يوسف شرقاوي
اتُّهِم صنّاع فيلم “أميرة”، الذي تم عرضه قبل أيام ضمن مهرجان “كرامة لأفلام حقوق الإنسان” في العاصمة الأردنية عمّان، بالإساءة للأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعاداة حقوق أطفال النطف، وبدعم الرواية الإسرائيلية بشأن تهريب النطف.
اعتبرت فصائل وهيئات ومؤسسات فلسطينية معنيّة بشؤون الأسرى أنّ الفيلم يشكّك في نسب أبناء الأسرى الذين تم إنجابهم عبر النطف المهربة. ووصفه الفلسطينيون على أنه “الخيال الهادف لتحقيق مكاسب فنية على حساب تضحيات الأسرى”.
صُوِّر الفيلم بشكل كامل في الأردن عام ٢٠١٩، كتابة وإخراج المخرج المصري محمد دياب، ومن إنتاج مصري أردني فلسطيني مشترك.
وبحسب الباحث الفلسطيني عز الدين التميمي، فإن الفيلم يعتمد “على قصة فتاة فلسطينية أنجبتها أمّها بعد حملها من نطفة محرّرة، ثمّ تكتشف عندما يسعى والداها إلى إنجاب طفل آخر، أن أباها الأسير ليس أباها البيولوجي فعلاً. تدخل أميرة في أزمة وجودية، من المفترض حسب القائمين على العمل أن تفتح أسئلة كبرى عن الهوية والأبوة والاغتراب”.
تنشأ أميرة معتقدة أنها جاءت إلى الدنيا نتيجة عملية تلقيح صناعي من نطفة مهربة لوالدها في سجن مجدو. تُفاجأ في فترة لاحقة أنّ النطفة تعود لضابط إسرائيلي، قال الفيلم إنه هو المسؤول عن التهريب من داخل السجن، وهو الذي قام باستبدال العينة قبل أن يتم تسليمها للعائلة.
جاء الفيلم مخالفاً لما يحدث في الواقع، لا بهذه الجزئية فحسب، بل بجزئيات ثانية، مثلاً: “في أحد المشاهد يقترح أن الأسرى يسجّلون أطفالهم على أسماء آباء آخرين، وهذا لم يحدث قطّ في تجربة النطف المهربة التي أصبح عمرها 10 سنوات الآن في فلسطين”.
على الرغم من أنّ صنّاع الفيلم صرّحوا بأنه خيالي وليس مبنياً على قصة واقعية، إلا أنّ النقاد كان لهم رأي مختلف.
قال الناقد السينمائي ناجح حسن الذي شاهد الفيلم في مهرجان قرطاج إنّ الفيلم “لا يليق بالأسرى ولا بالشعب الفلسطيني أو الأردني أو المصري، ولا يعبر عن الهوية العربية وقضايانا الوطنية”. وأضاف إنّه “لا يجوز إدخال الخيال في إخراج حبكة الفيلم على حساب الأسرى وقضيتهم الوطنية العادلة في معركتهم مع العدو الصهيوني”.
فيما قال إبراهيم مسلم، مخرج فيلم “نطفة”، وفيلم “تهريب الحياة” للجزيرة الفضائية، إنّ “الازدواجية في التعاطي مع قضايا الأسرى هي مساعدة لتقديم رواية الاحتلال، وتشويه متعمد لأروع قصص البطولة التي سجلها تاريخهم النضالي والتي لن تتكرر في مكان آخر”.
وفي الوقت الذي يرى فيه التميمي أن “عدم اعتماد الفيلم على الحقائق أمر مفهوم، نظراً لأنّ الفاعلين الإبداعيين ليسوا مؤرخين، وليس شرطاً عليهم أن يلتزموا بالواقع حرفياً”، فإنّ أي عمل سينمائي، خاصة في الواقع الفلسطيني المركب، ينطوي بحسب ما يراه على “افتراضات بالتمثيل”، وبغض النظر عن “أيّ تقييم حقائقي (factual) للفيلم، فإنه يقوم على هذا الادعاء بالتمثيل لتجربة النطف المحررة والفاعلين فيها”. ويلخص التميمي ذلك بقوله: “ليس على العمل الفني أن يلتزم بالواقع حرفيًا، لكن عليه أن يحترم تطلعات ومعاناة من يدعي تمثيلهم”.
