو عام 1969، عندما اقتحمت شرطة المدينة نادي Stonewall Inn الخاص بالمثليين في قرية غرينتش. وأثّرت أعمال الشغب التي تلت ذلك على حركة حقوق مجتمع الميم-عين الحالية.

وامتدّ هذا الفخر إلى مسيرات الشوارع والحفلات الموسيقية والمهرجانات والفعاليات الثقافية، التي تزيّنها أعلام قوس قزح والاستعراضات، ويتم الاحتفال به إلى حدٍّ كبيرٍ في الغرب.

ومع ذلك، لا تزال تلك الاحتفالات تجري ضمن إطار السرية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يتم تجريم المثلية الجنسية أو وصمها من قِبل المجتمع.

ويزعمُ النشطاءُ والمدوّنون أن تفشي جائحة كوفيد-19، بالإضافة إلى الأزمات المالية في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جعلت مجتمع الميم-عين أكثرَ عرضةً للتمييز والترهيب والعنف.

وصرح ديمة (يستخدم ضمائر هو / هم)، ناشط كويري يبلغ من العمر 29 عامًا، لفَنَك: “نحنُ مجموعةٌ قويةٌ ومقاومة إلى حدٍّ كبير. ليس لأننا نريد أن نثبت وجودنا، ولكن لأن مضطهدينا جعلونا على هذا النحو.”

ماذا يعني أن تكون مثليًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي موطن لبعض التشريعات الأكثر تقييدًا في العالم لأفراد مجتمع الميم-عين، بما في ذلك عقوبة الإعدام في إيران والمملكة العربية السعودية واليمن.

ومن ناحيةٍ أخرى، لدى الإمارات العربية المتحدة ومصر وسوريا وقطر وعمان ولبنان والكويت وغزة قوانين خاصة تُعاقب الأشخاص على الممارسات الجنسية المثلية أو “الخارجة عن نطاق الطبيعية”.

وكان لانتدابٍ القوى الاستعمارية السابقة مثل الفرنسيين والبريطانيين، الدور الكبير في جلب بعض من هذه القوانين الجنائية إلى المنطقة. فقط البحرين وسلطنة عمان ألغتا هذه العقوبات. أما الدول التي حافظت على القيود، فعلت ذلك إما لأسبابٍ دينية أو رغبتها في مكافحة ما يعتبره بعض القادة الانحلال الأخلاقي المدمّر في الغرب.

عمليات الإغلاق

قال ديمة، وهو/هم مهاجر/ون سوري/يون انتقل/وا إلى الإمارات في سنٍّ مبكرة، أن عمليات الإغلاق جراء فيروس كوفيد-19 سبّبت أضرارًا لاصدقائه/هم. وذلك لأن المجموعة اعتمدت إلى حدٍّ كبيرٍ على اللقاءات المتكرّرة بهدف اكتساب الدعم المعنوي والعاطفي والمالي في بعض الأحيان.

وصرح ديمة لفَنَك: “كان التفكير المستمر في أفعالنا المستقبلية صعبًا ومرهقًا. دائمًا ما نشعر بالوحدة التامّة في كفاحنا، سواء كان الأمر يتعلّق بالمال أو الصحة العقلية، لأنّنا نتعرّض باستمرار للتمييز. كما أن مواردنا تكون محدودة جدًا”.

خوض الكثير من المعارك

“كان الناشط قد تعرض سابقًا لسنواتٍ من الإساءة العاطفية والجسدية على يد والده/هم قبل ان يقررالذهاب إلى دبي لبدء حياةٍ جديدة. ومع ذلك، عندما ظهر الوباء، أصبح سوق العمل معاديًا بشكل متزايد لأفراد مجتمع الميم-عين، وفقًا لتصريحه/هم.

وقال ديمة: “فقدتُ وظيفتَيْن خلال فترة الوباء وكنت دائمًا معرض/ون لخطر الترحيل بسبب عدم وجود تأشيرة عمل”.

