وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

استضافة الرّياضات في المملكة العربيّة السّعوديّة: رهان سخيّ عائده غير مؤكَّد

بعض الخبراء في الرياضة يقولون أنّ المملكة العربية السعودية وغيرها من البلدان في المنطقة يستثمرون في مساعٍ رياضيّة واسعة النطاق لتحقيق شرعيّة عالميّة.

استضافة الرّياضات في السّعوديّة
مهاجم النصر البرتغالي رقم 07 كريستيانو رونالدو (في الوسط) يسدد الكرة خلال مباراة كرة القدم في الدوري السعودي للمحترفين. فايز نور الدين / أ ف ب

دانا حوراني

تصدّرت المملكة العربيّة السّعوديّة عناوين الأخبار المتعلّقة بالدّوريّ الإقليميّ لكرة القدم في السّنوات القليلة الماضية، بمشاركتها في كأس العالم وبطولات آسيويّة متنوّعة. لكنّ هذا البلد مصمِّم الآن على أن يصبح منافسًا معروفًا على السّاحة العالميّة، ويبدو أنّه يخطّط لتحقيق ذلك عاجلًا.

كُلِّلت أشهُر من التّفكُّر بالإعلان رسميًّا عن استضافة المملكة العربيّة السّعوديّة كأس العالم لكرة القدم للرّجال 2034، عبر حساب إنستغرام الخاصّ برئيس الاتّحاد الوطنيّ لكرة القدم جياني إنفانتينو، في الأسبوع الأوّل من تشرين الثّاني.

قبل صدور هذا القرار، كانت المملكة قد وظّفت بعض ألمع المواهب العالميّة في كرة القدم لصالح الدّوريّ المحلّيّ، الدّوريّ السّعوديّ للمحترفين (SPL). ولاستقطاب هذه النّجوم إليها أنفقت المملكة العربيّة السّعوديّة مبلغًا هائلًا من المال.

في كانون الأوّل، صعق نادي النّصر العالم بخبر توقيع النّجم البرتغالي، كريستيانو رونالدو، عقدًا للّعب ضمن فريقهم. وبذلك، سُلِّط الضّوء على فريق الرّياض من ميامي إلى مومباي وملبورن.

أدّى ذلك إلى انتقال أفضل نجوم كرة القدم في العالم إلى المملكة العربيّة السّعوديّة للانضمام إلى فِرَق الدّوريّ المحلّيّ لكرة القدم في البلد. ومن بين الّذين وقّعوا عقودًا مُربحة برزت أسماء مثل البرازيليّ نيمار، والفرنسيّ كريم بنزيما، والسّنغالي ساديو ماني، فقُدِّر مجموع عقودهم بمليون دولار (926 مليون يورو).

استحوذ صندوق الاستثمارات العامّة (PIF) الخاصّ بالمملكة العربيّة السّعوديّة على غالبيّة الحصص في أربعة من أفضل نوادي كرة القدم المحلّيّة: الهلال، النّصر، الاتّحاد، الأهليّ، وتشكّل هذه الفِرَق الآن أكثر من 75% من ملكيّته.

وضعت المملكة العربيّة السّعوديّة عائدًا هدفًا تبلغ قيمته 480 مليون دولار لهذه النّوادي بحلول عام 2030، كجزء من رؤية 2030. لكنّ قيمة العائد الآن 120 مليون دولار، وبالتّالي هي بحاجة إلى ارتفاع بالغ، ما يعني أنّ على كلّ المعنيّين خوض مسار طويل وضروريّ. يعتقد الخبراء أنّه يمكن تحقيق هذه المهمّة إذا وُظّف مجهود كافٍ لتحسين البُنى التّحتيّة لقطاع الرّياضات وتعليم الرّياضة.

نفقات هائلة

أحدث الدّوريّ السّعوديّ للمحترفين الصّيف الماضي، جلبة كبيرة في سوق الانتقالات بإنفاقه 900 مليون دولار على شراء لاعبين أجانب، ما وضعه في المركز الثّاني مقارنة بالدّوريّ الإنجليزيّ الممتاز الّذي حافظ على مركزه الأوّل. إضافة إلى ذلك، مُنِحت رواتب ضخمة لاستقطاب المواهب من أفضل الدّوريّات الأوروبيّة بشكل أساسيّ.

وضّح كارلوس نهرا، الرّئيس التّنفيذيّ للعمليّات للدّوريّ، أنّ هذا الاستثمار ليس قصير الأمد. لقد وعدت الدّولة العربيّة السّعوديّة بتأمين الدّعم الماليّ للدّوريّ إلى أن يحقّق لها إيرادات ضخمة ومستوى عالٍ في كرة القدم من حيث اللّعب.

وقال نهرا لهيئة الإذاعة البريطانيّة (بي بي سي): “من الضّروري، فيما نحظى بالدّعم إلى حين نحقّق أهدافنا مهما تطلّب ذلك من الوقت، أن نكون مجديين تجاريًّا فنتحمّل مسؤوليّة نموّنا الماليّ، ولا نعتمد كلّيًّا على رأس مال الدّولة.”

