يُشتق أصل كلمة الصوفية من الجذر صُّوف، الذي يدل على كلٍ من الملابس الصوفية التي يرتديها الزاهدون أو الدراويش المسلمون الصوفيون الذين يرفضون ارتداء الملابس الملونة والمتكلفة، ومفهوم الصفو أي النقاء والوضوح.
إن مفهوم التصوف معقدٌ ومتعدد الجوانب على حد سواء، إذ يُعزى تعقيدها إلى تاريخها الطويل واستيعابها من قِبل مختلف الثقافات في آسيا وإفريقيا؛ بينما يكمن تعدد جوانبها في التفسيرات المختلفة لعقائدها ومذاهبها. يدمج مفهوم التصوف بمفهومة الأوسع، والذي يُصنف في إطار “الفكر الصوفي الإسلامي” (المغاير للإسلام الشرعي)، التنقية الذاتية الفردية، والتوفيق بين الجسد والروح بالروحانية، والقيم الشاملة التي يلتزم بها جميع البشر.
ومن حيث المبدأ، قد يكون الإسلام الصوفي قويم الرأي أو شعبياً. يرتبط النوع الأول بالبعد “الرسمي” للإسلام ويستند إلى المصادر الأساسية للدين الإسلامي: القرآن والسُنة. كما يستند النوع الثاني أيضاً إلى القرآن والسنة إلا أنه يتضمن معتقداتٍ وممارساتٍ إضافية يعتبرها علماء الدين الإسلامي السُنة غير إسلامية، مثل تقديس الأولياء والرقص الصوفي وما إلى ذلك. ومع ذلك، وكما قال ابن خلدون، عالم الاجتماع في العصور الوسطى، إن ما يجعل التصوف جذاباً هو العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة.
وكما يعيش الناس في أماكن جغرافية مختلفة، فقد فُهمت الصوفية ومورست بشكلٍ مختلف عبر الزمان والمكان، ومن بين أكثر المتصوفين شهرةً عبد القادر الجيلاني (القرن الثاني عشر)، وجلال الرومي (القرن الثالث عشر)، وبهاء الدين النقشبند (القرن الرابع عشر)، وابن العربي، ورابعة العدوية.
وعليه، تزدهر الصوفية في أجزاء كثيرة من العالم؛ أهمها في تركيا والهند وباكستان، ولكن أيضاً في المغرب والجزائر وتونس ومصر. ففي المغرب، على سبيل المثال، الصوفي هو ولي الله. وتشمل المصطلحات الأخرى على الناسك، والعبد، والمجدوب (أي المنتشي، الذي تتأثر قدراته العقلية بانجذابه الشديد وشعوره بالحميمية تجاه الله). وفي المغرب، الصوفية تقليدٌ روحاني قديم لا يزال يجذب الشباب، ويعود السبب الرئيسي لهذا الافتتان لأن التقدم والتغيير جزءٌ لا يتجزأ من الروحانية الصوفية المغربية.
وبالتالي، فإن المهرجانات مثل مهرجان الموسيقى الروحية العالمية في فاس، وما يصاحبه من لقاءتٍ فكرية وثقافية، والأناشيد والرقصات، تشكل وسيلةً اجتماعيةً قوية حيث تنصهر العلمانية والروحانية في لحظاتٍ ساحرة يترفع من خلالها الأفراد عن المخاوف المادية، ويتآلف الجسد والروح، لتجمع بين الأفراد المحلين والعالمين معاً.
وعلى هذا النحو، يمكن أن يعتبر التصوف مصدر إلهامٍ للشباب الباحثين عن حوارٍ بين الأديان. ومن خلال السماح بفضاءٍ روحاني لا توفره الحداثة المادية، يُساعد المسلمون المتصوفون المجتمعات المغربية على التكيف مع ضغوط الحداثة والأوقات المضطربة التي يشهدها عصرنا اليوم. كما تكمن جاذبية الصوفية أيضاً بحقيقة أنها لا تحظر وسائل الترفيه الحديثة، أو عدم ارتداء الحجاب، أو الرقص المختلط، أو الإنشاد. بدلاً من ذلك، لا يحدد الفرق بين الفضيلة والرذيلة بالمظهر، بل بالنية والسلوك.
