تفاجأ الفلسطينيون و الإسرائيليون معا عند سماعهم نبأ اختطاف ثلاثة مستوطنين بتاريخ ١٢/٠٦ /٢٠١٤ بالقرب من مستوطنة غوش عتصيون في الضفة الغربية ، حيث لم تعلن أي جهة فلسطينية سياسية أو عسكرية عن مسئوليتها تجاه عملية الاختطاف.
تفاجأ الفلسطينيون و الإسرائيليون معا عند سماعهم نبأ اختطاف ثلاثة مستوطنين بتاريخ 1262014 بالقرب من مستوطنة غوش عتصيون في الضفة الغربية ، حيث لم تعلن أي جهة فلسطينية سياسية أو عسكرية عن مسئوليتها تجاه عملية الاختطاف.
وبسبب عدم تبني تلك العملية من قبل أي فصيل فلسطيني بشكل رسمي ، نشرت وسائل الإعلام الفلسطينية المحلية عدة سيناريوهات تشكك في احتمالية أن تكون عملية الاختطاف حقيقية، فقد صورت إحدى وسائل الإعلام الفلسطينية الالكترونية أن العملية هي مجرد مسرحية من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية من أجل ايجاد ذريعة لاستهداف عناصر المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية ، بينما أعلنت بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية سيناريوهات أخرى مثل الموقع الالكتروني الإسرائيلي ( والا ) الذي نشر خبرا يفيد بأنه تلقى بيانا رسميا من التنظيم الاسلامي المتطرف داعش يعلن هذا التنظيم عبر بيانه مسئوليته عن عملية الاختطاف ، لكن بعد عدة أيام من عملية الاختطاف هذه ، أعلنت أيضا وسائل الإعلام الفلسطينية أنها تلقت بيانا رسميا أخر من كتائب الأقصى الفلسطينية تعلن به مسئوليتها أيضا عن عملية الاختطاف.
وفي الحال ، أعلنت الحكومة الإسرائيلية و بشكل رسمي اتهامها المباشر لحركة حماس وعناصرها بأنهم المسئولون عن عملية الاختطاف و بدئت بذلك عمليتها العسكرية
“اعادة الاخوة ” التي شنتها في مدن الضفة الغربية خلال شهر يونيو 2014 ، حيث تركزت أنشطة تلك العملية بشكل مكثف في مدينة الخليل التي تم محاصراتها من قبل الجيش الإسرائيلي وتم منع جميع سكانها من السفر خارجها.
وقد كان الهدف من تلك العملية الإسرائيلية بالضفة الغربية هو تدمير البنية التحتية لحركة حماس في المنطقة، و اعتقال أكبر عدد ممكن من عناصرها وذلك تحت مبرر البحث عن المختطفين و المسئولين عن اختطافهم ، لكن بتاريخ 3062014 أعلنت الشرطة الإسرائيلية عثورها على جثث المختطفين الثلاثة في منطقة حلحول شمالي الخليل.
الرد الفلسطيني
و أثناء البحث عن المختطفين الثلاثة ، تفاوتت ردود أفعال الفلسطينيين ما بين مؤيد لعملية الاختطاف ،وذلك ظنا منهم أن هذه العملية تهدف إلي تحرير مزيد من الأسرى الفلسطينيين القابعين في السجون الاسرائيلية ، بينما عارض تلك العملية بعض الفلسطينيين الذين اعتبروا أن المقاومة السلمية و المفاوضات هما من أهم الوسائل التي ستساعد في عملية تحرير الأسرى الفلسطينيين.
وتدل ردود أفعال الشعب الفلسطيني المنقسمة تجاه عملية الاختطاف على ارتفاع مستوى الغضب الفلسطيني ضد إسرائيل ، حيث يعتقد معظم الفلسطينيون أن إسرائيل هي بمثابة دولة احتلال و أنها هي المسئولية عن معاناة الشعب الفلسطيني.