وعندما شحّت الأموال، كانت الشركات تطرد موظفي مجتمع الميم-عين أوّلاً أو “أولئك الذين من المرجح ألا يكونوا مناسبين لجوّ العمل”، وفقًا لديمة. ونتيجةً لذلك، كان العديد من الناس يخافون من الترحيل أو التشرّد.

وأحد المكوّنات الأخرى التي فُقِدت جراء الوباء، وفقًا للناشط، هي أماكنهم الآمنة. ويقول ديمة أن استضافة ضيوف في منازله/هم هو/هم وأصدقائه/هم في دول الخليج أفضل بكثير من الخروج في الأماكن العامة. ولم تكن هناك مقاهي أو حانات أو مطاعم صديقة للمثليين. فقد تُرِك الناس بمفردهم، من دون أي مساعدة من العائلة أو الأصدقاء، بينما فَرَض الإغلاق قيودًا وتدابير تباعد اجتماعي.

واضاف ديمة: “الصعوبات المالية المتزايدة جعلت النساء العابرات جنسيًا، على وجه الخصوص، أكثر عرضةً لخطر الاستغلال. ففي الشرق الأوسط، تواجه تلك النساء صعوبةً في العثورِ على عمل. لذلك، اضطرّ العديد منهنّ اللجوء إلى العمل في مجال الجنس لتغطية نفقاتهنّ”.

وفي سوريا، لم يتمّ تحديث تجارب مجتمع الميم-عين وتوثيقها جيدًا بسبب المخاوف المجتمعية والدينية والسياسية التي من شأنها أن تعرّض حياة المثليين للخطر إذا تم نشرها على الملأ. ويعترف ديمة بأن رهاب المثلية الجنسية في سوريا هو أمر شائع، ويتجلى في جرائم عنيفة تمرّ من دون تنفيذ أو فرض أي عقوبات على مرتكبيها.

وعلى نحوٍ مماثل في العراق، يُعاني المجتمع المثليّ من أعمال تمييز مروعة تتراوح من الاعتقالات التعسّفية إلى تطبيق أسوأ أشكال الإساءة الجسدية واللفظية.

خطر العالم الرقمي

خلال عمليات الإغلاق الخاصة بـ كوفيد-19، لجأ العديد من أعضاء المجتمع إلى وسائل التواصل الاجتماعي للعثور على السلوان والدعم. ومع ذلك، وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش، فإن المجال الإلكتروني جعل أفراد مجتمع الميم-عين أهدافًا سهلةً للتنمّر الرقمي والقمع الحكومي.

ونُشِرَت صورة رانيا أمداوي، المتظاهرة التونسية التي شاركت في مظاهرات عام 2021، على فيسبوك من قِبل مسؤولي الشرطة الذين وضعوا عليها عبارات مهينة. كما نشروا معلومات التواصل الخاصة بها على الملأ.

وأرسل الناس والسياسيون تهديدات بالقتل ورسائل عنيفة إلى أمداوي. وبعدها تم اعتقالها بسبب صراخها على ضباط الشرطة الذين رفضوا تقديم شكوى جنائية.

وعلى المنوال نفسه، وجد الناشط اليمني محمد البكاري نفسه مضطرًا للسفر سيرًا على الأقدام من اليمن إلى المملكة العربية السعودية بعد تلقّيه تهديدات بالقتل بسبب نشاطه على الإنترنت في عام 2019. وبعد فترةٍ وجيزةٍ من الاستقرار في الرياض كمهاجرٍ غير موثّق، تم القبض عليه لنشره مقطع فيديو يعبّر عن دعمه لمجتمع الميم-عين. وحُكِم عليه بالسجن لمدة 10 أشهر بتهمة “الترويج للمثلية الجنسية” عبر الإنترنت.

وفي أبريل عام 2020، انتشرت حملةالكشف عن التوجّه الجنسي على منصات التواصل الاجتماعي المغربية، حيث أنشأ الناس ملفات تعريف وهمية لتطبيقات المواعدة للكشف عن هوية أفراد مجتمع الميم-عين وفضحهم أمام عائلاتهم.

