وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الخيّام: بابٌ لم أجد له مفتاحاً

Omar Khayyam
مزار عمر الخيّام في نيسابور. المعمارية هوشانغ سيحون. المصدر: Creative Commons

الأستاذ الدكتور علي أصغر سيد غراب

في هذه التدوينة، نعقد مقارنةً بين الترجمة الإنجليزية لواحدةٍ من أشهر الرباعيات والنسخة الأصلية الفارسية لها. كيف تُرجمت رؤية الخيام عن العالم؟

أصالة رباعيات عمر الخيام

الرباعيات التي تتناول موضوعات مماثلة للخمر، والعيش في اللحظة، وانتقاد خلق الله، والآخرة تعزى إلى الخيام (ca. 1048-1131). بيد أن معظم هذه الرباعيات تم نظمه بعد عدّة قرونٍ من الزمن. ونسب متصوفون، وفلاسفة، وشعراء رباعيات، تعود للقرن الـ 13 الميلادي، إلى الخيام. ولا تظهر النسخة الأصلية الفارسية من هذه الرباعية تحديداً بين أقدم الرباعيات الباقية: بل ظهرت في مجموعة أشعار لناصر بن خسرو، وهو شاعر فارسي يعود للقرن الـ 14 الميلادي. واستشهد متصوفون مثل الرازي برباعيات الخيام، مثل الرباعية التالية، متهمين إياه بتبني مبادئ الفلسفة المادية:

لماذا أعاد الخالق، الذي نظَّم عناصر الطبيعة، تشكيلها بهذه النواقص والخلل؟
إذا كانت قبيحة، فمن نلقي عليه اللوم بسبب العيوب الموجودة في الأشكال؟
وإذا كانت جميلة، فلماذا هدمها مجدداً؟

أداء جوقة الحجرة الهولندية للرباعية (أغسطس 2009). قائد الأوركسترا: كلاس ستوك. المصدر: يوتيوب.

رؤية الخيام الفارسية للعالم

Omar Khayyam
رباعية لعمر الخيّام كتبت بخط الشكسة في مخطوطة بودليان المكتوبة في شيراز عام ١٤٦٠. المصدر: Creative Commons

قبل تحليل القصيدة، سأقدم النسخة الأصلية باللغة الفارسية وبعدها الترجمة الحرفية لها:

اسرار ازل را نه تو دانی و نه من
وین حرفِ معمّا نه تو خوانی و نه من
هست از پس پرده گفت‌وگوی من و تو
چون پرده برافتد، نه تو مانی و نه من

asrâr-e azal râ na to dâni-yo na man
v-in harf-e mo’ammâ na to khâni-yo na man
hast az pas-e parda goftegu-ye man-o to
chun parda bar oftad na to mâni-yo na man

لن نعرف، أنا أو أنت، سر الأبدية.
لن نقرأ، أنا أو أنت، حروف هذه الأحجية.
الحوار بيني وبينك يستتر خلف حجاب.
عندما يسقط الحجاب، لن يبقى أي منّا.

تشير كلمة “azal” في الشطر الأول إلى الأزلي، أي الذي لا بداية له في مقابل كلمة الأبدي، أي الذي لا نهاية له. يربط الشعراء الفرس بين الأزل وخلق الله. ويشير الشاعر هنا إلى اللحظة، التي خلق فيها الله العالم. وتسمى هذه اللحظة أيضاً بيوم الميثاق، وهي تشير إلى الآية القرآنية التي يسأل فيها الله بني آدم قائلاً: “ألست بربكم؟”، فيجيب عليه آدم، نيابةً عن البشرية: “بلى، شهدنا”. وتُقَدَم لحظة خلق الكون في هذا الشطر من الرباعية باعتبارها سراً لا نستطيع الوصول إليه. في الشطر الثاني، يكرر الشاعر هذه الفكرة باستخدام مرادف آخر للسر وهو كلمة “mo‘ammâ” وتعني الأحجية. وتقدم هذه الأحجية في صيغة مركبة وهي “harf-e mo‘ammâ”، والتي تحمل معنيين وهما “الحديث عن الأحجية” أو “حرف الأحجية”، في إشارة إلى رمزية الحرف في القرآن. في الشعر الفارسي، يُصوَر الله أحياناً بأنه كاتب، والخلق بأنه الحروف، والكون كلّه بأنه كتاب. وتظهر كلمة “قلم” أيضاً في القرآن (68:1) والحديث. يكتب الله كل أحداث العالم من البداية إلى النهاية. وبناء على هذه الصورة، يُشار إلى الله أيضاً على أنه رسام، مثلما يقول الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي (1315-1390) في هذا البيت:

لنضحي بأرواحنا للمصمم صاحب القلم:

رسم الكثير من التصميمات الرائعة في الحركة الدائرية لبوصلته.

