وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

البابا تواضروس الثاني: خدمة المجتمع القبطي في مصر من خلال تحالفٍ سياسي مُريب

القبطية البابا تاوضروس الثاني مصر
تواضروس الثاني Photo Amr Nabil

“الأهم هو أن تخدم الكنيسة… كمؤسسة، المجتمع،” هذا ما قاله البابا تواضروس الثاني للصحفيين بعد تسميته بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الـ118 في مصر في نوفمبر 2012. ومنذ ترسيمه، “خدم [البابا] المجتمع،” من خلال لعبه دوراً سياساً فعالاً.

ففي أعقاب ثورة 25 يناير لعام 2011، والتي أسفرت عن الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، عانى مسيحيوا مصر، الذي تُقدر نسبتهم بنحو 10% من سكان مصر البالغ عددهم 90 مليون نسمة، من أوقاتٍ مضطربة. فقد فاز محمد مرسي من جماعة الإخوان المسلمين بالانتخابات الرئاسية في يونيو 2012، كما هيمنت الأحزاب الإسلامية على البرلمان، حيث كانت البلاد لا تزال تحت وطأة الاضطرابات السياسية والاجتماعية. وعلاوة على ذلك، فجع الهجوم على كنيسةٍ في الاسكندرية والذي تسبب بمقتل 23 شخصاً في الأول من يناير 2011 المجتمع القبطي، وأثار التوترات بين المسلمين والأقباط. وفي أعقاب الهجوم، اشتبك الأقباط مع قوات الأمن متهمين النظام بالتمييز ضد الأقليات وعدم توفير الحماية الكافية لهم من المتشددين الإسلاميين.

وفي مقابلةٍ مع الأنبا تواضروس بعد فترةٍ وجيزة من رسامته، أظهر وعياً كبيراً بالتحديات السياسية، إذ قال “ينبغي أن نشارك وسنشارك بفعالية بأي حوارٍ وطني نرى فيه فائدةً للأمة.” وُلِد تواضروس باسم وجيه صبحي باقي سليمان في 4 نوفمبر 1952. درس الصيدلة في جامعة الإسكندرية، قبل أن ينضم إلى دير وادي النطرون عام 1986 لدراسة اللاهوت. أصبح قساً في عام 1989. وفي عام 1997 أصبح الأسقف تواضروس، وهو الاسم القبطي لثيودور، في ظل البابا شنودة الثالث.

يعود تاريخ الكنيسة القبطية إلى القرن الأول الميلادي، عندما، وفقاً للعرف المتناقل، أسس القديس مرقس كنيسةً في مدينة الإسكندرية. انفصلت الكنيسة عن الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية بعد مجمع خلقيدونية سنة 451، بعد خلافٍ فقهي حول طبيعة السيد المسيح الإلهية. دخل تواضروس الساحة السياسية في يوليو 2013، عندما أعلن اللواء عبد الفتاح السيسي، آنذاك، الإطاحة بمرسي في خطابٍ متلفز، حيث كان تواضروس يقف إلى جانبه وذلك برفقة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر، أحمد الطيب.

وفي السنوات التي تلت ذلك، كان البابا مؤيداً صريحاً للسيسي، الرئيس الحالي. فعلى سبيل المثال، قُبيل زيارة السيسي إلى الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2016، دعا الأنبا الأقباط في المهجر للتظاهر دعماً للسيسي. كما واجه البابا أيضاً جدلاً داخلياً في عهده. فقد دعا الإصلاحيون مراراً وتكراراً إلى توسيع نطاق أسباب الطلاق، التي كانت محدودة بالزنا وتغيير الدين في الكنيسة القبطية.

وبالتالي، نص قانونٌ كنسيّ جديد، تمت الموافقة عليه في مارس 2016، على أن العجز الجنسي والأمراض المنقولة جنسياً، فضلاً عن الإنفصال لمدة تتراوح ما بين عامٍ وثلاثة أعوام، من موجبات الطلاق أيضاً. ومع ذلك، لم يُدرج العنف المنزلي، وهو مطلبٌ من قِبل العديد من الشباب الأقباط، كأحد أسباب الطلاق. وفي الوقت نفسه، فرضت الكنيسة قواعد أكثر صرامة فيما يتعلق بمن يستطيع الزواج في الكنيسة، مثل تمديد الحد الأدنى لفترة الخطوبة لمدة ستة أشهر ودورة إلزامية للزوجين، وفقاً لما قاله القبطي جورج سيف لـFanack. وفي حين يشعر الأقباط بالارتياح بصفةٍ عامة لإزاحة السيسي جماعة الإخوان المسلمين من السُلطة، إلا أن دعم الكنيسة للنظام شابه بعض الإنتقادات. وائل اسكندر، ناشط سياسي قبطي، أحد هؤلاء المنتقدين. وكما يقول “يُساوم البابا على مكانته كزعيمٍ روحي لتحقيق مكاسب إدارية،” موضحاً أن البابا يرفض التحدث علناً عن تجاوزات النظام.