وفي مصر، كشف تقرير لـهيومن رايتس ووتش أن السلطات استخدمت منصات رقمية لاستهداف ومقاضاة أفراد مجتمع الميم-عين. وأكّد المعتقلون أن الشرطة قامت بتنزيل مواد إباحية على هواتفهم لتبرير سبب سجنهم.

وصرّح/ت قديرة لفَنَك، وهي مدوّن/ة عراقي/ة مثلي/ة ت/يعيش الآن في تركيا، أنه بينما كانت الأمّة آمنة بشكل معقول لمجتمع المثليين، لا تزال هناك أعمال متفرّقة من رهاب المثلية الجنسية. ففي عام 2021، ألقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي لعرقلة مسيرة الفخر السنوية في إسطنبول، والتي كانت محظورة منذ سبع سنوات.

وعلاوةً على ذلك، أضاف/ت المدوّن/ة أنه بسبب متطلّبات التأشيرة القوية في تركيا، تم ترحيل النساء العابرات جنسيًا من الشرق الأوسط إلى بلدانهنّ الأصلية بسبب فشلهنّ في الحفاظ على مصدر دخل ثابت طوال فترة الوباء.

وأثناء إقامته/ا في الأردن، زعم/ت قديرة أنه يمكن رؤية أفراد مجتمع الميم-عين في أماكنَ عامّةٍ محدّدة. لكن أعلن الناس رفضهم لوجودهم باستخدام لغةٍ مسيئةٍ وإدانتهم علانية.

وفي العراق، لاحظ/ت قديرة أن الوضع أكثر سريةً، حيث يلتقي الناس في أماكن سرية خوفًا من أن تكتشف أمرهم السلطات.

وفي حين أن بعض التقارير قد قدّمت إسرائيل باعتبارها الملاذ الرئيسي لنشاط مجتمع الميم-عين، يؤكّد خبراء الشرق الأوسط أن إسرائيل تلجأ إلى ما يُسمى باستراتيجية “الغسيل الوردي”. وهدف تلك الأخيرة إنشاء ثنائيات من “المثليين” الإسرائيليين المحرّرين جنسيًا مقابل “مثليين” عرب مُضطهدين. وقد سمح ذلك لإسرائيل بتسويق نفسها على أنها أكثر تحضّرًا مما تصفه بأنه “الشرق الأوسط المتخلّف المعادي للمثليين”.

سمّ النظام البطرياركي (الذكوري الأبوي)

بسبب إضفاء الطابع الجنسي المستمر على الشكل الأنثوي، بغض النظر عن التوجّه الجنسي، كان الذكور الذين يُظهِرون أنثوية هم أكثر استهدافًا من قِبل رهاب المثليين مقارنةً بالإناث الذين يظهرون بصورة ذكورية، وفقًا لكلام ديمة.

ومع ذلك، وفقًا لقديرة، عادةً ما تواجه النساء المثليات صعوبةً أكبر في الاندماج في المجتمع لأنهنّ يواجهنّ باستمرار مفاهيم جامدة مسبقة عن معايير النوع الاجتماعي.

ومع نموّ منتديات المثليين عبر الإنترنت خلال فترة الوباء، وزيادة جهود التوعية التي بدأت محادثاتٍ حول مخاوف مجتمع الميم-عين، يعتقد كل من ديمة و قديرة أن المنطقة أظهرت مؤشّرات تدلّ على التحسن.

و تمكن ديمة من الفرار من الإمارات العربية المتحدة والإقامة في كندا بعد تقديم طلب لجوء لمجتمع الميم-عين. وواصل نشاطه/هم في العالم الرقمي. ويعتقد كلا الناشطين أن جيل مجتمع الميم-عين الأصغر سنًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سيعزّز الحركة في حقّ نفسه.

وقال ديمة: “عندما تغادر الشرق الأوسط، فإن الصدمة لا تختفي. ولأن نضالنا هو كفاحٌ مشترك، فإنني أشجّع الجميع على التواصل مع مجتمعنا والتعرّف على إمكانيات أفراده، لأن حياتنا هي معركة دائمة من أجل الحرية.”