للحرص على أنّ لاعبيهم الجدد يتمتّعون بأقصى مستويات الرّفاه المعيشي، أنفق الهلال مبلغًا هائلًا من المال. فقد أُهدي نيمار البالغ من العمر 31 سنة، ليس فقط ثلاث سيّارات فخمة بحسب صحيفة “ذا صان” The Sun، بل أيضًا أربع سيّارات مرسيدس واغن فئة ج ومرسيدس فان للمحيطين به المقرّبين منه وسائق 24/7. كما أنّه مُنِح عقارًا يضمّ 25 غرفة ومسبحًا هائلًا حجمه 10م بـ 40م وطائرة خاصّة. ومن المستفيدين من نفقات الهلال المسرفة عقب إمضاء العقد، غير نيمار، نذكر ألكساندر ميتروفيتش، وخاليدو كوليبالي، وروبن نيفيز.

اتّسمت إعادة ظهور الأهليّ في دوريّ المحترفين هذا الفصل بموجة من إمضاء العقود مع لاعبين مثل غابرييل فيغا، ورياض محرز، وروبرتو فيرمينو، إدوارد ميندي، وألان سانت ماكسيمين.

إلى جانب بنزيما حصل الاتّحاد على إمضاء كانتي وفابينيو، أمّا النّصر فحصد إمضاء أوتافيو، وساديو ماني، وإيميرك لابورتي.

لكنّ رونالدو وبنزيما حصلا على أعلى الرّواتب، وقيمتها بالتّتالي 3.4 مليون دولار و3.3 مليون دولار أسبوعيًّا.

من جهة أخرى، أعلنت رويترز رفض فريق ليفربول عرض الاتّحاد، وقيمته 150 مليون باوند (187.10 مليون دولار)، مقابل محمّد صلاح، فيما فشلت محاولات الهلال للاستحصال على ليونيل ميسّي وكيليان مبابي.

مجازفة مكلفة

جزء من رؤية المملكة العربيّة السّعوديّة 2030 هو تحويل الاقتصاد من الاعتماد بشكل أساسيّ على الإيرادات من قطاع النّفط، إلى التّركيز على قطاعات أخرى من ضمنها السّياحة والتّرفيه. ولقد تجلّى هذا الطّموح في الجهود المبذولة في سبيل زيادة حضور المملكة أيضًا في كرة القدم الدّوليّة.

ولقد خصّص السّعوديّون مبالغ ضخمة لمجموعة متنوّعة من الرّياضات، منها الغولف، والكريكت، وركوب الدّرّاجات، والفورمولا وان، والتّنس، والمصارعة الحرّة، وفنون القتال المتنوّع.

وبحسب المسؤولين السّعوديّين، تركيزهم على كرة القدم هو ردّ على التّنوّع الاقتصاديّ، ومشكلات الرّعاية الصّحّيّة العامّة، وذلك لأنّ أكثر من نصف السّعوديّين يعانون من البدانة، وتحسين بنية الرّياضات الموجودة. إلّا أنّ جماعات حقوق الإنسان تحتجّ بأنّ هذه محاولة لغسيل رياضيّ، ينحّي الانتباه عن السّياسات الحكوميّة القمعيّة.

أمّا بعض الخبراء في الرّياضة فيقولون أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة وغيرها من البلدان في المنطقة يستثمرون في مساعٍ رياضيّة واسعة النّطاق لتحقيق شرعيّة عالميّة. وبهذه الطّريقة، يُرجى أن يُغَضّ النّظر عن المخالفات الماضية والتّركيز على الفِرَق، والفعّاليّات، والرّعاية.

إضافة إلى ذلك، يمكن استخدام الإنفاق على التّرفيه والرّياضة للحفاظ على هيمنة العائلة الحاكمة. ويشير المراقبون إلى أنّ هذه الاستثمارات قد تؤول إلى احتجاجات أو شكاوى شعبيّة أقلّ ضدّ العائلة الحاكمة.

على الصّعيد الماليّ، قد يكون استرجاع الأموال المُنفَقة على كرة القدم مهمّة صعبة. فمن غير المؤكّد كيفيّة تحويل الفِرَق هذا الاستثمار إلى إيرادات مرتفعة من صفقات حقوق التّلفاز العالميّة، أو اتّفاقيّات الرّعاية المربحة، أو بيع النّوادي لمستثمرين عالميّين مقابل مبالغ ضخمة من المال.

وفي تشرين الثّاني عام 2022، قدّر أحد التّقارير إجمالي دين نوادي الدّوريّ السّعوديّ للمحترفين بقيمة 400 مليون دولار. إلّا أنّ الخبير الرّياضيّ، مصطفى فرحات، أشار إلى أنّ رحلة كرة القدم السّعوديّة ما زالت في مستهلّها، وما زال أمامها خطوات كثيرة تحقّقها قبل الوصول إلى النّتائج المرجوّة.