قد يعتبر المسلمون المتشددون رباعية الخيام كفراً لأنّ الشاعر يزعم أننا لا نستطيع فهم أسباب خلق الله للكون. وفقاً للتعاليم الإسلامية المتشددة، خلق الله العالم بغرض واضح، أي أنه خلقه من أجل الإنسان، حتى يعبد الله، ويقوم بالأعمال الحسنة، ويعود إلى الحياة الأبدية في الآخرة. وغالباً ما تُستخدم استعارة الزراعة للإشارة إلى الطبيعة المؤقتة لهذا العالم في مقابل الطبيعة الأبدية للآخرة، ولماذا ينبغي أن نستخدم هذا العالم لإعداد أنفسنا لحياة الآخرة: الدنيا هي مزرعة الآخرة، أو “العالم هو حقلٌ من أجل الآخرة”. والمزرعة هو حقل زُرِعَ، أو في هذه الحالة، هو حقلٌ مُعد للزراعة. منح الله أيضاً الإنسان مكانةً خاصة بأن جعله خليفته في الأرض، وهي مسؤوليةٌ، لم تجرؤ الملائكة على قبولها.

إن المغزى من الخلف محددٌ بوضوح أيضاً في سياق الصوفية. وفقاً للصوفيين، الله خلق العالم بقرارٍ واعٍ حباً في الإنسان. أراد الله أن يُبدي جماله، فخلق الإنسان شبيهاً بصورته.

في سياق الصوفية، تشير أسرار الشطر الأول من الرباعية إلى علاقة الحب التي تجمع بين الإنسان والله. في اللحظة الأولى (الأزل)، خلق الله الإنسان ونفخ روحه في جسده. ووضع كلّ أسراره في قلب الإنسان، ومكّنه من معرفة أسراره عبر الحدس. لهذا يتناقض الحدس تماماً مع المنطق، أو المنطق الفكري المرتبط بالفلاسفة.

بينما يقدم أول شطرين من الرباعية الموضوع، يُحضر الشطر الثالث الإجابة التالية. يشير الشاعر هنا إلى مساعي الإنسان لفهم أسرار الخلق. ويدرك سريعاً أن كل محاولات الفلاسفة لحل الأحجية تبقى على هذا الجانب من الحجاب دون أن تكون لديهم أية فكرة عما يحدث على الجانب الآخر. وتحمل كلمة “parda”، والتي ترجمتها هنا إلى كلمة “حجاب”، معانٍ متعددة. إحدى هذه المعاني هي أن الحجاب يفصل العالم المرئي عن العالم الروحاني غير المرئي. لا يستطيع الإنسان فهم أسرار العالم غير المرئي عبر العالم المرئي، لا بمساعدة المنطق مثلما يفعل الفلاسفة، ولا عبر الحدس كما يعتقد الصوفيون. فهم يبقون أيضاً على هذا الجانب من الحجاب. العقل هو جزءٌ من اللانهائي ولهذا لا يمكن أبداً أن يفهم الكلي. في الشطر الرابع، يطرح الشاعر الإجابة دون مساومة: فقط عندما يسقط الحجاب، كناية عن الموت، يمكن للمرء أن يصل إلى العالم الآخر: لم يأت أحد بنبأ عن الجانب الآخر من الحجاب.

فيتزجيرالد وإعادة صياغته للرباعيات

إن ترجمة فيتزجيرالد لهذه الرباعية رائعةٌ، فهي تطرح أبعاداً أخرى في هذه القصيدة. إنها الرباعية الثانية والثلاثين من الطبعة الأولى:

كان هناك باب، لم أجد له مفتاحاً.
كان هناك حاجب، لم أستطع أن أرى ما وراءه.
حديثٌ قصير يدور بيني وبينك لبرهة.
كان هناك ما يبدو – ثم لم يتبق شيءٌ مني ومنك.

ومثلما هو الحال في الرباعية المنسوبة للخيام، اختار فيتزجيرالد استخدام الضمير “أنا”. لم تُذكر اللحظة الأولى للخلق: بل وسَّع فيتزجيرالد هذا المفهوم ليشمل المعرفة العامة أو السر الذي لا يستطيع الإنسان الوصول إليه. ويؤكد الباب المغلق على عجز الإنسان. ويشير البحث عن المفتاح إلى فضول الإنسان لجمع معارف جديدة. ومن خلال استدعاء صورة الباب والمفتاح، يجهز فيتزجيرالد القارئ لتفسير الحجاب على أنه عائقٌ ملموس. وتحمل كلمة “حجاب” في اللغة الفارسية معنى مختلف عنه في اللغة الإنجليزية. في الاستخدام الفارسي، الحجاب لا يكون شفافاً ويفصل المساحات. أما في الإنجليزية، فيرتبط الحجاب عادة بمفهوم المادة شبه الشفافة، التي يسهل طرحها جانباً. لذا، يستخدم فيتزجيرالد الكلمة بخلاف الطريقة المعتادة في اللغة الإنجليزية. ويتأكد عجز الإنسان أكثر عبر استخدام الفعل الحسي “ترى”. بدون مفتاح، لا يمكن فتح الباب، و “الأنا” لا تستطيع أن ترى ما وراء الحجاب. لا تستخدم اللغة الفارسية الحروف الكبيرة، لكن السياق يوضح على الفور أن الكلام يشير إلى أسرار الله عندما يستخدم فيتزجيرالد الحروف الكبيرة في كلمات “الباب”، و”المفتاح”، و”الحجاب”. في آخر شطرين، يؤكد فيتزجيرالد على أن وجود الإنسان زائلٌ، بينما يركز الخيام على سر الأبدية. تقول النسخة الإنجليزية إن هناك حديث يدور بيني وبينك لبرهةٍ، وإننا سنُنسى بعدها. اختار فيتزجيرالد بوضوح أن يركز على الطبيعة المؤقتة لوجود الإنسان، والوقت العابر، وحتمية الموت. قصيدة فيتزجيرالد هي جزءٌ من سلسلة مكونة من 75 رباعية تصوّر حياة الإنسان في يوم واحد. لهذا، تبين هذه القصيدة أن العالم غير دائم.