ومن الجدير بالذكر ، أن حركة حماس قد باركت عملية الاختطاف عبر رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل ، (مقيم حاليا بدولة قطر) الذي صرح من خلال مقابلة له عبر القناة الفضائية الجزيرة في شهر يونيو 2014 ، أن حماس تبارك أي جهد يبذل من أجل تحرير الأسرى ، ولكنه في الوقت ذاته ، لم يعلن مشعل بشكل رسمي مسئولية الحركة عن تلك العملية و اعتبر أن هذه العملية من شأنها أن تضغط على إسرائيل من أجل تحرير مزيد من الأسرى الفلسطينيين كما سبق وتم الضغط على إسرائيل خلال صفقة شاليط التي تمت عام 2011، و التي تحرر عبرها نحو 1027 أسير فلسطيني مقابل تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
أما بالنسبة لحركة فتح فقد كان موقفها متناقضا كليا مع حركة حماس ، حيث أعلن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية و رئيس حركة فتح ، أنه يستنكر بشدة عملية اختطاف المستوطنين ، مؤكدا أن التنسيق الأمني مع إسرائيل ضروري من أجل العثور على المفقودين المستوطنين و شدد أنه سوف يحاسب الجهة المسئولة عن الاختطاف.
و اعتبر عباس أن عملية الاختطاف تضر بالمصالحة الفلسطينية ومن شأنها أن تثير الفوضى في الضفة الغربية وفي الوقت ذاته قد تعطي ذريعة للإسرائيليين من أجل احتلال مزيد من الأراضي الفلسطينية وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.
ولم يفاجأ استنكار عباس لعملية الاختطاف أفراد الشعب الفلسطيني أو الفصائل السياسية الفلسطينية ، حيث عبر بالسابق عباس عن إيمانه القوي و موقفه الثابت بشأن التنسيق الأمني الذي وصفه أثناء لقاؤه مع وفد من الشباب الإسرائيلي الذي زاره في مقر المقاطعة برام الله خلال شهر مايو 2014 بأنه مقدس ، مما أثار غضب و انفعال عدد كبير من الشباب الفلسطيني و أعضاء حركة حماس ، وجعلهم ذلك يستنكرون تصريحات عباس المؤيدة للسلام ، فقد وصف الكثير منهم آنذاك خطاب عباس السلمي بأنه خطاب ضعيف و استسلامي ويدل هذا النقد اللاذع تجاه سياسة عباس السلمية على انخفاض كبير لشعبية عباس بالشارع الفلسطيني.
وقد أثرت عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة بشكل غير مباشر على المصالحة الفلسطينية التي تم التوقيع على اتفاقيتها خلال شهر أبريل 2014 ، فقد بدأ التوتر يظهر بوضوح بين حركتي فتح و حماس ، وأصبح هناك أزمة ثقة تتشكل في الأفق بين الحركتين ، فبدأت الاتهامات تتبادل بينهما ، حيث وجه بعض أعضاء حركة فتح اتهامات لحماس بأنها تنوي إثارة الفوضى في الضفة الغربية و بأنها تعد لانتفاضة ثالثة من أجل القضاء على حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، الأمر الذي نفته حماس و جعلها تصرح بأن حكومة الوفاق الوطني منعزلة عن الواقع الفلسطيني و لا تتحمل مسئولية إدارة شئون ومعاناة أهالي قطاع غزة فمازال نحو 40 ألف من موظفي حكومة حماس السابقة لم يتقاضوا رواتبهم و مازال معبر رفح مغلقا و الحصار مشدد على قطاع غزة دون محاولات جدية من حكومة الوفاق الوطني بأن تبذل جهود جدية لحل الأزمة الاقتصادية في غزة.
لذا طالب موسى أبو مرزوق، القيادي في حركة حماس عبر صفحته في الفيسبوك، أن تتحمل حكومة الوفاق الوطنية كامل مسئوليتها عن القطاع ، و هدد أبو مرزوق بأنه من المحتمل اذا فشلت هذه الحكومة بأداء واجباتها ،ستقوم عندها حركة حماس بتشكيل ادارة من الشخصيات الوطنية لإدارة شئون قطاع غزة وسيتم نتيجة لذلك اعفاء حكومة المصالحة من مسئوليتها.
