من المفترض أن يسعى بن غفير، وزير الأمن القومي في حكومة نتنياهو، إلى الدفع باتجاه تبني الكنيست قانونًا خاصًا بعقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين.
علي نور الدين
في أوّل اجتماعٍ له بعد تشكيل الحكومة الأكثر يمينيّة في تاريخ إسرائيل، قرّر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون السياسيّة والأمنيّة فرض رزمة من العقوبات القاسية على السلطة الفلسطينيّة.
وجاءت هذه العقوبات كرد مباشر من جانب الحكومة الإسرائيليّة الجديدة، في وجه تبني الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة قرارًا يطالب محكمة العدل الدوليّة بالنظر في مسألة الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان، في مناطق القدس الشرقيّة والضفّة الغربيّة.
ولتبرير هذه العقوبات، أكّد وزير الخارجيّة الإسرائيلي إيلي كوهين أنّ الحكومة الإسرائيليّة أرادت إفهام الجميع “أنّ أي محاولة للإضرار بإسرائيل على الساحة الدوليّة لن تمرَّ بلا ثمن”.
بصورةٍ أوضح، اعتبرت حكومة نتنياهو في بيان رسمي أنّ لجوء السلطة الفلسطينيّة إلى الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدوليّة هو بمثابة “حرب سياسيّة وقانونيّة على دولة إسرائيل”.
وعلى هذا الأساس، قررت الحكومة ألّا تقف “مكتوفة اليدين في مواجهة هذه الحرب”، وأن ترد “حسب الضرورة”، بحسب البيان نفسه. مع الإشارة إلى أنّ وزير الماليّة الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أشار إلى أنّ هذه العقوبات ليست سوى البداية، مُتوعّدًا “بتكليف كلّ من يعمل ضد إسرائيل ثمنًا باهظًا”.
هكذا، أكّدت التطوّرات الأخيرة خشية كثيرين من تركيبة الحكومة الإسرائيليّة التي شكّلها نتنياهو، والّتي غلبت على مكوناتها أحزاب اليمين المتطرّف. ففي أوّل استحقاق سياسي، ردّت الحكومة الإسرائيليّة على لجوء السلطة الفلسطينيّة إلى القانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة، عبر فرض إجراءات مؤلمة تصل إلى حدود الحصار المالي والميداني عليها، بدل اللّجوء إلى الحجج القانونيّة في محكمة العدل الدوليّة.
وهذه الإجراءات مثّلت نموذجًا عن الطريقة الّتي ستتعامل فيها مكوّنات حكومة نتنياهو في المستقبل مع جميع الملفّات المتعلّقة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
حكومة نتيناهو والتنازلات
في 21 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي، وقبيل دقائق قليلة من انتهاء المهلة الممنوحة له لتشكيل الحكومة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلّف بنيامين نتنياهو نجاحه في الاتفاق مع حلفائه في معسكر اليمين على تشكيلة جديدة للحكومة.
مع الإشارة إلى أن نتيناهو كان قد حصل من الرئيس الإسرائيلي على مهلة 28 يومًا لتشكيل الحكومة، دون أن ينجح في هذه المهمّة في البداية. وإثر تمديد المهلة عشرة أيّام إضافيّة، ولدت الحكومة اليمينيّة الجديدة في اللّحظات الأخيرة، بعد تجاذبات قاسية بين قيادات معسكر اليمين على المناصب الوزاريّة.
أمام الصّعوبات والتأخّر في تشكيل الحكومة، والتنافس الشديد على المناصب، احتاج نتنياهو إلى تقديم تنازلات كبيرةٍ لمصلحة حلفائه، الذين ينتمون إلى أحزاب أقصى اليمين المتطرّف. وهذا تحديدًا ما انعكس في تركيبة الحكومة الجديدة وبرنامجها السياسي.