في الطبعة الخامسة، غيّر فيزجيرالد عدداً من العناصر للتأكيد على الطبيعة المؤقتة للحياة. فقد أضاف لكلمتي “باب”، “وحجاب” أداة التعريف “الـ”، معاملاً إياها كأنماط رئيسية، يفترض أن يكون القارئ على دراية بها. واستبدل عبارة “كان هناك ما يبدو” بعبارة مطلقة وهي “كان هناك”، طارحاً الطبيعة المؤقتة للحياة كحقيقة مطلقة:

كان هناك باب لم أجد له مفتاحاً
كان هناك حجاب لم أستطع أن أرى ما وراءه
حديثٌ قصير يدور بيني وبينك لبرهةٍ
كان هناك – ثم لم يتبق شيءٌ مني أو منك.

ومثلما أشرت أعلاه، إن النسخة الأصلية الفارسية للقصيدة لا تعود إلى الخيام. وردّ البعض العديد من الموضوعات الأخرى إلى الخيّام مثل النقد الحاد لخلق الله للكون. بيد أن الخيّام يقدّم في أطروحاته الفلسفية رأياً مختلفاً. ويمكننا مقارنة منهجه في التعامل مع الله وقدرته الإبداعية البادية في الفقرة التالية بالطريقة التي يتعامل بها مع نفس الموضوعات في الرباعيات:

لماذا خلق الله شيئاً، كان يعرف أنه سيكون مقترناً، بالضرورة، بعدم الوجود والشر؟ الإجابة هي: خذ السواد كمثالٍ، هناك ألف شيء جيد فيه وشيء واحد فقط شرير. أن تمتنع عن الألف شيء الجيد لأنه مقترنٌ بشيء واحد شرير، فهذا شر كبير في حدّ ذاته لأن نسبة الخير إلى نسبة الشر الموجودة في السواد، مثلما يجد المرء في خلق الله للكون، عرضيةٌ وليست أساسية. من الواضح أيضاً أن الشر كان قليلاً جداً، وفقاً للحكمة الأولى، وأن الشر لا يمكن مقارنته بالخير كمياً أو كيفياً. (An Anthology, 2008:479)

بينما أفكر في يوس بيخستراتن، أول رئيس لجمعية عمر الخيام الهولندية والذي أهدي إليه هذا المقال، أود أن أنهي هذا المقال بابتسامة، تماماً مثل يوس الشغوف بالخيام وفن المحاكاة الساخرة. كتب مارك توين (1835-1910) هذه المحاكاة الساخرة لنفس القصيدة:

كان هناك الباب، الذي كان لدي مفتاحه
ومالك العقار أيضاً، الذي ضاعف الإيجار، بدى لي
كان هناك حديث محتدم بيننا -ثم، آه ثم
كنا كالثياب الممزقة المتناثرة -أنا وهو (Biegstraaten, 2004-05: 24)

المراجع وللمزيد من القراءة:

[1] مختارات من الفلسفة في بلاد الفرس: من زرادشت إلى عمر الخيّام، المجلّد الأول. سيّد حسين نصر ومهدي أمين رضوي بمساعدة م. ر. يوزي، لندن/ نيويورك، آي. بي، تاوريس، ٢٠٠٨.
[2] بيخستراتن، ي. “عمر ذو الابتسامة”، في بيرسيكا: الاجتماع السنوي للجمعية الهولندية – الإيرانية، رقم. ٢٠، ٢٠٠٤-٢٠٠٥، صفحة. ١-٣٧.
[3] مير أفضلي، رباعيات الخيام دار مانوبي إي كوهان، طهران: مركز النصر الدنشغاي، ٢٠٠٣.
[4] نجم الدين راضي، مرشد الأبد، نسخة، م. أ. رياحي، طهران، ١٩٩٢.
[5] نصر بخارى، ديوان، نسخة. م. ديرخشان، طهران، أفق، ١٩٧٤.

ملاحظة

الآراء الواردة في هذا المقال تعبّر عن آراء الكاتب (الكتّاب)، وليس المقصود منها التعبير عن آراء أو وجهات نظر فَنَك أو مجلس تحريرها.

* تم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع https://leidenmedievalistsblog.nl/ في 31 أغسطس 2018.