ومن الأمثلة على ذلك، تصريحات البابا فيما يتعلق بمظاهرات ماسبيرو في أكتوبر 2011، عندما قتل 28 قبطياً في اشتباكاتٍ مع الجيش. ففي مقابلتين منفصلتين، امتنع بدايةً عن اتهام الجيش وألمح في وقتٍ لاحق بأن جماعة الإخوان المسلمين مسؤولة عن جر الأقباط إلى أعمال العنف. وإلى جانب ذلك، عندما تم في مايو 2016، تعرية سيدة قبطية عجوز وجرها في شوارع قرية الكرم جنوب محافظة المنيا من قبل حشود من المسلمين، لم يعبر البابا عن إدانته الشديدة للواقعة. عوضاً عن ذلك، دعا إلى ضبط النفس وحذر من مغبة استخدام الحادث “لإشعال الفتنة الطائفية.”

فيما أصدر الأنبا مكاريوس، مطران الأقباط الأرثوذكس بالمنيا بياناً أشار فيه إلى أن رد الشرطة لم يكن ملائماً، وألمح إلى أنه لو كانت السيدة التي تمت إهانتها مسلمة، لتعاملت السُلطات مع الحادثة بشكلٍ مختلف.

تُشير الحوادث كهذه إلى أن تواضروس على أتم الاستعداد لفعل ما يتطلبه الأمر للبقاء على مقربةٍ من النظام. وأفضل الأمثلة على “المكاسب الإدارية” التي يسعى إليها البابا، قانون بناء الكنائس الجديد، الذي تمت الموافقة عليه في أغسطس الماضي. فبناء الكنائس، كان ولا يزال، قضيةً حساسةً منذ عقود. فوفقاً لمجموعة قوانين من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تم منح موافقات البناء بشكلٍ تعسفي، وكانت عُرضةً للتمييز. ويهدف القانون الجديد لبناء الكنائس إلى وضع حدٍ لهذه الموافقات التعسفية، حيث اعتبرته القيادات القبطية خطوةً إلى الأمام. ومع ذلك، انتقدت جماعاتٌ حقوقية القانون، حيث ذكرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) في بيانٍ لها أن القانون “يعيد إنتاج الأمر الواقع.”

ووفقاً للمبادرة المصرية، فرض القانون على بناء الكنيسة فحسب، دون أن يشمل دور العبادة الأخرى، تمييزيٌ بحد ذاته. وعلاوة على ذلك، وفقاً للقانون، تقع تصاريح السُلطات ببناء الكنائس وترميمها، قانونياً، في إطار جهاز الإدارة والأمن. أي بمعنى آخر، ما كان يُشكل مشكلةً في المقام الأول، أصبح اليوم مثبّت قانونياً. ويصف اسكندر دعم البابا “غير المشروط” للنظام بـ”الصفقة السياسية المروعة.” ويُضيف “تقديمه الدعم دون أي ضماناتٍ في المقابل، يسلب، عملياً، قوة المجتمع القبطي.” وإلى حدٍ ما، يفهم اسكندر أزمة الأقباط في مصر. وهو يعتقد أن القيادة القبطية “عالقة” في خوفٍ يعود تاريخيه إلى سبعينيات وثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، عندما شُنت سلسلة من الهجمات الإسلامية ضدهم، و”لم يكن هناك بديلٌ بين الإسلاميين أو النظام.” واليوم يرى مصر مختلفة، ولكن، “لم يعد هناك خيارين فحسب، بل هناك بدائل.” فينبغي على البابا “محاربة الطائفية، أياً كان النظام الذي يتقلد السُلطة.”

user placeholder
written by
Ahmad Kamal
المزيد Ahmad Kamal articles