وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

الروائية السودانية ليلى أبو العلا: العالمية من بوابة الدين والغربة

Sudan- Leila Aboulela
Photo Flickr

بمجرد نشر روايتها الأولى في العام 1999، لفتت الكاتبة السودانية ليلى أبو العلا الأنظار بقوة، ومع تتالي إصدارتها أبدي النقاد والقراء اهتماماً واضحاً بالأضواء الكاشفة التي تسلطها أعمالها السردية على قضايا الهوية والهجرة والروحانية الإسلامية. وفي وقتٍ وجيز، اتسعت دائرة الاهتمام والاحتفاء بها، حتى صارت اسماً عالمياً في مجال الكتابة الأدبية. وعلى الرغم من أن اللغة الأم للكاتبة هي العربية، إلا أنها كتبت مؤلفاتها باللغة الانجليزية، ثم وجدت تلك المؤلفات طريقها إلى القراء في قارات العالم الستة وفي أربع عشرة لغة تُرجمت إليها.

ولدت أبو العلا بالقاهرة لأب سوداني وأم مصرية في 1964، ونشأت في السودان، حيث درست بمدرسة الخرطوم الأمريكية، ثم التحقت بكلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم وحصلت على شهادة في الإحصاء، وفي ذات التخصص نالت درجتي الماجستير والدكتوراه في كلية لندن للاقتصاد. انتقلت في عام 1990 إلى بريطانيا حيث استقرت في اسكتلندا، ثم تنقلت خلال الفترة من 2000 إلى 2012 بين اندونيسيا والإمارات العربية وقطر قبل أن تعود إلى مستقرها مجدداً في اسكتلندا. وهي متزوجة من رجلٍ سوداني والدته بريطانية ولهما طفلان.

بدأت أبو العلا إنتاجها السردي عقب وصولها إلى بريطانيا. ونشرت حتى الآن أربع روايات هي: “المترجمة” The Translator (1999)، و”المنارة” Minaret (2005)، “وحارة المَغْنى” Lyrics Alley (2010) و”كرم الأعداء” The Kindness of Enemies” (2015). ولها ثلاث مجموعات قصصية هي: “أضواء ملونة” (2001)، و”الوطن مكان آخر” Elsewhere, Home، و”متاهة كل صيف” (2017)، ومسرحيتان هما: “أسد الشيشان”، و”الحياة الخفية”.

قام المفكر السوداني الخاتم عدلان بترجمة روايتها الأولى “المترجمة” إلى العربية، ثم تولى بدر الدين الهاشمي ترجمة روايات “كرم الأعداء،” و”حارة المغنى،” و”منارة،” وحملت هذه الأخيرة في نسختها العربية عنوان “مئذنة في ريجنت بارك” (2012). وتشارك جمال محمد إبراهيم وسامية عدنان ترجمة مجموعة “أضواء ملوّنة.” وصدرت في 2017 مجموعة “متاهة كل صيف” التي ترجمها عادل بابكر وتضمنت نصوصاً قصصية نُشرت لاحقاً بلغتها الانجليزية في مجموعةElsewhere, Home.

توضح أبو العلا أنها تختار الكتابة بالانجليزية بسبب تعليمها، وتقول في حديث لـفَنَك: “درست كل مراحلي التعليمية باللغة الانجليزية، ومعظم قراءاتي كانت بهذه اللغة، ولذلك فإن معرفتي بالانجليزية أجود من معرفتي باللغة العربية،” وتضيف: “تكرّس خيار اللغة الانجليزية عندما وجدت نفسي أعيش في بريطانيا، فقد قصدت أن أخاطب المجتمع الإنجليزي بلغته وأنقل إليه همومي وقضاياي كامرأة عربية مسلمة، هذا فضلاً عن أن اللغة الانجليزية لغة عالمية أستطيع من خلالها مخاطبة عشرات الجنسيات في العالم.”

الدين والغربة

الدين والغربة هما الموضوعان المركزيان في الأعمال الأدبية لليلى العلا، إذ تتناول معظم تلك الأعمال الغربة الثقافية والنفسية التي يواجهها المهاجرون المسلمون في الغرب، وتقدم حكاياتٍ لشخصيات سردية سودانية مهاجرة تواجه معضلات العيش والتأقلم في بيئة ثقافية واجتماعية غريبة عليهم، يملأهم الحنين لوطنهم.

