وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

معرض بيروت للكتاب وصدام الثقافات

معرض بيروت للكتاب
ملصق قاسم سليماني في دار المودة للنشر، معرض بيروت للكتاب. Dana Hourany / Fanack

دانا حوراني

“بيروت لا تنكسر” لافتة تستقبل عشاق الكتب من زوار معرض بيروت الدولي الثالث والستين للكتاب بقاعة سي سايد في العاصمة اللبنانية.

بعد انقطاع دام ثلاث سنوات نتيجة جائحة كورونا، أعلن النادي الثقافي العربي عودة معرض الكتاب في دورة خاصة لمدة عشرة أيام بدأت في 3 مارس وانتهت يوم أمس، على أن تُعقد الدورة التالية في الموعد الدائم، وهو الأسبوع الأول من شهر ديسمبر.

ويأتي المعرض في خضم أزمة اقتصادية طاحنة تعصف بلبنان، إذ فقدت الليرة 90% من قيمتها وأصبحت معدلات التضخم من بين الأعلى في العالم. وقد تحدث مدير المعرض عدنان حمود لفنك عن الصعوبات التي كان عليهم  تجاوزها حتى يعود المعرض بنجاح.

كان الدمار الذي لحق بالمنطقة التي يُقام فيها المعرض عادةً إثر انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 من أكبر العوائق التي واجهت المنظمين. وهو ما أجبرهم على تقليص مساحة استيعاب دور النشر بأكثر من النصف. فتقلصت المساحة من 10 آلاف متر مربع إلى 4 آلاف فقط، وتقلصت دور النشر المشاركة من 200 دار إلى 90 فقط.

وقال حمود لفنك: “حتى أضمن مشاركة جميع دور النشر، سكّنت غالبية دور النشر في مساحات أصغر من المعتاد، فأعطينا الجميع نصف المساحة التي طلبوها تقريبًا”.

وذكر حمود أيضًا أن العديد من دور النشر قد ألغت مشاركتها مفضلةً التركيز على حضور المعارض الدولية الأخرى للاستفادة من العملة الأجنبية. لذلك أعرب الزوار عن عدم رضاهم  لنعدام التنوع في الكتب المعروضة، مشيرين إلى المنتجات الإيرانية بالتحديد التي اعتبرها البعض متعجرفة ومقحمة، وهو ما أدى إلى جدل على منصات التواصل الاجتماعي تلاه اشتباك بين مؤيدي إيران والمناوئين لها.

أما حمود فيرى أن عدم التنوع ناتج عن تفضيل بعض الناشرين المشاركة في الموعد المعتاد للمعرض، فأجّلوا  بذلك مشاركتهم إلى شهر ديسمبر.

وأكّد قائلًا: “هدفنا هذا الشهر أن نعيد إحياء الحياة الثقافية في بيروت، وأن نظهر قدرة المدينة على استيعاب الجميع. لماذا تموت الحياة الثقافية في هذه المدينة؟ إنها مدينة لا تموت أبدًا، فلماذا تنقطع فيها الثقافة؟”.

تاريخ موجز

بدأ معرض بيروت الدولي للكتاب عام 1956 بمشاركة عشر دور نشر فقط. وأوضح حمود أن التوسع جاء بعد ذلك تدريجيًا بمشاركة دور نشر إقليمية مع مرور الوقت. وانتقل المعرض إلى قصر اليونسكو عام 1970، ثم انتقل إلى وزارة السياحة لمدة عشر سنوات.

وبعد ذلك، انتقل إلى وسط العاصمة حيث زاد عدد المشاركين إلى 90 دار نشر.

وقال حمود: “ثم اضطررنا إلى ترك هذا المكان بسبب خطط إعادة بناء العاصمة التي تلت انتهاء الحرب الأهلية في بداية التسعينيات”.

واستقر المعرض منذ عام 2003 في مقره الذي حطمه انفجار المرفأ على شاطىء بيروت واستمر حتى بداية الجائحة.

ويُقام المعرض دائمًا بالتعاون بين النادي الثقافي العربي واتحاد الناشرين اللبنانين، إلا أن الاتحاد امتنع عن المشاركة هذا العام حسبما قال حمود.

لكن النادي الثقافي العربي أصرّ على تنظيم هذه الدورة المبكرة، ونقل المعرض إلى مقر جديد أُقيم في خمسة عشر يومًا فقط كما أوضح مدير المعرض.

وأردف قائلًا: “كان هذا تحديًا لبيروت وأبنائها. لقد نجا معرض الكتاب من الحروب والاعتداءات ولم يُغلق قط. لماذا ندع الوضع الحالي يجبرنا على التنازل عن إرثنا الثقافي؟”.

