وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هكذا أصبحت أربع عملات عربيّة أغلى عملات العالم

على الرغم من أن الدولار الأمريكي لا يزال العملة المهيمنة في السوق العالمية، فقد احتلت أربع عملات عربيّة المراكز الأولى من حيث القيمة.

عملات عربيّة أغلى عملات
رجل كويتي يحمل النسخة السادسة من فئة الـ 20 دينارا كويتيا بجوار جهاز صراف آلي في مدينة الكويت. ياسر الزيات / وكالة الصحافة الفرنسية

علي نور الدين

ممّا لا شكّ فيه أنّ الدولار الأميركي صار منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية من أقوى عملات العالم، من حيث اعتماده في التبادلات التجاريّة الدوليّة، وفي عمليّتيّ التّسعير والمحافظة على الإحتياطي النقديّ في الأسواق العالميّة. ومع ذلك، حلّ الدولار في المرتبة العاشرة على مستوى العالم، لجهة قيمته مقابل العملات الأخرى. في المقابل، حلّت عملات عربيّة في المراتب الأربع الأولى عالميًا، من حيث القيمة، ما يطرح السؤال عن أسباب وأهميّة ومغزى احتفاظ هذه العملات بسعر صرف مرتفع، مقارنة بجميع العملات الأخرى.

خلال السنوات الماضية، سيطرت على المشهد الاقتصادي أخبار انهيارات العملات العربيّة، وما نتج عن هذه الانهيارات من أزمات ماليّة ومعيشيّة مستعصية. ومع ذلك، تستمرّ الدول العربيّة بالاستحواذ على المراتب الأربع الأولى، في لائحة ضمّت أغلى عملات العالم في أسواق القطع وأفضلها من حيث القدرة الشرائيّة، وفقًا لتقرير مجلّة “فوربس” الصادر في مارس/آذار 2023.

ففي المرتبة الأولى عالميًا، حلّ الدينار الكويتي، بقيمة قاربت ال3.26 دولارًا أميركيًا، فيما حلّ الدينار البحريني في المرتبة الثانية بقيمة توازي 2.65 دولارًا أميركيًا. كما حلّ الريال العماني في المرتبة الثالثة، إذ بلغت قيمته نحو 2.6 دولارًا أميركيًا، وحلّ الدينار الأردني في المرتبة الرابعة بقيمة ناهزت ال1.41 دولارًا أميركيًا.

بالتأكيد، لا يعكس هذا الترتيب قوّة العملة ومكانتها على المستوى الدولي. إذ تُحدد هذه القوّة من خلال معايير أخرى، غير قيمة العملة في سوق القطع، كمستوى الطلب عليها في الأسواق الدوليّة، والإقبال على الاحتفاظ بها في جميع الأسواق العالميّة. وهذه القوّة تبقى اليوم من نصيب كل من الدولار الأميركي واليورو والجينيه الاسترليني. وبحسب الأرقام، مازال ثلثا الاحتياطات التي تحتفظ بها المصارف المركزيّة حول العالم مقوّمة بالدولار الأميركي، كما يتم عقد 79% من الصفقات التجاريّة في جميع أنحاء العالم بالدولار الأميركي أيضًا، ما يضع الدولار في المرتبة الأولى من حيث سيطرته على الأسواق.

لكن في الوقت نفسه، يعكس ارتفاع قيمة العملات العربيّة الأربع مجموعة من العوامل الاقتصاديّة التي سمحت باحتفاظ هذه العملات بقيمتها على مرّ العقود الماضية. كما يعكس أهدافًا حاولت المصارف المركزيّة تحقيقها، من خلال حماية قيمة عملاتها المحليّة المرتفعة. مع الإشارة إلى أنّ كل ذلك لا يعني أنّ هذه الدول العربيّة الأربع لا يجب أن تعيد النظر –في المستقبل- بإصرارها على تثبيت سعر صرف عملاتها بقيم مرتفعة جدًا، مقارنة بجميع عملات دول العالم الأخرى.

الدينار الكويتي

يعود الظهور الأوّل للدينار الكويتي إلى العام 1960، حين قررت الكويت إصدار عملتها الخاصّة كبديل عن الروبية الخليجيّة، التي كانت مربوطة في ذلك الوقت بالروبية الهنديّة. ومنذ ذلك الوقت، تعددت السياسات النقديّة المتبعة من قبل المصرف المركزي الكويتي، حيث تم ربط الدينار الكويتي بالجينيه الاسترليني في بادئ الأمر، قبل ربطه بالدولار عام 2003، ومن ثم الانتقال إلى ربطه بسلّة من العملات ابتداءً من سنة 2007.