تُحدثنا أبو العلا بقولها: “منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه الكتابة أردت أن أوضح سيكولوجية وانفعالات شخص لديه عقيدة دينية. كنت مهتمة جداً أن أغوص عميقاً، وألا اكتفي بالنظر إلى الإسلام كثقافة وهوية سياسية، بل كمكون أكثر جوهرية، ولذلك فإن الإيمان في أعمالي الأدبية، أعمق من الهوية وأكثر أهمية من الجندر والجنسية والطبقة والعرق، ولكن ذلك لا يعني إنكار هذه الجوانب الأخرى أو تجاوزها.”

وتذكر ليلي أنها عندما ذهبت إلى بريطانيا في مطلع تسعينيات القرن الماضي وجدت صورة السودان مشوهة بفعل الإعلام الغربى، وتقول: “كان لابد لي من عمل شيء يغير تلك السمعة السيئة والمغرضة، ولذلك بدأت الكتابة لتصحيح تلك الصورة القبيحة.”

وتضيف: “كنت أشعر بالحنين إلى السودان والثقافة العربية. الناس من حولي لا يعرفون شيئاً عن بلدي أو عن الإسلام، المكوّنان الرئيسيان لهويتي؛ وهذا ما زاد من إحساسي بالغربة. وفي نهاية الثمانينيات شهدت بداية تأجج العواطف ضد العرب والإسلام في الإعلام الغربي ووجودي في بريطانيا جعلني في وضع دفاعي. ووجدت أني أحتاج لأوضح أن الحياة في الخرطوم تسير بصورة جيدة، وأن الناس طيبون، والظروف هي التي أجبرتنا على المغادرة ولم تكن خياراً.”

أعمال أبو العلا السردية

تحكي رواية “المترجمة” عن قصة حب بين أرملة سودانية شابة تعيش في بريطانيا وأكاديمي اسكتلندي متخصص في الدراسات العربية والإسلامية، تطالبه حبيبته باعتناق دينها الإسلام حتى تستطيع الزواج به.

وتقدم رواية “منارة” قصة فتاة سودانية لاجئة في بريطانيا تعاني من قسوة الحياة في المنفى وغربة البعد عن الوطن والثقافة التي نشأت فيها، فتقرر توثيق علاقتها بالإسلام والالتزام بتعاليمه بحثاً عن سلامها الداخلي.

وتدور قصص مجموعتي “متاهة كل صيف” و”أضواء ملونة” في ذات المحاور، ففي قصة “حرمان” مثلاً، نجد الأم السودانية التي تفعل المستحيل لكي تضمن أن بقاء ابنها في بريطانيا بقاءً مؤقتاً مرهون بانتهاء دراسته حتى لا ينجرف بعيداً عنها. وفي قصة “المتحف” نتعرف على مشاعر متنافرة لامرأة سودانية تدرس في بريطانيا حيال طالب اسكتلندي، وعندما يذهبان سوية إلى متحف عن تاريخ أفريقيا يؤلمها أن تكتشف أن بينهما هوة ثقافية عميقة مستحيلة الردم. وفي قصة “الولد من محل الكباب” نجد الشابة المصرية الاسكتلندية دينا وهي تبدأ علاقة مع الشاب المغربي الاسكتلندي قاسم، وعندما تراه يصلي تفاجأ بالمشهد ولا تعرف إذا ما كانت تريد إتباع خطاه أو العودة إلى البيت.

وخلال معالجتها لموضوعاتها نقلت ليلى أبو العلا أحداثًا حيّة من تاريخ السودان الحديث، واحتشدت أعمالها بالصور السردية والوصفية واللغوية التي تعكس السمات الثقافية والحضارية المختلفة في السودان. وتكثّف هذا الميل بوضوح في روايتها التاريخية “حارة المغني” المستوحاة من سيرة الشاعر السوداني المعروف حسن أبو العلا (1922- 1962)، وذلك في مزاوجة ممتعة بين أدب السيرة الذاتية والخيال الروائي.

آراء نقدية

تميل الكاتبة أبو العلا بوضوح إلى المدرسة الواقعية، ويمكن تصنيف جميع أعمالها الأدبية في هذه الإطار، وتقول: “لا أميل للتجريب في الكتابة، ومنظوري أن الواقع بتحدياته يحتاج منا أن نسميه بأسمائه، وخصوصاً أن المدرسة الواقعية كانت ولا تزال سيدة المدارس السردية الروائية.”