فالتصوف هو سمة من سمات العناصر المختلفة للموسيقى المغربية، إذ أنه حاضرٌ بقوة في كلمات أغاني الفرق الغنائية الشعبية أمثال فرقة جيل جيلالة وناس الغيوان (من سبعينيات القرن الماضي) فضلاً عن موسيقى الغناوة الصحراوية وحتى في أغاني فرقة الرولينج ستونز. والغناوة ينحدرون من سلالة العبيد الأفارقة الذين استجلبوا إلى المغرب ما بين القرنين الـ12 والـ17. وفي الآونة الأخيرة، قامت فرقة فناير لموسيقى الهيب هوب بالمزج بين الموروث الثقافي الصوفي والراب الأمريكي، وباتت تحظى بشعبية كبيرة بين الشباب.
يتجاوز التصوف طوائف ومزاراتٍ محددة، ويشتمل على أنماط موسيقية تُعرّف بكونها حديثة. ومن الأمثلة على ذلك موسيقى الراي، وهي نسخة من الهيب هوب التي تعتمد على الشعر الصوفي من خلال التركيز على الجسد، والتعبيرات البسيطة، والتضرع بالشفاء من خلال قدرات الشيوخ والشيخات. وينظر إلى الشيوخ في هذا الشعر كسادة روحانيين قادرين على توحيد الأفراد مع الله.
وخارج المغرب، يمكن إيجاد الصوفية في جميع أنحاء شمال أفريقيا وبعض أجزاء من غرب أفريقيا، مثل السنغال.
فالموسيقيى الشعبية في العديد من هذه البلدان مزيجٌ من الكلمات الدينية المتجذرة بعمق في التقاليد الشفوية في أفريقيا جنوب الصحراء، وغالباً ما تُماثل ألحانهم موسيقى البلوز والجاز الأمريكية. تكمن شعبية الموسيقى الصوفية بالرقصات المختلفة التي تلهمها، وتماماً كحال موسيقى ورقصات الغناوة المغربية، يرافق هذه الأنواع من الموسيقى غناء الشعر المُقفّى بصوتٍ مرتفع، وتكرار العبارات الإسلامية مثل “لا إله إلا الله ومحمد رسول الله،” مما يستعطف الجماهير.
ومن بين البلدان الأخرى التي تنتشر فيها الصوفية والممارسات الصوفية، وتتجذر فيها بعمق، هي مصر، أكثر البلدان اكتظاظاً بالسكان في العالم العربي. ووفقاً لمشروع الأدب الديني في كلية اللاهوت بجامعة هارفارد، يُشارك 15% من المصريين بالممارسات الصوفية والعديد منهم أتباعٌ للطرق الصوفية (جمع طريقة). تتعدد هذه الطرق في مصر ويجتمع أتباعها في حلقات الذكر التي ينشدون خلالها أسماء الله الحسنى بشكلٍ جماعي ومتكرر.
وبصرف النظر عن حلقات الذكر التي تعدّ جزءاً من الطرق الصوفية الرسمية، يزور العديد من المسلمين في مصر مزارات الأولياء الصالحين، والتي يمكن وصفها على نطاقٍ واسع بأنها ممارسة صوفية تشكل جزءاً من ثقافة شريحة كبيرة من المصريين.
كما تسود الإبتهالات والتواشيح الإسلامية أيضاً في الثقافة الدينية والشعبية للمصريين. وتتضمن هذه الابتهالات والتواشيح على تلاوة قصائد شعرية تذكر الله وتمدح النبي محمد، والتي قد تكون، أو لا تكون، مصحوبة بالعزف على الآلات الموسيقية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الاتجاه السائد للصوفية، بما في ذلك الصوفيون في مصر، يعتبرون مسلمين، فهم لا يشكلون طائفةً مختلفة أو ديناً منفصلاً. ومع ذلك، بدأت الصوفية تتعرض للهجوم سيما مع ظهور السلفية. والسلفيون هم المسلمون شديدو التحفظ ممن يسعون إلى استرجاع الإسلام إلى ما كان عليه كما يعتقدون خلال عهد النبي وصحابته والمسلمين الأوائل. فقد نشطوا في مصر خلال ما يسمى بالنهضة الإسلامية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ليزداد نفوذهم وأتباعهم منذ ذلك الحين. ويؤمن السلفيون أن الصوفية “بدعة” تتعارض مع الطرق الإسلامية المبكرة كما يصفونها. ويجادل كلٌ من السفليين والمتصوفين بأنهم يطمحون إلى تنقية الذات، على الرغم من أن كلاً منهم يفعل ذلك على طريقته الخاصة.