لكن أهم عناصر السياسة النقديّة التي لجأ إليها المصرف المركزي الكويتي، كان تثبيت سعر صرف الدينار، أي الحفاظ على قيمته المرتفعة مقابل سلّة من العملات الأخرى. وللقيام بهذا الأمر، يستند المصرف المركزي إلى قاعدة ضخمة من الاحتياطات بالعملات الأجنبيّة، الناتجة عن تصدير النفط وبيعه بالدولار في الأسواق العالميّة. ومن خلال هذه الاحتياطات، يحافظ المصرف المركزي الكويتي على قدرة التدخّل في السوق، وبيع العملة الصعبة مقابل الدينار الكويتي للحفاظ على قيمة العملة المحليّة. وهذا الواقع، هو تحديدًا ما وضع الدينار الكويتي في المرتبة الأولى عالميًا، من حيث القيمة مقابل العملات الأخرى.

من الناحية العمليّة، سعت الكويت من خلال هذه السياسة النقديّة إلى الحفاظ على القدرة الشرائيّة للأجور والرواتب والمدخرات داخل الكويت، وعلى قدرة الحكومة على تمويل مشاريعها بعملتها المحليّة. وفي الوقت نفسه، سمحت هذه السياسة بالاستفادة من عوائد بيع النفط بشكل أفضل، من خلال استخدام هذه العائدات لضمان قيمة الدينار الكويتي المستخدم محليًا.

إشكاليّة هذه السياسة النقديّة، تكمن في كونها تحرم الإنتاج المحلّي من القدرة على منافسة السلع الأجنبيّة. إذ يؤدّي الحفاظ على قيمة العملة المحليّة المرتفعة إلى زيادة أسعار الإنتاج المحلّي في الأسواق العالميّة، مقارنة بأسعار السلع الأجنبيّة هناك. كما يؤدّي هذا العامل إلى تخفيض أسعار السلع المستوردة في السوق المحليّة، مقارنة بأسعار الإنتاج المحلّي.

لكنّ السياسات الاقتصاديّة الكويتيّة لم تعطِ هذا العامل بالتحديد الكثير من الاهتمام، نظرًا إلى اعتماد الكويت على الصادرات النفطيّة، المسعّرة بالدولار أساسًا، لتمويل اقتصادها. ورغم ذلك، من المهم القول إن الكويت ستحتاج إلى إعادة النظر بهذه السياسة النقديّة، إذا أرادت في المستقبل تقليل الاعتماد على الصادرات النفطيّة، لصالح خلق قاعدة إنتاج محلّي قويّة.

الدينار البحريني

يعود إطلاق الدينار البحريني للمرّة الأولى إلى العام 1965، حين قررت البحرين الاستغناء عن الروبية الخليجيّة، واعتماد عملتها الخاصّة. لاحقًا، وفي العام 1973، تم تأسيس مؤسسة نقد البحرين، لتتولّى المؤسسة منذ ذلك الوقت مهام مصرف المملكة المركزي، ووضع السياسة النقديّة الخاصّة بها. لاحقًا تم تحويل المؤسسة بشكل كامل إلى مصرف مركزي، مع صدور قانون المصرف المركزي والمؤسسات الماليّة.

لكن وبخلاف الكويت، التي ربطت عملتها أخيرًا بسلّة من العملات، لجأت البحرين إلى ربط عملتها بالدولار الأميركي بشكل حصري. ولهذا السبب، ارتبطت قوّة الدينار البحريني مقارنة بالعملات الأخرى، بقوّة الدولار نفسه، ما يعني ارتفاع قيمة الدينار البحريني بمجرّد ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل العملات الأجنبيّة، والعكس صحيح. وهذا تحديدًا ما سمح للدينار البحريني بتحقيق مكاسب هامّة، بالتوازي مع ارتفاع الفوائد في الولايات المتحدة، التي كان يليها ارتفاع في سعر صرف الدولار مقابل الين واليورو والجينيه الاسترليني وسائر العملات الأجنبيّة.