فزعيم حزب “القوّة اليهوديّة” اليميني المتطرّف، إيتمار بن غفير، بات وزير الأمن القومي في حكومة نتنياهو. وعبر هذا المنصب، من المفترض أن يسعى بن غفير –بحسب وعوده- إلى الدفع باتجاه تبني الكنيست قانونًا خاصًا بعقوبة الإعدام، لتطبيقه على الأسرى الفلسطينيين المتهمين بقتل أو محاولة قتل إسرائيليين.
وكان بن غفير قد ساهم في تأجيج غضب الفلسطينيين بمجرّد تعيينه في منصبه الوزاري، عندما قام باقتحام ساحة المسجد الأقصى في القدس، على رأس قوّة أمنيّة كبيرة من الشرطة الإسرائيليّة وحرس الحدود.
أمّا ارييه درعي، زعيم حزب شاس الديني المتشدد، فحصل على منصب وزير الداخليّة في الحكومة الإسرائيليّة. ويسعى درعي من خلال هذا المنصب بالتحديد إلى العمل على تطوير العمل الإداري من خلال البلديات في مستوطنات الضفّة الغربيّة، تمهيدًا لدمجها وضمها إلى إسرائيل بشكلٍ دائمٍ في وقتٍ لاحقٍ.
وكان درعي، الذي يمثّل حزبه اليهود الشرقيين المتديّنين، قد بدأ هذه المهمّة من خلال ولاية حكومة نتنياهو السابقة عام 2020، حين سعى إلى دفع مسؤولي وزارة الداخليّة بهذا الاتجاه، وأعلن عن هذا التوجّه بشكل صريح في تصريحاته الإعلاميّة.
في المقابل، تم إسناد وزارة الماليّة في الحكومة الإسرائيليّة إلى بتسلال سموتريتش، زعيم حركة “الصّهيونيّة الدينيّة”، المعروفة بتبنّي سياسات قاسية ومناهضة للفلسطينيين، مقابل التشجيع على الاستيطان واسع النطاق في أراضي الضفّة الغربيّة.
ومن خلال هذا المنصب، يعد سموتريتش بتوجيه موازنات إضافيّة وضخمة لدعم المشروع الاستيطاني في الضفّة الغربيّة، كما يعد بالدفع باتجاه تشريع وترخيص المستوطنات “العشوائيّة وغير القانونيّة”، الّتي شيّدها مستوطنون إسرائيليون دون إذن الحكومة والجيش الإسرائيليين. وتمامًا كدرعي، يتبنّى سموتريتش سياسة قضم أجزاء من الضفة الغربيّة، وضمها بشكلٍ دائم إلى إسرائيل، بعد تعزيزها بمستوطنات إضافيّة.
هكذا، تمكن حلفاء نتنياهو، من أحزاب اليمين المتطرّف، من فرض شروطهم والحصول على المناصب الأساسيّة في الحكومة الإسرائيليّة. مع الإشارة إلى أنّ وزراء الداخليّة والماليّة والأمن القومي، المنتمين إلى أحزاب أقصى اليمين، سينضمّون بحسب القانون الإسرائيلي إلى المجلس الوزاري المصغّر للشؤون السياسيّة والأمنيّة. وهذا المجلس الذي ينبثق من الحكومة الموسّعة، يضم في العادة عددًا من كبار الوزراء المكلّفين بمناصب حسّاسة، لاتخاذ القرارات العاجلة المتعلّقة بالموقف العسكري والقضايا الأمنيّة والدبلوماسيّة الطارئة.
برنامج حكومة نتنياهو المتطرّف
لم يقتصر نفوذ اليمين المتطرّف في حكومة نتنياهو على التشكيلة الوزاريّة، بل شمل كذلك برنامج العمل الذي توافقت عليه مكونات الحكومة. فبرنامج عمل الحكومة شمل على سبيل المثال السّماح لجهاز الأمن العام “الشباك” بمراقبة المواطنين العرب داخل إسرائيل، وتتبع نشاطهم على شبكات التواصل الاجتماعي، بذريعة مكافحة الجريمة والعنف. كما شمل تشديد الرقابة على مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسيّة العربيّة في الداخل الإسرائيلي، وفرض رسوم وضرائب إضافيّة على مصادر تمويلها، بهدف تقليص نطاق نشاطها بشكل تدريجي.
