وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عزيز الحسني: سائق سيارة الأجرة العُماني الذي أصبح عضواً في البرلمان

عمان
عزيز الحسني. Photo Twitter

كسر المواطن العماني عزيز بن سالم الحسني واحدة من القواعد الكبرى في السياسة في العالم العربي، وحقق الاستثناء. ففي العالم العربي يُحتكر الطموح وبلوغ المناصب والوظائف العمومية على فئات بعينها؛ تلك الفئات التي تولد وتنمو وتتشكل ملامحها ضمن دوائر السلطة، بالمعني السياسي أو السلطة بالمعني القبلي أو السلطة بالمعنى المالي. خارج هذه الدوائر تتحطم الأحلام على صخرة الواقع المر الأليم، لكن عزيز الحسني، الذي خرج من صفوف الناس العاديين، تمكن من بلوغ منصب سياسي رفيع دون أن ينتمى إلى أي من دوائر السلطة والنفوذ، فهذا الشاب النحيف الذي لوحته شمس عُمان اللاهبة، وأنهكه الأسفلت الذي يعبر عليه، بسيارة الإجرة التي يقودها، طوال ساعات نهاره وجزءاً من ساعات ليله، أصبح اليوم عضواً منتخباً في برلمان بلاده المسمى (مجلس الشورى).

فكيف تمكن عزيز بن سالم الحسني من الانتقال من وظيفة سائق تاكسي إلى عضو برلمان منتخب عن ولاية بوشر، وهي أكبر ولايات محافظة العاصمة مسقط؟ وماهي القصة وراء هذا النجاح؟

ولد عزيز الحسني عام 1977 لأسرة عُمانية بسيطة. في صباه وشبابه الباكر احترف لعب كرة القدم وكان ضمن فريق ولايته “بوشر،” غير أن صعوبات الحياة وتحدياتها دفعته إلى ترك المدرسة مبكراً مكتفياً بشهادة الثانوية العامة، والانخراط في سوق العمل، غير أن ذلك الاضطرار لم يكن سوى البوابة التي سيعبر من خلالها عزيز الحسني إلى قضايا البسطاء وأسئلتهم وهمومهم، فكان، إلى جانب عمله كسائق سيارة إجرة، رسول المواطنين إلى المسؤولين والجهات والدوائر الخدمية في الحكومة.

بعد تركه المدرسة التحق عزيز الحسني للعمل موظفاً بوزارة الشؤون الرياضية، لكنه قرر ترك وظيفة الوزارة والتفرغ للعمل كسائق سيارة إجرة، رغم الفرق في المكانة الاجتماعية بين “الموظف الحكومي” و” سائق سيارة الأجرة”، “غير أن العمل، أياً كان، ليس عيباً، طالما يستيطع الإنسان من خلاله العيش بكرامة وإعالة أسرته” حسب قوله.

ويقول أحد أصدقاء عزيز الحسني المقربين “عزيز رجل بسيط جداً لكنه صادق في مشاعره تجاه الناس ورغبته في مساعدتهم… فلم يكن يسمع بحاجة أسرة إلى مساعدة إلا ويبادر إلى جمع التبرعات لها وتقديم ما تحتاجه من معونات.

انخرط عزيز بن سالم الحسني مبكراً في الأعمال التطوعية والأعمال الخيرية في ولاية “بوشر.” لكن القضية التي لفتت إليه الأنظار وجعلت منه بطلاً في عيون الشباب من أبناء ولاية بوشر هي تصديه قبل سنوات لمحاولات الاستيلاء على مساحات من أراضي الولاية لأغراض تجارية إذ وقف بشراسة ضد متنفذين حاولوا وضعه أيديهم على تلك المساحات ونجح في منعهم. وهي القضية التي تفاعلت حتى بلغت جهات عليا في عُمان.

وعندما تفرغ الحسني لعمله الخاص كسائق سيارة إجرة ينقل الناس من المطار إلى مناطق مسقط المختلفة، تفرغ في الوقت ذاته، لخدمة الناس في ولايته، فكان يحمل خطابات وطلبات المواطنين إلى الجهات الخدمية والمؤسسات الحكومية المختلفة، وكان يسعى لمقابلة المسؤولين من أجل مناقشتهم في طلبات سكان ولايته “بوشر.” ويقول إنه حمل أكثر من 1100 رسالة مختلفة وتجول بها بين الوزارات والمؤسسات وتردد كثيراً على أروقة وردهات مكاتب المسؤولين في جميع الوحدات الحكومية والخاصة بحثاً عمن يستمع إليه لينقل معاناة الناس واحتياجاتهم.” وكان، في أغلب الأحوال، ينجح في الوصول إلى مكاتب المسؤولين وعرض قضايا وطلبات المواطنين عليهم.

لقد كانت تلك الرسائل والخطابات جواز مرور عزيز بن سالم الحسني إلى قبة مجلس الشورى، فكان كلما نجح في إيصال طلب مواطن إلى جهة الاختصاص في الدولة كلما ارتبط بالناس وبالشأن العام أكثر، كلما شعر أنه يرغب في مواصلة عمله في خدمة المواطنين، ومن هنا ولدّ قراره خوض انتخابات مجلس الشورى الذي تلقفه أهل ولايته بترحاب كبير.