مشروع طموح

قال فرحات لفناك، أنّ الحصول على عقود بثّ سعيًا إلى زيادة شهرة الدّوريّ السّعوديّ للمحترفين، أمر ضروريّ للمملكة العربيّة السّعوديّة، لتوليد قدر مهمّ من الإيرادات. وضعت شركة البثّ العملاقة آي أم جي (IMG) هدفًا وهو تأمين صفقات قصيرة الأمد مع 30 سوقًا. وبحسب تقارير بلومبرغ، قيمة هذه الاتّفاقات لن تصل إلى 10 مليون دولار أميركيّ سنويًّا، على الرّغم من أنّ البرتغال، والصّين، وإيطاليا من ضمن البلدان الّتي ستخوض هذه المجازفة.

ويضيف الخبير أنّه من الضّروريّ أن تُنتِج الأمّة نجومها الخاصّة، بدلًا من الاعتماد كلّيًّا على رياضيّين أجانب. وذلك لا يقتضي فقط على تأمين تدريب احترافيّ، إنّما أيضًا، ضمان أنّ كلّ بناها التّحتيّة مُحدَثة بحسب آخر التّطوّرات، مثل مدرّبين محترفين وملاعب مجهّزة جيّدًا.

قال فرحات: “أثبتت وسائل التّواصل الاجتماعيّ أنّ شهرة الفِرَق تزداد عالميًّا منذ الآن. إذ نلاحظ تفاعل معجبي كريستيانو رونالدو الدّائم ومتابعتهم مبارياته، وارتدائهم قمصان النّصر حتّى.”

وفي رأيه، هذه الخطوات هي الطّريقة المثلى لتحافظ العائلة الملكيّة على مكانتها في البلد، إذ إنّ كرة القدم إحدى أشهر الرّياضات حول العالم، وذلك يجذب الكثير من المعجبين الأجانب، ما يعزّز بالتّالي سُمعة البلد، والسّياحة فيه، وتطوّره الاقتصاديّ.

أضاف: “يغطّي المباريات حاليًّا مذيعون رياضيّون مشهورون، فيما يرى المعجبون اللّاعبين المشهورين يعيشون حياة التّرف والرّفاه في المملكة العربيّة السّعوديّة، وذلك سيجذب انتباههم إلى البلد بطبيعة الحال.”

لدى طارق*، وهو متابع متحمّس بالعشرين من عمره، آمالًا عالية في ما يتعلّق باستثمار بلده في الرّياضة. فهو مقتنع بأنّ لذلك أثر إيجابيّ على الاقتصاد وعلى الأمّة بنفسها. إنّ شغف السّعوديّين بالرّياضات يزداد أكثر فأكثر، وقد أشعل ذلك حماس الشّباب بشكل خاصّ.

قال طارق لفناك: “توجّب علينا في الماضي الاختيار بين حضور المباريات المهمّة أو الدّرس. أمّا اليوم، مع الاستثمارات الجديدة واللّاعبين الموهوبين، فأصبح تفويت أيّ حدث رياضيّ أمر غير وارد.”

قوّة النّساء

لقد استثمرت المملكة العربيّة السّعوديّة بشدّة في تنمية فريق كرة القدم للسّيّدات. ففي 15 أيلول أطلق الاتّحاد السّعوديّ لكرة القدم العرض الأوّل من “قُدِّر لهنّ التّصوير” (Destined to Film)، وثائقيّ عن كأس العالم لكرة القدم للسّيّدات يتتبّع مسيرة فريق كرة القدم للسّيّدات الخاصّ بالأمّة. إضافة إلى ذلك، أنشأت الدّولة دوريّ مدارس يضمّ 48000 سيّدة مشارِكة من 3600 مدرسة، وذلك جزء من جهودها لدعم مشاركة السّيّدات في كرة القدم في البلد.

سجّل الاتّحاد السّعوديّ لكرة القدم أيضًا ارتفاعًا قيمته 86 في المئة في اللّاعبات السّيّدات عام 2030.

يشير طارق إلى النّقص الحادّ في تغطية كرة القدم للسّيّدات، الّذي يعيق شهرته.

في المقابل، يشير فرحات إلى أنّ لاعبات كرة القدم يقابَلن بالاستهزاء بدلًا من الاحترام مقارنة باللّاعبين الرّجال. وكان لذلك تأثير عميق في كيفيّة النّظر إليهنّ ومعاملتهنّ.

قال فرحات: “هذه الظّاهرة غير محصورة بالمملكة العربيّة السّعوديّة وحدها، إنّما هي مشكلة عالميّة لم تبدأ بالتّغيّر إلّا مؤخّرًا.”

على الرّغم من كلّ ذلك، من الواضح أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة بذلت مجهودًا جماعيًّا منسَّقًا لتحويل نفسها إلى قوّة رياضيّة قياديّة في العالم. لكن ما زال من غير المؤكّد ما إذا كانت هذه الجهود ستثمر وتحقّق هدف 2030، إلّا أنّ شيئًا واحدًا مؤكّد وهو أنّ النّظرة العالميّة إلى المملكة بدأت تتغيّر.