كثرت البيانات الصادرة عن هيئات ومؤسسات فلسطينية وعربية، تعبر فيه عن غضبها واستنكارها لعرض الفيلم، وتطلب منع عرضه في دور السينما وسحبه من كافة المنصات. وصفت كتلة الصحفي الفلسطيني الفيلم في بيانها بأنه “جريمة وطنية وأخلاقية، تستوجب عقوبات قانونية مشددة والنبذ المجتمعي لكل من شارك فيه”. فيما أكّد نقيب الفنانين حسين الخطيب رفضه لما جاء في الفيلم من تشويه لصورة نضال الأسرى الفلسطينيين وصمودهم. كما أعلنت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام سحب الفيلم من ترشيحاتها لمسابقات الأوسكار.
انتشر عبر فيسبوك في الأردن وفلسطين وغيرهما وسم #اسحبوا_فيلم_أميرة، واتّهم بعض مستخدمي الوسم صنّاع الفيلم “بتعمّد إثارة الجدل على حساب القضايا الإنسانية”.
جاء رد المخرج محمد دياب ببيان نشره عبر فيسبوك باسم أسرة فيلم أميرة يعلن فيه وقف أي عروض للفيلم، يقول فيه: “كان الإجماع دائماً على أنّ الفيلم يصوّر قضية الأسرى بشكل إيجابي وإنساني وينتقد الاحتلال بوضوح. كان من المفهوم تماماً لأسرة الفيلم حساسية قضية تهريب النطف وقدسية أطفال الحرية ولهذا كان القرار التصريح بأن قصة الفيلم خيالية ولا يمكن أن تحدث، فالفيلم ينتهي بجملة تظهر على الشاشة تقول: (منذ 2012 ولد أكثر من 100 طفل بطريقة تهريب النطف. كل الأطفال تم التأكد من نسبهم. طرق التهريب تظل غامضة). لم تترك أسرة الفيلم الأمر للتأويل، بل أكدت بهذه الجملة أن الفيلم خيالي وأن طريقة التهريب الحقيقية غير معروفة، بل إن عمر البطلة في الفيلم 18 عاماً يتنافى منطقياً مع بداية اللجوء لتهريب النطف في 2012”.
اعتبر دياب، أن الحبكة الدرامية الخاصة بالفيلم بتغيير النطف (بين الأسير الفلسطيني والجندي الإسرائيلي) جاءت لتطرح سؤالاً وجودياً فلسفياً “حول جوهر معتقد الإنسان وهل سيختار نفس اختياراته لو ولد كشخص آخر”، مؤكداً أن الفيلم مرة أخرى “ينحاز لفلسطين، فالبطلة أميرة تختار أن تكون فلسطينية وتختار أن تنحاز للقضية العادلة. والفيلم يشجب ويدين ممارسات الاحتلال المشار إليها بشكل صريح في الجريمة التي يتناولها الفيلم”.
على الطرف الآخر، يقول التميمي، الذي يعمل في أطروحة الدكتوراه على موضوع النطف المهربة من وجهة نظر النساء أو زوجات الأسرى، ويعرف معاناتهن ونضالهن، إنّ “هذا النضال ضد الاستعمار وسياسات إدارات السجون، وضد الحرمان، وعلاقات القوة المحلية، لا يمكن فهمه من دون فهم تطلعات هؤلاء النساء قبل أي شيء آخر. الافتراض بأن الفيلم لا يجب أن يلتزم بالواقع، افتراضٌ صحيح، لكنه لا يكفي لتبرير هذا السوء الهائل في التمثيل (Representation)، وبالتأكيد فإنه لا يكفي لتبرير عدم احترام تطلعات هؤلاء النساء ونضالهن من أجل الشرعية” فيما يقول مخرج الفيلم محمد دياب عن الشرق الأوسط إنه “بالنسبة له هو منجم ذهب للقصص”.
فيما يدلي التميمي بالقول الأخير، بأنّ هذه: “صيغة لا بد من التشكيك فيها أخلاقياً وفنياً وجمالياً، ببساطة لأن احترام تطلعات ومعاناة أولئك القابعين في هامش الصورة، هو أهم من صياغة قصة مثيرة من “الشرق الأوسط الساحر”، يرجع وائل قنديل الفيلم إلى أبعاد سياسية أكبر، بقوله: “هذا المشروع، أو هذا الفيلم، بمحتواه وتعدّد جهات إنتاجه وميزانيته الضخمة، هو أول تعبير سينمائي مباشر عمّا يسمّى “اتفاق أبراهام” الذي يقوده جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره السابق للأمن القومي، والذي ينشط الآن في المنطقة، بعد أن أنشأ معهد أبراهام لاتفاقات السلام، وهي مجموعة غير ربحية تسعى إلى توسيع العلاقات التجارية والثقافية بين إسرائيل والعرب”.