يُنظر إلى المغرب، وهو واحدٌ من بلدين فقط على المسار الصحيح للوفاء بالأهداف العالمية لتغير المناخ، باعتباره رائداً في مجال الكفاح من أجل خفض انبعاثات الكربون. ففي عام 2016، استضافت البلاد الدورة 22 لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 22)، وهو مؤتمرٌ دولي متعدد الأطراف حول تغير المناخ، كما حققت تقدماً في مجال الطاقة الشمسية، لا سيما كجزءٍ من مخطط لتزويد 600 مسجد بأنظمة الطاقة الشمسية. اليوم، تُظهر طاقة الرياح القدرة على المساعدة في تلبية الطلب الداخلي في المغرب وكذلك الطلب من جيرانه.
بيد أنه وعلى الرغم من هذه الصورة الإيجابية، إلا أن مستقبل البلاد الأخضر متوقفٌ على بعض العقبات المهمة والمثيرة للجدل.
تم إنشاء أول مزرعة للرياح في المغرب في الكدية البيضاء في ولاية تطوان الشمالية في عام 2000. ومع ذلك، فإن استكشاف إمكانات طاقة الرياح يعود إلى أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات. ففي عام 1986، نشر المركز المغربي لتطوير الطاقات المتجددة (كدير) أطلس الرياح في المغرب، وفي عام 1990، أطلق برنامجاً خاصاً لقياس الرياح.
وفي ورقة بحثية لعام 2016، كتب خالد بن حمو، مدير صحارى ويند، أن الجهود المبذولة لتطوير طاقة الرياح كانت محدودة إلى أن “لفتت الرياح التجارية ذات الأهمية التي تهب من المحيط الأطلسي إلى ساحل الصحراء الكبرى، أنظار رئيس البلاد في المغرب،” وتم إدراك القيمة الاستراتيجية لطاقة الرياح في المستقبل.
يوجد حالياً عشرة مزارع للرياح في المغرب، اثنتان منها قيد الإنشاء. وتذكر بوابة الاستثمار الحكومية على أن القدرة الإنتاجية للرياح ستصل إلى 2000 ميجاواط بحلول عام 2020، في ارتفاع من 280 ميجاواط في عام 2010. كما ينتج المغرب الطاقة الشمسية والطاقة الكهرومائية والطاقة المستمدة من الكتلة الحيوية.
يمكن لمزارع الرياح حالياً إنتاج 2 جيجاواط من الطاقة كل عام، وتأمل المملكة في زيادة هذا الرقم إلى 6,600 جيجاواط، مما يمثل 14% من رصيد الطاقة الوطني بحلول عام 2020.
كما أفادت مجموعة أكسفورد للأعمال أنه من المتوقع أن يأتي 42% من الطاقة في المغرب من مصادر متجددة بحلول عام 2020، لترتفع إلى 52% بحلول عام 2030. وادعت جامعة ستانفورد أن البلاد يمكن أن تعتمد على الطاقة الخضراء وحدها بحلول عام 2050.
إن الإمكانات الضخمة لمزارع الرياح في المغرب – والتي تقدرها وكالة تنمية الاستثمارات المغربية بـ25000 ميجاواط – هي نتيجة لموقعها الجغرافي المحظوظ، ووصلها بالشبكة الإسبانية والساحل الغربي.
وبحسب ما قاله بن حمو لنا في فَنَك، “في الأساس، إذا كنت تريد موارد رياحٍ جيدة، عليك الاقتراب من البحر. في المغرب، يتعرض الجزء الغربي من البلاد لرياح شمال الأطلسي التجارية. تلك الحركات الهوائية الدائرية فوق المحيط الأطلسي تمثل أكبر حركاتٍ لطاقة الرياح في العالم على الأرجح.”
اجتذب هذا الموقع المتميز الكثير من الاستثمارات الخضراء، فعلى سبيل المثال ، تم إنشاء شركة SIE، وهي شركة استثمار في مجال الطاقة، بهدف تمويل التوسع في طاقة الرياح برأس مال قدره مليار درهم (103,4 مليون دولار)، على الرغم من تحويلها اليوم إلى شركة لخدمات الطاقة، لتقليل تكاليف الطاقة وليصبح توفير الطاقة أكثر كفاءة.
يسعى مشروعٌ واحد- مزرعة للرياح في الصحراء بقيمة 2,5 مليار دولار والذي تم الإعلان عنه في يوليو 2018 من قِبل شركة تعدين العملات الرقمية سولونا- لتوفير مصدر طاقة مخصص ومنخفض التكلفة لتقنية سلسلة الكتل (بلوك شين). كما أن هناك عدد من المانحين متعددي الأطراف، بما في ذلك البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، والمانحون الثنائيون بما في ذلك بنك الإئتمان لإعادة التنمية الألماني.
ومع ذلك، بالنظر إلى طموحاته، يحتاج المغرب إلى استثماراتٍ كبيرة، يقدرها تقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA) بنحو 30 مليار دولار، للوصول إلى هدفه باستخدام الطاقة المتجددة لعام 2030 (طاقة الرياح ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى).