وعلى مدى العقود الماضية، راهنت البحرين على محدوديّة حجم سكّانها وحاجاتها التمويليّة، مقارنة بحجم صادراتها النفطيّة ما سمح لها بمراكمة الاحتياطات بالعملات الأجنبيّة التي تسمح بالدفاع عن سعر صرف الدينار البحريني المرتفع مقابل الدولار. ورغم بعض الخضّات الماليّة والاقتصاديّة التي عانت منها البحرين في بعض المراحل، لم تؤثّر كل هذه التطوّرات على قيمة الدينار البحريني المتقدمة في الأسواق العالميّة من حيث القيمة. إذ سمحت عائدات تصدير النفط بالحفاظ على تدفقات نقديّة كافية بالدولار الأميركي، لضمان الحفاظ على سعر صرف الدينار البحريني.

الريال العماني

بدأت عمان بإصدار عملتها الخاصّة تحت مسمّى الريال السعيدي عام 1970، لتفك ارتباطها منذ ذلك الوقت بالروبية الخليجيّة، قبل أن تصدر أوّل عملة تحت مسمّى الريال العماني عام 1972. وبعد أن تم ربط قيمة الريال العماني بالجينيه الاسترليني، عادت عمان لتربط عملتها بالدولار الأميركي منذ العام 1973، تمامًا كحال البحرين. ولهذا السبب، باتت قوّة العملة العمانيّة مستمدة من ارتباطها بسعر صرف مستقر مقابل الدولار، فيما استفادت عمان من عائدات صادراتها النفطيّة للدفاع عن سعر الصرف هذا.

لكن بخلاف البحرين، تُعتبر عمان دولة كبيرة ذات مناطق ريفيّة شاسعة، فيما تتميّز مناطقها الساحليّة بالصيد والتجارة الخارجيّة. وهذا تحديدًا ما يجعل تثبيت سعر صرف الريال العماني بقيمة مرتفعة، وربطه بالدولار بشكل مستمر، عاملًا ضاغطًا على القطاعات العمانيّة المنتجة. وكحال الكويت، سيكون على عمان مراجعة هذه السياسة النقديّة في المستقبل، إذا أرادت السير بطموحات تنويع اقتصادها أكثر وتعزيز قطاعاتها المنتجة.

الدينار الأردني

منذ العام 1995، قررت الأردن تثبيت سعر صرف الدولار الأميركي، حيث تم الحفاظ على قيمة الدينار عند حدود ال1.41 دولارًا أميركيًا. وبالنسبة للسلطات النقديّة الأردنيّة، تُعتبر هذه السياسة النقديّة الطريقة الأمثل للحفاظ على الاستقرار النقدي داخل الأردن، وضمان الإقبال على الدينار الأردني كوسيلة إدخار في المصارف. النتيجة الأهم لهذه السياسة، كانت تأثّر أسعار السلع المستوردة من الأسواق الأوروبيّة والآسيويّة بأي انخفاض أو ارتفاع بسعر صرف الدولار في الأسواق العالميّة، نظرًا إلى اعتماد قيمة الدينار الأردني على قيمة الدولار نفسه.

مشكلة الأردن الأساسيّة حاليًّا هي عدم وجود تدفّقات نقديّة مستقرّة بالعملات الأجنبيّة، كحال الدول الخليجيّة التي تستفيد من صادرات النفط. وهذا ما سيضغط على إمكانيّة الدفاع عن سعر الصرف الثابت هذا، بالتوازي مع أي انخفاضات محتملة في حجم احتياطات النقد المتوفّرة بالعملات الأجنبيّة، لدى المصرف المركزي الأردني. وفي الوقت نفسه، من الطبيعي أن تؤثّر سياسة تثبيت سعر الصرف على قدرة القطاعات الإنتاجيّة التنافسيّة، تمامًا كما حدث مع لبنان في تجربته مع تثبيت سعر صرف عملته المحليّة.

بالنتيجة، من الواضح أن سياسة الحفاظ على سعر صرف مرتفع للعملات المحليّة، في الدول العربيّة الأربع، ارتبطت بأهداف اقتصاديّة ونفديّة مفهومة. لكن في الوقت نفسه، على هذه الدول أن تحافظ على براغماتيّتها في ما يخص السياسة النقديّة، ما يفرض عدم الالتصاق الأعمى بسياسة تثبيت ودعم سعر صرف العملات المحليّة على المدى الطويل، إذا كان سعر صرفها المرتفع سيرتّب أكلافًا كبيرة على القطاعات الصناعيّة والزراعيّة.