في الأسبوع الأول من شهر فبراير لعام 2017، إعترض خفر السواحل الليبي أكثر من 1,131 مهاجراً بالقرب من مدينة صبراتة الغربية. فقد أصبحت ليبيا النقطة الرئيسية لمغادرة المهاجرين الذين يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط من إفريقيا إلى أوروبا، إذ يُشير عدد الإعتراضات المرتفع من قِبل خفر السواحل إلى أنّ “موسم قوارب الموت” لهذا العام، كما يُطلق عليه، قد بدأ بالفعل. كما يُثير التساؤلات حول ما سيحصل لهؤلاء المعتقلين في ليبيا، وهو بلدٌ معروفٌ بانتهاكاته الجسيمة لحقوق الإنسان، في الوقت الذي يفصله عن صفقةٍ مع أوروبا مجرد أشهر.
حددت المنظمة الدولية للهجرة (IOM) واكتشفت مواقع ما يقرب من 277 ألف من المهاجرين في ليبيا، من حوالي 700 ألف إلى مليون مهاجر من المتوقع أن يكونوا داخل البلاد. وبناءً على دراساتٍ شملت 9 آلاف لاجىء سافروا إلى أوروبا عبر البحر، يكشف تقرير المنظمة الدولية للهجرة والذي نشر في شهر اكتوبر 2016، أن 70% من المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط تعرضوا للاستغلال وسوء المعاملة، وأن المهاجرين الذين يسافرون عبر ليبيا أكثر عرضة لسوء المعاملة من سبع إلى عشر مرات من أولئك الذين يصلون أوروبا من تركيا. وعلى الرغم من أن الهجرة إلى ليبيا ليست بالأمر الجديد – فلطالما كانت من الناحية التاريخية وجهةً وبلد عبور على حد سواء- إلا أن وضع المهاجرين انخفض بشكلٍ كبير في خضم الفوضى التي عمت البلاد بعد وفاة الدكتاتور معمر القذافي عام 2011 والحرب الأهلية اللاحقة.
“يتعرض المهاجرون في البلاد لعنفٍ وحشي على أيدي تجار العبيد ومهربيّ المهاجرين مثل الميليشيات والعصابات الإجرامية وغيرها، الذين يستغلون يأسهم وانعدام الأمن في البلاد،” هذا ما قالته كريستن بيتري، مسؤولة الإعلام في بعثة منظمة الهجرة الدولية إلى ليبيا لـFanack. وتُضيف “أثبت المهاجرون من جنوب الصحراء أنهم الأكثر عُرضة على وجه الخصوص. فمن الصعب معالجة مشكلة شبكات التهريب في بلدٍ مثل ليبيا يعاني من نقصٍ في تطبيق القانون.”
وأضاف ناشطٌ في حقوق الإنسان يُقيم في ليبيا، فضل عدم ذكر اسمه “في الوقت الراهن، يُخطط العديد من المهاجرين الذين يأتون إلى ليبيا للتوجه صوب أوروبا؛ فمعظمهم لا ينون البقاء في ليبيا بسبب المخاوف الأمنية والوضع الاقتصادي الصعب.” فالنساء على وجه الخصوص الأكثر عرضةً للخطر في البلاد التي مزقتها الحرب. “تُغتصب الكثير من النساء أو يتم الإتجار بهنّ جنسياً، أو يجبرنّ على ممارسة الدعارة، وذلك بشكلٍ أساسي من قِبل المهربين لكسب المزيد من المال، أو عندما لا تمتلك المرأة المال الكافي للدفع،” يُضيف الناشط. “وفي بعض الحالات، تتم الإساءة لهنّ أيضاً من قِبل المهاجرين، إذا ما سافرت المرأة مع رجال.”