ولكن هناك عدد من مشاريع طاقة الرياح قيد الإعداد، مع إمكانية عدم خدمتها للمغرب فحسب، ولكن أيضاً توليد فائض للتصدير إلى أوروبا وأماكن أخرى في إفريقيا. فقد ذكرت وكالة الطاقة الدولية أنه تم وضع خريطة طريق لتجارة الكهرباء المستدامة بين المغرب وألمانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال في 19 ديسمبر 2018. ويمكن للمغرب أيضاً الاستفادة من مجمع الطاقة في غرب إفريقيا.
تقع أكبر مزرعة رياح في البلاد – والقارة – في طرفاية بجنوب غرب المغرب، والتي تولد طاقة تكفي لـ1,5 مليون منزل. ووفقاً لشركة سيمنز الألمانية، المسؤولة عن 131 توربين في الموقع، “من المتوقع أن تعوض الطاقة المتجددة من توربينات الرياح في طرفاية 900 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون كل عام،” أي ما يعادل وجود 150 مليون شجرة.
وتشمل المزايا الأخرى توفير العمالة المحلية في المزارع نفسها أو في الشركات ذات الصلة، مثل مشروع سولونا للتكنولوجيا. كما تعهدت سولونا بتخصيص 1% من إيراداتها للبرامج التي توفر قيمة ذات معنى للمواطنين المحليين. وبالمثل، تمنح مزرعة الرياح في طرفاية 41,344 دولاراً للمنطقة كل عام، والتي تُستخدم لمشاريع تشمل تركيب إنارة الشوارع ودعم الشباب المحلي.
وعلى نطاقٍ أوسع، تسعى إستراتيجية المغرب الخضراء إلى زيادة الدخل بنسبة ثلاثة أضعاف لما يقرب من 3 ملايين شخص يعيشون في المناطق الريفية.
إلا أن الاستثمار الأخضر لا يخلو من التحديات ويتطلب أكثر من المال لتحقيق أهدافه السامية. فعلى سبيل المثال، فإن إقليم الصحراء الغربية الخاضع لإدارة المغرب، حيث من المقرر أن يقع مشروع سولونا، تطالب به جبهة البوليساريو، وهي حركة قومية تمثل الشعب الصحراوي.
ففي بيانٍ صدر عام 2016 من قبل إريك هاجن، من منظمة مراقبة الثروات بالصحراء الغربية، قال إن ترسيخ وجود المغرب في المنطقة سيزيد من عرقلة “تقرير المصير وإنهاء الاستعمار في الصحراء الغربية.”
هذا هو السبب في أن بدء تنفيذ استغلال طاقة الرياح كان أبطأ مما كان متوقعاً، بحسب بن حمو، الذي تابع القول “إن أفضل منطقة غير مُفسدة تهب فيها الرياح في [المغرب] تقع في معتزلٍ حيث لا يمكنها جذب التمويل متعدد الأطراف.” وأضاف أنه كان من الصعب حشد تدخلٍ من شأنه أن يحل مسألة الوضع النهائي للإقليم.
المفارقة هي أن معظم مزارع الرياح في البلاد متصلة بالشبكة، وهذا بحد ذاته ينطوي على عمليات التصنيع.
وقال بن حمو “الفكرة الآن هي معرفة ما إذا كان بالإمكان استخدام الطاقة النظيفة في المنطقة لمعالجة الأسمدة من الفوسفات. إنها عملية تستخدم الطاقة بكثافة، ويمكن القيام بها باستخدام طاقة الرياح، واستبدال الوقود الأحفوري على نطاق واسع،” مضيفاً أن هناك حاجة إلى التخلص من الكربون من صناعات الأسمدة والصلب أيضاً.
من جهتها أشارت وكالة الطاقة الدولية أن المغرب لا يزال أمامه الكثير ليفعله إذا ما أراد الوصول إلى أهداف الطاقة المتجددة، فعلى سبيل المثال، يمكنه تطبيق الإصلاحات وتفعيل سلطة تنظيمية مخططة لحشد الاستثمارات الخاصة. يمكنه أيضاً أن يقدم تقنية متقدمة مثل تخزين البطاريات أو محطات تحلية المياه التي تعمل بالطاقة المتجددة.
بالإضافة إلى ذلك، يجب تحسين كفاءة الطاقة. فقد زاد استهلاك الطاقة بشكلٍ عام، ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، لن تكون تدابير كفاءة استخدام الطاقة الحالية كافية لتحقيق أهداف الطاقة والمناخ.
من المؤكد أن مكانة المغرب على لوحة متصدري الطاقة النظيفة آخذةٌ في الارتفاع، كما تحرص البلاد وجيرانها على تطوير طاقة الرياح. ومع ذلك، من أجل الوصول إلى المستوى الذي لا يتجاوز فيه الاحترار العالمي، على الأقل، 1,5 درجة مئوية – والتي تعتبر خط الخطر للحياة كما نعرفها – تبرز الحاجة إلى تغييراتٍ مؤسسية وتشغيلية.
في الوقت نفسه، نظراً لأن قدرة طاقة الرياح تعتمد على الوصول إلى الصحراء الغربية المتنازع عليها، تواجه البلاد مشاكل إقليمية وقضايا متعلقة بحقوق الإنسان والتي قد تجعل من الصعب عليها جذب مستثمرين إضافيين.