إرواء عطشى الكتب

قال علي حمود -الذي يعمل في دار النشر المشهورة “زمكان”- لفنك بأن مبيعاتهم فاقت توقعاتهم. فعادةً ما تُباع الكتب بخصومات في أثناء المعرض، لذلك قال حمود بأنهم حرصوا على ألّا يكون السعر عقبة أمام المشترين.

وقال حمود: “نعرض 4 كتب مقابل 100 ألف ليرة (نحو 4 دولار بسعر الصّرف في السوق السوداء) وهدفنا  بذلك تشجيع الناس على العودة إلى القراءة دون أن يكون السعر عائقًا”.

كما وفرت العديد من المكتبات ودور النشر كتبًا مستعملة وأخرى جديدة بأسعار معقولة. واجتذب الافتتاح المقام في عطلة نهاية الأسبوع حشودًا أكثر من المتوقع، وكانت المبيعات مجزية إلى حد كبير رغم الأزمة الاقتصادية.

وقالت دار بنان، -وهي تنشر كتبًا للأطفال،- لفنك إن القراء كانوا “متعطشين للكتب”. وكان الأطفال في عمر الخمس سنوات يشترون ثلاثة كتب في المرة الواحدة. ورغم أن المبيعات كانت أقل من المعتاد، فإن “رؤية حماس الأطفال في المعرض كانت مدعاة للسرور”.

لكن معرض الكتاب لم يمرّ من دون إثارة للجدل.

صدام الثقافات

معرض بيروت للكتاب
العلم الإيراني معلق وسط منصة كتب إيرانية. Dana Hourany/Fanack

انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الاثنين 7 مارس مقاطع فيديو لشاب يُدعى شفيق بدر وهو يدخل معرض الكتاب ويتجه إلى جناح دار المودة للنشر، حيث بدأ يضرب ملصقًا كبيرًا للقائد الإيراني الراحل قاسم سليماني وهو يهتف: “بيروت حرة حرة! إيران برا برا!”.

وأدى ذلك إلى شجار بينه وبين العاملين في الدار، وفق شهود عيان تحدثوا إلى فنك بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. وانضم إليه حشد من النشطاء تظاهروا خارج معرض الكتاب مطالبين “بتحرير بيروت من الغزو الإيراني”.

وأُغلق المعرض لمدة ساعة حتى يعود الهدوء. وأثار الشجار ردود فعل متباينة. فعلى سبيل المثال، انضم النائب السابق ميشال معوض والمغنية اللبنانية إليسا إلى بدر والمعسكر المناوئ لإيران.

وأوضح معوض أن “عرض صورة استفزازية عملاقة لقاسم سليماني يؤكد أن بيروت ليست بخير وأن ثمة من يحاول فرض ثقافة لا تشبه لبنان”.

وغردت إليسا: “روحو علقو صورتو ب ايران او ببيتكم، ثقافتكن دمرت حضارة بيروت وتاريخا!”.

وقال حسن فنيش، المستشار الفني لدار المودة، لفنك بأنه يعتقد أن هذا الشجار مدبر وأن بدر أخذ أجرًا على ذلك.

وأشار فنيش فيما يتعلق بصورة سليماني إلى أن المقصود منها الترويج للمنتجات المرتبطة به لأنه “الشخصية الأهم والأجدر بالمناقشة في هذا الوقت نظرًا لمكانته وحادثة اغتياله“.

وقال: “إننا دائما نبيع منتجات مرتبطة بالمحور السياسي الإيراني، وهذا العام ليس استثناءً. والأهم من ذلك أنه لا أحد يملك سلطة تصادر على حقنا في التعبير عن رأينا بحرية”.

وأضاف أن الاتهامات المتكررة بأنهم “إيرانيون” وليسوا ” لبنانيين” بسبب عملهم وآرائهم الشخصية تُشعرهم بالغربة والحرمان من الحقوق.

وأردف قائلًا: ” كثيرون في هذا البلد يتحدثون الإنجليزية أو الفرنسية ومعجبون بالثقافتين الأمريكية والفرنسية، والجميع يعتبرهم لبنانيين، ولا أحد يتحدث عن غزو أمريكي أو فرنسي”.

أما على صعيد زوار المعرض، فقال جاد (اسم مستعار)، 28 عامًا، لفنك إنه رغم معارضته للأيديولوجيات الموالية لإيران، فإنه يلقي باللّوم في عدم التنوع هذا العام على دور النشر التي لم تشارك.

وأضاف أنه: “كان يمكن تجنب كل هذا لو كان هناك المزيد من التنوع”.