دانا حوراني
هلّ شهر رمضان الذي يمثّل لمن شهده من المسلمين شهر التأمل والعبادة والصلاة وتلاوة القرآن. فيه يصومون من الفجر حتى المغرب، ويتناولون وجبتين يوميًا: الإفطار وقت المغرب، والسحور قبل الفجر احتفاءً بالشهر الذي نزّل الله فيه القرآن على رسوله محمد عن طريق جبريل.
ورمضان شهر تقارب العائلات وإفطار أفرادها معًا، وهي عادة تضررت بالإغلاق المستمر نتيجة جائحة كورونا خلال العامين السابقين. وكذلك هو الشهر الذي ينشط فيه العمل الخيري، إذ يصوم المسلمون تضامنًا مع الفقراء ، ويوزعون الطعام عليهم.
ولطالما اعُتبر الشهر الفضيل مناسبة للاحتفال، لكنه يأتي هذا العام في ظلّ أزمات تعصف ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتأثرة بالصراع الروسي الأوكراني. فقد ارتفعت أسعار المواد الأساسية كزيت الطّهي السكر، الخبز، والأرز. كما أضّرت الآثار المدمرة للحرب بميزانيات الناس، لا سيما في مصر وسوريا ولبنان.
وتصدّر روسيا وأوكرانيا ثلث صادرات القمح والشعير عالميًا، وتعتمد عليها دول الشرق الأوسط لإطعام الملايين من شعوبها بالخبز المدعم. كما تعد الدولتين المتحاربتين أكبر مصدّري زيت عباد الشمس في العالم.
ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وقد اعتمدت في السنوات الأخيرة بشكل كبير على إمدادات القمح الروسية والأوكرانية. وهي من أكبر عشر مستوردين لزيت عباد الشمس في العالم. وقد فقدت العملة المحلية 17% من قيمتها في الشهر الماضي وحده
مصر
وقد توقفت صادرات القمح نتيجة الهجوم العسكري الروسي، ما أدى إلى ارتفاع أسعار رغيف الخبز غير المدعوم بنسبة 50%. ونتيجةً لذلك أصدرت الحكومة المصرية قرارًا بتثبيت أسعار الخبز كأحد إجراءات الاستجابة الطارئة.
ويعتقد وسام*، 30 عامًا، وأحد سكان القاهرة، أن هذا القرار قد وضع الأمر تحت السيطرة وقال لفنك: “العيش (الخبز) وجبة أساسية في مصر، فنحن نأكله مع المكرونة ومع اللحوم. وحتى مع السلطة نأكل العيش أيضًا”.
ولا ينطبق الإطمئنان المحدود على أسعار الخبز على أسعار اللحوم. فلم يعد بإمكان محدودي الدخل، بحسب وسام، شراء اللحم. وليس أمامهم من وسيلة للحصول عليه إلا الجمعيات الخيرية أو موائد الرحمن التي تعطيها لهم دون مقابل.
وأردف قائلا: “يفضّل المصريون تناول اللحوم في كل الوجبات، لكن هذا يجب أن يتغير. عن نفسي،فقد قللت استهلاكي من اللحوم، وأصبحت أتناولها مرة واحدة في الأسبوع”.
وبعيدًا عن اللّحوم، يقول هشام علي ، تاجر الفاكهة في القاهرة، 63 عامًا، إنَّ الناس بالكاد يشترون الفواكه: “الناس مرعوبون من الأسعار. لا يملكون أي نقود. وكل ما أجنيه في اليوم لا يتجاوز 6 دولارات”.
وكانت مقاطع لاحتجاج لأناس من عامة الشعب على وقع ارتفاع أسعار الغذاء قد انتشرت على الإنترنت تحت وسم “ثورة الجياع”، ودفعت السلطات لاتخاذ هذه الإجراءات لتهدئة الأوضاع. ومن ثَمّ أضافت الحكومة المزيد من المصريين إلى قوائم التموين ، ورفعت أسعار الفائدة وزادت رواتب الموظفين الحكوميين ومعاشاتهم.
ورغم ذلك كلّه، يرى وسام أن المصريين يستمتعون بالموسم الرمضاني، لا سيما أنه يأتي بعد سنتين من الإغلاق. فعلّقوا الزينة والفوانيس في الشوارع، ونصبوا فيها موائد الطعام، وأعادوا التجمعات العائلية، والأسواق الصاخبة. وأضاف أن المصريين لم يستوعبوا بعد حجم المعاناة التي تصاحب التضخم.
أما الفقراء، فيلاحظ وسام أن العديد من المنظمات غير الحكومية التي تعمل بشكل مستقل أو بالتعاون مع الحكومة توفر لهم احتياجاتهم اليومية. كما ينظم الجيران والمؤسسات الخاصة والمساجد والجمعيات الخيرية والأفراد بشكل عام موائد الرحمن أو الوجبات الخيرية.
وقال هيثم التابعي مؤسس منظمة أبواب الخير غير الحكومية في القاهرة: “ازداد الوضع سوءًا هذا العام بسبب انخفاض التبرعات وزيادة التكاليف، لكن لا يمكننا أن نخذل الأسر في هذا الوقت بالذات”.