وفوق كل ذلك، توافقت مكونات الحكومة على السّعي لتمرير تشريع يسمح بفصل المعلمين والأكاديميين العرب في المدارس والجامعات الإسرائيليّة، في حال إبدائهم آراء أو مواقف مناهضة لإسرائيل، أو في حال دعمهم مواقف “إرهابيّة”. ومن ضمن برنامجها أيضًا، ستسعى حكومة نتنياهو إلى متابعة العمل على سحب الجنسيّة الإسرائيليّة من كل فلسطيني يُدان بالعمل “ضد أمن إسرائيل”.
كما وعدت مكونات الحكومة بحظر رفع العلم الفلسطيني في أي مؤسسة حكوميّة إسرائيليّة، بما فيها الجامعات والمدارس العامّة. مع الإشارة إلى أنّ بن غفير طبّق هذا البند من برنامج عمل الحكومة في 9 يناير/كانون الثاني، عبر إصدار أوامر للشرطة تقضي بمنع رفع أي علم فلسطيني في المجال العام.
وتوافقت مكونات حكومة نتنياهو أيضًا على التراجع عن توصيات “لجنة أور” الإسرائيليّة، التي حثّت بعد انتفاضة العام 2000 الفلسطينيّة على عدم التسرّع في استهداف الفلسطينيين أمنيًّا داخل الضفّة، وطالبت بتقليص الفوارق الاجتماعيّة بين العرب واليهود داخل إسرائيل. وترى أحزاب اليمين المتطرّف أن هذه التوصيات أعطت الفلسطينيين هامشًا أوسع للتحرك، في حين أن هذه الأحزاب تؤمن بضرورة إعطاء قوّات الأمن الإسرائيلي حق استخدام القوّة بشكل أكبر في الضفّة.
في ما يخص الضفّة الغربيّة، وعد برنامج عمل الحكومة بتوسيع المستوطنات هناك، كما وعد بمنح قوّات الأمن هامش تحرّك أكبر في إطار استعمال القوّة. وبالفعل، وبعد أقل من أسبوعين من تشكيلها، سارعت الحكومة إلى إلغاء قرارات حكوميّة سابقة قضت بإخلاء عدّة مستوطنات غير مرخّصة في الضفّة الغربيّة، كما قررت ترخيص منشآت دينيّة تمَّ تشييدها ضمن هذه المستوطنات.
قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة
في المقلب الآخر، كانت السلطة الفلسطينيّة تتجه نحو الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، لإصدار قرار يقضي بإحالة ملف احتلال واستيطان إسرائيل لمناطق الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة إلى محكمة العدل الدوليّة، للبت في القضيّة وفقًا لأحكام القانون الدولي. وبالفعل، أصدرت الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة في 30 ديسمبر/كانون الأوّل الماضي قرارًا يطلب من محكمة العدل الدوليّة إصدار فتوى في مسألتين:
– البحث في انتهاك إسرائيل المستمر حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، عبر احتلالها الطويل الأمد تلك الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة منذ العام 1967 واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير التي تستهدف تغيير تكوين مدينة القدس الديمغرافي.
– تأثير الإجراءات الإسرائيليّة على وضع الاحتلال القانوني، ونوعيّة الآثار القانونيّة المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة.
وكجزء من القرار نفسه، أعربت الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء “إمعان إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، في انتهاك “حقوق الإنسان”تجاه الشعب الفلسطيني بشكل ممنهج”.
كما شجبت “الممارسة المتمثلة في احتجاز جثامين من قتلوا”، في إشارة إلى احتجاز السلطات الإسرائيلية مجموعة من جثامين الأسرى الفلسطينيين واستخدامها كورقة ضغط. وأكّد القرار في الوقت نفسه على ضرورة “منع جميع أعمال العنف والمضايقة والاستفزاز والتحريض، التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون المتطرفون، وخصوصا ضد المدنيين الفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال.”