ورأى بعض النقاد البريطانيين أن ليلى أبو العلا استطاعت أن تقدم صورة مختلفة عن المرأة المسلمة من خلال بطلاتها، فالمرأة عندها تجد ملاذها وقوتها في الدين وليس بالهروب منه كما هو سائد في الأعمال الأدبية الحديثة، إنها قوية تصنع ذاتها بذاتها وليس كما يشكّلها الآخرون.

واعتبر الناقد البريطاني مايك فيليبس أن ليلى تعد من أبرز الكتاب في ضرب جديد من الأدب القصصي الانجليزي ظهرت فيه عدة روايات لكتاب مسلمين يستكشفون بؤر الصراع بين الثقافات الإسلامية المختلفة وطرائق العيش السائدة في أمريكا وأوروبا الغربية. وقال: “لا يهدف هؤلاء الكتاب لـتقديم تفسير للإسلام، أو للتقليل من شأنه والتهكم عليه، ويتحاشون كذلك نبرة التملق والتذاكي الموجودة في كثيراً من الكتابات الشعبية التي تتطرق إلى الهوية وصراع الثقافات في بريطانيا. وتابع القول، “إنهم يكتبون من الداخل عن تجاربهم منذ نشأتهم الأولى، وهـــــم يعيشون تحت أسر شبكة معقدة من العادات والتقاليد.”

ورأى الكاتب السوداني جمال محمد إبراهيم أن ليلى أبو العلا حققت فتحاً للكتابة السودانية والإبداع السوداني يوازي ما أحدثه الرّاحل الطيب صالح. وكتبت عنها جريدة “الإتحاد” الإماراتية: “تُظهر ليلى إمكانات سردية فذة وقدرة فائقة على بناء عوالم نابضة بالحياة، وتحرص على أن تقدم لك شخصياتها عارية بضعفها وانكساراتها وتناقضاتها وصراعاتها الداخلية.”

وجاء في مقال للكاتبة سوزانا طربوش: “تبدي أبو العلا تفوقاً في تفحص مشاعر شخصياتها والتحولات والتغيرات المفاجئة في تلك المشاعر. إنها تأخذنا إلى تلك العوالم الذاتية الخفية وترينا البعد ليس بين أشخاص من ثقافات مختلفة فحسب بل بين أفراد الأسرة الواحدة، وهي تقوم بذلك بأسلوب متميز يجمع الوضوح إلى الشاعرية.”

لكن الناقد السوداني أسامة الخواض وجه نقداً حاداً لرواية “المترجمة” وأعتبر أن أبو العلا “عبرت من خلالها عن رفض الأخر بدون تحفظ، وخسرت النقاش الحضاري والأخلاقي بين الغرب والعرب، وضحت بالمستوى الفني لصالح دعاية متشددة شعارها الغلبة لا الحوار.” وقال: “ما تربحه أبو العلا بمهارتها الروائية وقوة سردها، تخسره بدعاية متصلبة هي عدوة كل فنان. [المترجمة] ممتعة وقراءتها منعشة، لكنها تسير في اتجاه واحد لا يخدم الكاتبة ودعوتها بشيء.”

جوائز الكاتبة

حصلت ليلى أبو العلا في عام 2000 على جائزة “كين” العالمية للأدب الإفريقي عن قصتها “المتحف” The Museum المُضمّنة في مجموعتها القصصية “أضواء ملونة” التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة ماكميلان/ سيلفر بن. واعتمد مشروع أمريكي عنوانه “على رفّ مكتبة المسافر الإسلامي” هذه المجموعة ضمن 25 كتاباً للتعريف بالإرث الثقافي الإسلامي مطروحة للنقاش المفتوح.

ورُشحت روايتها “حارة المغنى” لنيل جائزة أفضل كتاب في اسكتلندا لعام 2011، وجرى إدراجها في القائمة القصيرة لجائزة “الكمونولث.” كما تم ترشيحها هي وروايتي “المترجمة” و”المنارة” لجائزتي أورنج للرواية، وايمباك دبلن الأدبية، ووضعت صحيفة “نيويورك تايمز” رواية “المترجمة” في تصنفها السنوي لأبرز 100 كتاب لعام 2006، ووصلت ذات الرواية إلى قائمة الترشيحات النهائية لجائزة سولتير في اسكتلندا.

وجرى بث عدد من قصص ومسرحيات الكاتبة على شكل حلقات في إذاعة الـ بي بي سي بمعالجة درامية، وتم إدراج بعض أعمالها في برامج تعليمية وثقافية مدعومة من قبل المجلس الثقافي البريطاني، ووكالة الدعم الوطني الإنساني في الولايات المتحدة.