حلم أصبح حقيقه

ولد هذا القرار/ الحلم في العام 2011 ، يوم كان الشارع العماني يحتشد حراكاً ودعوات للاصلاح السياسي والاقتصادي. في ذلك العام فكر سائق التاكسي عزيز بن سالم الحسني أن
دوره قد حان لأن يكون رقماً صعباً في معادلات التغيير في بلاده، فأعلن نفسه مرشحاً عن ولايته “بوشر” في انتخابات الفترة السابعة لمجلس الشورى لكن الحظ لم يحالفه يومها، فحل في المركز الرابع، وعاد إلى حياته الطبيعية دون أن يفارق الحلم خياله، لكن كان على حُلِم بلوغ قبة البرلمان أن ينتظر خمس سنوات قبل أن يتحقق أخيراً.

وفي الدورة الثامنة لمجلس الشورى ( أكتوبر 2015) عاد عزيز الحسني لخوض المنافسات مجدداً ولكنه هذه المرة كان متسلحاً بخبرة أفضل وعلاقات أوسع مستفيداً من تجربة الدورة السابعة التي لم يحقق الفوز فيها، حيث كسب هذه المرة الرهان.

شكّل فريقه الانتخابي من مجموعة من شباب بوشر الذي اشتغل بهدوء وبسرية في إدارة تحضيراته للانتخابات من خلال غرفة مغلقة، وباستخدام شبكات التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك وأساليب إقناعية لكسب أصوات أهالي بوشر على شقين تمثلا في أبناء الولاية والمواطنين المقيمين فيها من الولايات الأخرى، وأيضاً عبر الملصقات الإعلانية على الشوارع الرئيسية في الولاية.

مجموعة من المثقفين والآكاديميين من أبناء ولاية بوشر، قرروا بدورهم الانحياز إلى الرجل البسيط الذي يطمح لأن يصبح برلمانياً، فساندوه بالنصحية وبجمع التبرعات المالية وبصياغة برنامجه الانتخابي ولوحاته الإعلانية.

عمل الفريق الانتخابي بدقة من أجل إنجاح مرشحهم وسط منافسة مرشحين آخرين بعضهم ينتمون إلى عوائل وقبائل ذات نفوذ اجتماعي ومالي كبيرين.، لكن أقل المترشحين إمكانات مالية كان أكثرهم حضوراً اجتماعياً ونجاحاً انتخابياً. فعزيز الحسني، كما يقول لم يصرف ريالاً واحداً من جيبه على حملته الانتخابية

وكان المرشح عزيز الحسني يتلقي الناخبين في تجمعات صغيرة في حدود 25 شخصاً لأن الالتقاء بأعداد قليلة يسهل اقناعهم بالبرنامج الانتخابي.

عزيز بن سالم الحسني الذي يُعده نحو عشرة آلاف سائق سيارة إجرة في محافظة مسقط ممثلهم تحت قبة البرلمان… كان ، حتى قبل انتخابه عضواً في مجلس الشورى، قد تبنى قضية تنظيم مهنة سائقي سيارات الإجرة في البلاد، هذه المهنة التي لم يُلتفت إليها جيداً بعد، ولم تنل الاهتمام الذي يوازي أهميتها. فهو يُشّبه سائق سيارة الأجرة بسفير بلاده الذي يُعطي الانطباع الأول عن البلد لدى الزائر. وهو يدعو اليوم إلى ضرورة الاهتمام بقطاع سائقي سيارات الإجرة ومساعدتهم على تنظيم مهنتهم وتحسين أوضاعهم، فمهنة سائق سيارة الإجرة كأي مهنة تتطلب إيجاد التشريعات المُنظمة لها والتي تحفظ حقوق مزاوليها.

لكن الحسني الذي عركته التجارب يرى أن ثمة مشكلة في صياغة بعض القوانين والتشريعات في البلاد، فأغلب من يقومون بصياغة مشاريع القوانين والتشريعات هم موظفون مكتبيون لا يعرفون احتياجات الشارع والناس الحقيقية، وبالتالي فإن بعض هذه القوانيين لم تعد تواكب احتياجات الشعب.

ويدعو صُنّاع القرار إلى الاستماع لأمثاله ممن يعرفون احتياجات الناس وقضاياهم الجوهرية، فالجميع لديهم ” الطموح والرغبة في التطوير والتغيير.

ومع بدء فترة الانعقاد الأولى لمجلس الشورى العماني، يبرز عزيز بن سالم الحسني كصوت مختلف لم يأتي من مؤسسة القبيلة ولا من مؤسسة المال حال أعضاء آخرين، لكنه يأتي من مؤسسة المجتع الأوسع والأشمل ويسعى لتمثيل هذه المؤسسة كما ينبغى، ولأن يكون صوتاً لناخبيه، لأن “عضو مجلس الشورى ينبغي أن يكون قريباً من الناس ممثلاً لأصواتهم ومطالبهم بالصورة الصحيحة”.

إن قصة نجاح العماني عزيز بن سالم الحسني الذي انتقل من كونه سائق سيارة إجرة بسيط إلى برلماني مُنتخب، هي واحدة من قصص نجاح أخرى مشابهة يحفل بها المجتمع العماني.

user placeholder
written by
telesto
المزيد telesto articles