أهميّة هذه الخطوة، التي تمكنت السلطة الفلسطينيّة من القيام بها بعد حملة ضغط واسعة داخل الأمم المتحدة، تتمثّل في تمهيدها لاستصدار فتوى صادرة عن أهم هيئة قضائيّة دوليّة، أي محكمة العدل الدوليّة.
وهذه الفتوى، ستسمح لاحقًا بتحديد واجبات الدول والأمم المتحدة القانونيّة، لتجميد نشاط إسرائيل الاستيطاني في منطقة الضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة. مع الإشارة إلى أنّ التصويت في الهيئة العامّة للأمم المتحدة عكس تأييدًا دوليًا وازنًا للقرار، بعدما حظي القرار بأصوات 87 دولة، مقابل امتناع 53 دولة، ومعارضة 26 دولة.
رزمة العقوبات على السلطة الفلسطينيّة
ما إن صدر قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، حتّى اختارت حكومة نتنياهو الرد على هذه الخطوة بإجراءات عقابية قاسية ضد السلطة الفلسطينيّة، ومنها على سبيل المثال:
– اقتطاع نحو 139 مليون شيكل، من أموال الضرائب والجمارك التي تجبيها إسرائيل بالنيابة عن السلطة الفلسطينيّة، في منطقة الضفّة الغربيّة، وتحويلها إلى الأسر الإسرائيليّة المتضرّرة من عمليّات الفلسطينيين الأمنيّة. مع الإشارة إلى أنّ هذه الأموال يُفترض أن تكون مستحقة لمصلحة السلطة الفلسطينيّة وفقًا للقانون، ما يعني أنّ إسرائيل قررت فرض ما يشبه الحصار المالي على السلطة الفلسطينيّة بهذا الإجراء.
– تجميد جميع مخططات البناء الفلسطينيّة في “المنطقة ج”، التي تمثّل أكثر من 60% من مناطق الضفّة الغربيّة. وبذلك، تكون إسرائيل قد فرضت حصارًا عمرانيًا خانقًا على سائر مناطق الضفّة الغربيّة، المكتظّة بالسكان، ما يمنع توسّعها أو تمددها.
– إلغاء امتيازات الشخصيّات القياديّة في السلطة الفلسطينيّة، ومنها تصاريح العبور التي تسمح لهم بالتنقّل بين مناطق الضفّة الغربيّة. وهذا القرار، سيكون كفيلًا بشل قدرة هذه الشخصيّات على ممارسة مهامها الإداريّة الروتينيّة، بمجرّد الحد من قدرتها على التجوّل بحريّة.
– التضييق على نشاط منظمات المجتمع المدني الفلسطينيّة التي تنشط في مناطق الضفّة الغربيّة، والتي تدعم نشاطات معادية لإسرائيل.
في خلاصة الأمر، أثبتت ردّة الفعل الإسرائيليّة ما أرادت السلطة الفلسطينيّة قوله للعالم، من خلال هذه الإجراءات العقابيّة. فالحصار المالي وتقييد حركة المسؤولين، والتضييق على التوسّع العمراني، وقمع نشاط المجتمع المدني، كلها ممارسات تدل على دور إسرائيل كقوّة إحتلال استيطاني في مناطق الضفّة الغربيّة.
وبينما تسعى السلطة الفلسطينيّة إلى استحضار القانون الدولي لمواجهة هذه الممارسات، أثبتت حكومة نتنياهو الجديدة أنّ مكوّناتها المتطرّفة ستدفع بها في جميع المحطّات باتجاه خيار العنف والقوّة، في مواجهة الفلسطينيين. لكل هذه الأسباب، بات من الواضح أن حكومة نتينياهو ستمثّل خلال المرحلة المقبلة إحدى العقبات الكبرى، التي ستعيق التوصّل إلى أي حلول سلميّة للنزاع القائم.