في ظل الاضطرابات الاقتصادية في مصر، تشير صفقة أراضي رأس الحكمة بقيمة مليارات الدولارات مع الإمارات إلى الأمل والجدل. مع تطور خطط التنمية، تبقى الأسئلة حول تأثيرها على الاقتصاد والبيئة والمجتمعات المحلية.
كوثر متولي
حظي الإعلان عن صفقة بمليارات الدولارات بين الحكومة المصرية والإمارات في فبراير الماضي باهتمام كبير، لا سيما أنها جاءت في خضم أزمة اقتصادية وتقلبات في سعر الجنيه المصري. وفي ظل المشكلات التي تعانيها مصر من ارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض مستويات المعيشة، وأزمة الديون التي تلوح في الأفق، تزداد أهمية هذه الصفقة الاستثنائية.
تنصّ صفقة “رأس الحكمة” على أن تتملّك الإمارات، من خلال صندوقها السيادي ، حقوق تطوير مدينة رأس الحكمة الساحلية. وتطرح الصفقة أحد أكبر مشروعات التنمية الحضرية في مصر، إذ تمتد على مساحة تزيد على 40 ألف فدان. وبحسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، فإن لمشروع رأس الحكمة الحضري جوانب ومكونات متعددة. فمن المخطط تطوير مناطق سكنية ومبانٍ إدارية ومستشفيات، فضلًا عن المنتجعات ومراسي السفن السياحية.
وفي مقابل حقوق تطوير الأرض، ستدفع حكومة أبو ظبي 24 مليار دولار لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. ومن المقرر أن تودع الإمارات مبلغًا إضافيًّا قدره 11 مليار دولار في البنك المركزي المصري بغرض الاستثمار في المشروعات التنموية الرئيسة في جميع أنحاء مصر. بالإضافة إلى ذلك، تبقى الأرض تحت السلطة القضائية المصرية، وتحتفظ هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بحصة قدرها 35% في المشروع.
بالتّالي، ستستفيد الحكومة المصرية من هذه الصفقة في تخفيف أزمتها الاقتصادية الحادة، من خلال معالجة القضايا الاقتصادية الملحة، بما في ذلك البطالة وتدني مستويات المعيشة. وإلى جانب الدعم الاقتصادي المتوقع من الصفقة، فقد تساهم تدفقات العملة الصعبة في سداد الديون المخطط له هذا العام. علاوة على ذلك، سترفع صفقة “رأس الحكمة” احتياطيات مصر من العملات الأجنبية، مما سيساعد بدوره في استقرار سعر صرف الجنيه.
وتهدف الصفقة أيضًا إلى تحفيز زيادة الاستثمار الأجنبي واستعادة الثقة بالإقتصاد المصري، مما قد يساهم في جذب ما يصل إلى 150 مليار دولار خلال مرحلة التطوير، ومن ثمّ توفير ملايين فرص العمل وضخ السيولة في الاقتصاد المصري.
إلا أن صفقة “رأس الحكمة” تنمّ عن تقارب استراتيجي في المصالح بين مصر والإمارات. وتعزز هذا التوافق الأهداف المشتركة المتمثلة في تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز التنمية الإقليمية، وتقوية العلاقات الثنائية.
أثار إعلان صفقة “رأس الحكمة” ردود فعل متباينة. فقد شكّك العديد في الصفقة وانتقد البعض غياب الشفافية والتكتم على تفاصيل الاتفاق. ورغم إصرار رئيس الوزراء على وصف الصفقة بأنها شراكة وليست صفقة بيع أرض، فإن قسمًا كبيرًا من الجمهور بقي على حذره وشكّه. ومن ناحية أخرى، تفاءل قسم آخر من الجمهور معتقدين أن الصفقة قد تؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي وتحسّن مستويات المعيشة.
وكان هذا الخلاف قد ظهر بين سكان رأس الحكمة أنفسهم. إذ نفى أبناء قبائل رأس الحكمة موافقتهم على بيع مدينتهم لمستثمرين محليين أو أجانب. لكن، في المقابل، كان مالكو الأراضي من خارج المدينة على استعداد للتنازل مقابل تعويضات.
ورغم اختلاف وجهات النظر، فقد قررت السلطة مصادرة جميع الأراضي مقابل تعويض بخس قدره 150 ألف جنيه للفدان، دون دفع تعويض عن المنازل، مع أن القيمة الحقيقية للفدان تُقدّر بأكثر من مليون جنيه.
بالإضافة إلى ذلك، أثار الخبراء مخاوف بشأن الأثر البيئي للتطوير الجائر الذي يمكن أن يؤدي إلى فقدان الموائل، والتدهور البيئي، وفقدان التنوع البيولوجي. وسلّط الباحثون الضوء أيضًا على احتمالية تسبب مشروع التنمية الساحلية الكبير في نحر الشواطئ.
صحيح أن الصفقة تحمل معها وعودًا كبيرة لمستقبل الاقتصاد المصري، لكن لم يتضح بعد ما إذا كانت حلًا للأزمة الاقتصادية أو مجرد مسكن.