وقالت بيتري أن المنظمة الدولية للهجرة تساعد النساء الحوامل في مراكز الاحتجاز بانتظام “واللواتي لم يترك لهنّ خيارٌ سوى الولادة في ظروفٍ صعبة للغاية.” وشددت على أنه “يجب إيلاء اهتمام عاجل لتطوير بدائل للاحتجاز، أو على أقل تقدير، تحسين الأوضاع في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك توفير مراكز مخصصة للنساء والأطفال وغيرهم من المهاجرين المستضعفين.” وذكر تقريرٌ نشرته الأمم المتحدة في ديسمبر 2016 أنّ الأفراد في مراكز الاحتجاز في ليبيا يعانون من انتشار سوء التغذية، والسخرة، والمرض، والضرب، والاعتداء الجنسي والتعذيب ومصادرة الوثائق والممتلكات، وعدم وجود الرعاية الصحية الأساسية.
وبعد نشر هذا التقرير، قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش في بيانٍ صحفي “أوضحت الأمم المتحدة أن على السُلطات الليبية وضع حدٍ لعمليات التعذيب والعمل القسري والعنف الجنسي الذي عانى منه المهاجرون المحتجزون لسنوات. كما ينبغي على الشركاء في سياسات ليبيا تجاه المهاجرين، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، عدم القبول بأقل من ذلك.”
كما قالت حنان صلاح، الباحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، لـFanack عبر الهاتف “في بلدٍ ممزقٍ جداً بثلاث حكومات، لا يوجد أحدٌ هناك لحماية حقوقهم أو جعل الوضع مقبولاً.” وتُضيف “مما رأيناه في المرافق في مدينة طرابلس الغربية، حيث يُحتجز أكبر عددٍ من المهاجرين، هناك انتهاكاتٌ خطيرة حقاً، من الجوع والضرب المنتظم إلى تقارير عن العنف الجنسي والابتزاز بسبب العمل القسري.” كما أنها تشعر بالقلق من أن عملية الاتحاد الأوروبي لمكافحة التهريب في البحر الأبيض المتوسط، والتي تم تمديدها في يونيو الماضي لتشمل تدريب قوات خفر السواحل الليبية، قد تؤدي إلى المزيد من الانتهاكات. “سمعنا مزاعم عن تلقي خفر السواحل رشاوى لتحرير الأفراد أثناء وجودهم في ليبيا، بالإضافة أيضاً إلى مزاعم عن سوء المعاملة والضرب. أشعر بالقلق حول ما يمكن للإتحاد الأوروبي فعله لضمان مراقبة الوضع على الأرض، بالإضافة إلى عملية اختيار المجندين الجدد لمعرفة ما إذا ارتكبوا انتهاكاتٍ أو انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان أم لا في ليبيا. الأمر مقلقٌ للغاية.”
فقد أظهرت قمة مالطا، التي عُقدت في 3 فبراير الجاري وحضرها قادة أوروبيون، أن التدابير لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط سوف تستمر في التركيز على تدريب ومساعدة قوات خفر السواحل الليبية. وفي مقالٍ نُشر على شبكة الأنباء الإنسانية (أيرين) في 7 فبراير 2017، أوضحت ميليسا فيليبس، الباحثة في شؤون الهجرة وزميلة فخرية في جامعة ملبورن ومركز جامعة نيويورك للتعاون الدولي، أن “تركيز قمة مالطا على “مراكز الاستقبال” فرصة ضائعة لإيجاد بدائل للاحتجاز في السياق الليبي. وقد تم بالفعل بذل جهود أولية مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني والحكومة الليبية، بدعم من المنظمات الدولية، لإيجاد بدائل لاحتجاز المهاجرين. ولكن في خضم حرصه على الحد من الهجرة غير النظامية، كشف الاتحاد الأوروبي عن عدم قدرته على مجاراة الحملات العالمية لجعل احتجاز المهاجرين ممارسة الملاذ الأخير، وكذلك المبادرات المحلية لتعزيز نهج مختلف.”
بالنسبة للمنظمات الإنسانية، والنشطاء، والباحثين، قد حان الوقت لتغييرٍ جذري في السلوك تجاه المهاجرين. وتقولصلاح “منظمة هيومن رايتس ووتش قلقة جداً حول كيفية استغلال هذه الصفقة في السياسة.” وتُضيف “سيُنصح الإتحاد الأوروبي بتأمين قنواتٍ آمنة لتجنب المآسي، إلا أنه يبدو أنه اختار السياسة على حساب الإنسانية.”