سوريا
أسقطت سلسلة من الأزمات التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011 نحو 60% من الشعب السوري إلى حالة انعدام الأمن الغذائي.
وقالت ليندا، 45 عامًا، -وهي أم لطفلين وصاحبة محل، – لفنك إنها أصبحت في حالة خوف دائم من ترقب ارتفاع أسعار السلع الغذائية كل أسبوع، لا سيما أسعار زيت الطهي. وقالت: “إننا نستخدمه في كل ما نطهوه للإفطار، لذا لا يمكننا الاستغناء عنه”.
ولم تعدّل ليندا كثيرًا على أصناف الإفطار الأربعة، لكنها قللت من استهلاك أسرتها للّحوم. فكانت الأسرة “تتناول اللحم ثلاث مرات في الأسبوع، والآن أصبحت تتناوله مرة كل 15 يومًا”. لكنها تقول إن الفقراء مضطرون إلى تقليل عدد الأصناف في وجبة الإفطار، وقد اضطر البعض إلى تناول صنف واحد في الوجبة، والبعض الآخر إستغنى عن الوجبات الرئيسة من الأساس.
وتعيش ليندا معتمدةً على دخلها ودخل زوجها، بالإضافة إلى بطاقة دعم حكومية تسمى “ البطاقة الذكية ” التي تمنح الأسر المسجلة فيها الحق في الدعم الحكومي على السلع والخدمات الأساسية. لكن الحكومة السورية استبعدت في يناير الماضي نحو 600 ألف أسرة سورية من المنظومة قبل أن تعيد بعض الذين استبعدتهم عن طريق الخطأ.
وتقلل البطاقة الذكية تكلفة بعض السلع الأساسية والخدمات مثل السكر والأرز ووقود التدفئة. لكن الأسعار تظل مرتفعة كما كانت دائمًا على الأسر التي لا تملك هذه البطاقة.
وتزيد معاناة الناس في محافظة إدلب شمال غربي سوريا لزيادة الأسعار قبيل شهر رمضان. ويفاقم الوضع ارتفاع معدلات الفقر، وتدهور الظروف المعيشية، وقلة فرص العمل، وتدني الأجور.
ويحتاج 2.7 مليون نازح، من إجمالي سكان إدلب البالغ 4 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية. كما تعجز 94% من الأسر عن تلبية احتياجاتها الأساسية، وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
لكن التغيرات ليست مأساوية عند أسر دمشق كأسرة ليندا، فالأسواق تعج بالناس، والشوارع تملؤها الزينة رغم معاناة السوريون.
وأعلنت الحكومة السورية في الأول من مارس ردًا على مخاوف الشعب حيال إمدادات القمح بأن لدى البلاد “جدول زمني من الإمدادات يستمر حتى نهاية العام”.
لبنان
على عكس مصر وسوريا، لا تتزين شوارع المدن اللبنانية كعادتها هذا العام.
فقد شهدت الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019 إلى اليوم خسارة العملة 90% من قيمتها، كما ضربت البلاد سلسلة من الأزمات أفقرت شعبها. فرمضان هذا العام أصعب من رمضان الذي سبقه، نتيجة معدلات البطالة المرتفعة وتزايد الدفع بالدولار مقابل الاحتياجات الأساسية، مثل رسوم الاشتراك الشهري لمولدات الكهرباء.
ولم تعلن الحكومة بعد عن خطة إنعاش مناسبة مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان، تاركةً اعتماد المحتاجين في لبنان على الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية.
وقالت مديرة منظمة فود بليسد Food Blessed، مايا تيرو، لفنك، إنه نتيجة للتزايد الهائل، وسّعت منظمة الإغاثة الغذائية قائمة المنتفعين لتضم 12 ألف أسرة جديدة. كما ضاعفت صناديق الطعام لتصل إلى 400 صندوق في الأسبوع، وهم يقدّرون استفادة 1600 شخص في الأسبوع من دعمهم.
وهذا أسوأ رمضان تشهده لانا*، أم لثلاثة أطفال، 45 عامًا بحيث قالت لفنك بأنّ المشكلات الجمة لا تقتصر فقطعلى مظاهر الاحتفال، بل بإختفاء الجوّ العائلي المترابط أيضًا.
وقالت: ” قبل الأزمة، اعتدنا على تجمع العائلة الكبيرة وقت الإفطار، لكننا الآن نطعم أطفالنا بالكاد ولا ندرك أن طبق السلطة أصبح رفاهية”.
وتفتقد العديد من الموائد الآن سلطة الفتوش التي كانت دائمة في الإفطار اللبناني. وبحسب لانا، فإن التكلفة العالية للخضراوات، والحلويات الشرقية، التي يتناولونها على الإفطار جعلتها تُباع بكميات قليلة. كما ورد أن باعة الحلوى عدّلوا مكونات حلوياتهم حتى تكون مناسبة من حيث التكلفة.
ورثت لانا حالها قائلةً: “لم يعد الناس يخرجون كما في السابق.فقد تقلصت الولائم لتصبح أطباقًا صغيرة، وأما التوتر الملازم لنا فيتمدد. ولا نصدقحتى اليوم كيف وصلنا إلى هذا الحال”.