تعقد المصالحة الفلسطينية
ومع تفاقم الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية نتيجة عملية الاختطاف و زيادة الأزمة الاقتصادية في غزة ، اشتعلت مؤخرا معركة جديدة بين حماس و إسرائيل ، حيث أعلنت الحكومة الإسرائيلية بتاريخ الثامن من يوليو 2014 ، بدء انطلاق عمليتها العسكرية “الجرف الصامد” كرد فعل من إسرائيل على تزايد عدد صواريخ المقاومة الفلسطينية الموجهة من قطاع غزة ضد إسرائيل ، الأمر الذي أدى إلي مزيد من التصعيد بين حركة حماس و إسرائيل ، حيث حسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية ، سببت عملية الجرف الصامد مقتل أكثر من 500 فلسطينيا من بينهم أطفال ونساء خلال أسبوعين فقط منذ بدء تلك العملية العسكرية وأحدثت أيضا هذه العملية دمار كبير في بعض المنازل الفلسطينية.
وقد ألقى الهجوم العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة بظلاله أيضا على المصالحة الفلسطينية ، حيث لم ينجح الرئيس محمود عباس بإقناع حركة حماس بالتوقف عن إطلاق النار وهذا يدل على مدى اتساع الفجوة السياسية بين الرئيس عباس وقيادة حركة حماس التي بدأت تتسع منذ استنكار عباس لعملية اختطاف المستوطنين الثلاثة.
ومن الجدير بالذكر أن من أهم العوامل الرئيسية التي أدت أيضا الي تعكير أجواء المصالحة بين حماس وفتح، هي مشكلة دفع رواتب موظفي حكومة حماس السابقة ، حيث تخشى السلطة الفلسطينية من تغطية تلك الرواتب بسبب القيود الدولية المفروضة عليها من قبل الدول المانحة التي ترفض بشدة أن يتم تحويل أي مبالغ مالية لعناصر حكومة حماس السابقة باعتبارهم يتبعون لمنظمة ارهابية حسب تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد الاوروبي ، لذلك مازالت فروع البنوك الفلسطينية المتواجدة بقطاع غزة ترفض بشدة استقبال أية مبالغ مالية قد تحول إلي موظفي حكومة حماس السابقة من قبل بعض الدول العربية مثل دولة قطر التي عرضت مساعدتها في هذا الشأن ، ولقد أدى ذلك الرفض من قبل البنوك الفلسطينية إلي تعرضها لاعتداءات وهجوم على أجهزة صرافاتها الآلية من قبل المتظاهرين الغاضبين الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ نحو أكثر من ستة أشهر.
و بالإضافة إلي قضية رواتب موظفي حكومة حماس السابقة ، تعتبر أيضا قضية إغلاق معبر رفح البري من أهم الأسباب التي أضرت بالمصالحة الفلسطينية، حيث لم تنجح حكومة الوفاق الوطني بإقناع الحكومة المصرية لإعادة فتح معبر رفح البري الذي مازال مغلق أمام المواطنين الغزين.
لذا بالرغم من أن عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية أثرت سلبيا على العلاقات السياسية بين حركتي فتح وحماس إلا أن عملية الاختطاف هذه لم تؤثر بشكل مباشر على المصالحة الفلسطينية لكنها أدت إلي تعكير أجوائها ، لأن الأسباب الرئيسية التي أدت الي اتساع الفجوة بين طرفي المصالحة هي بالأساس قضيتا الرواتب ومعبر رفح البري.
وبالرغم من التصعيد الأمني في قطاع غزة و الضفة الغربية ، كان هناك عدة محاولات جدية تم بذلها في منتصف شهر يوليو من أجل إنقاذ المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح و حماس، ومازالت فصائل المقاومة الفلسطينية تتهم إسرائيل بأنها السبب في إفشال المصالحة حيث كان من أهم شروط المتحدث العسكري لحركة حماس “أبو عبيدة” من أجل إيقاف إطلاق النار بين حماس و إسرائيل ، هو أن لا تقوم إسرائيل بإفشال المصالحة الفلسطينية حيث لم تدخر حكومة نتانياهو أي جهدا من أجل مهاجمة و إفشال اتفاقية المصالحة الفلسطينية.
وطالبت إسرائيل عدة مرات عباس بأن يفكك تحالفه مع حركة حماس ، فقد اتهمت إسرائيل عباس بأنه يدعم الإرهاب بسبب ارتباطه باتفاقية وحدة مع حركة حماس ، التي تتهمها إسرائيل بمسئوليتها عن عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة ، الأمر الذي جعل عباس يرفض تلك الاتهامات الإسرائيلية و جعله يعلن تمسكه بالمصالحة الفلسطينية بالرغم من المشاكل الناشئة بينه وبين قيادات في حركة حماس.