للمجوهرات والحُلي المصرية تاريخ طويل منذ اكتشاف الآثار المصرية القديمة التي أبهرت العالم وغمرت متاحف ومعارض في معظم دول العالم. فقد تمكنت مصممة المجوهرات عزة فهمي، التي وضعت لمسة عصريةً على هذا الفن القديم، من اقتحام هذا المجال الذي يُهيمن عليه الرجال منذ حوالي 50 عاماً.
شقت عزة طريقها نحو عالم الشهرة العالمية في عام 1969 عندما وقع بين أيديها، بعد تخرجها من كلية التصميم الداخلي بينما كانت في منتصف العشرينيات من عمرها، كتاب عن المجوهرات والحُلي الأوروبية في العصور الوسطى. تستذكر تلك اللحظات بقولها “بدأ قلبي ينبض بقوة وكانت لحظةً أنارت طريقي.” وأضافت “لم يخطر ببالي قط أني قد أصنع المجوهرات، ولكن بمجرد رؤيتي للكتاب فكرت، لمَ لا؟”.
صقلت مهاراتها كمتدربة في العاصمة القاهرة، حيث تتلمذت على يد أمهر الحرفيين والصُنّاع في خان الخليلي بكل جد واجتهاد. كانت تذهب إلى الورشة بعد انقضاء ساعات عملها الحكومي كمصورة ورسامة للكتب وحتى ساعات متأخرة من الليل تُحاول أن تُنفذ ما تتعلمه.
ولم يُثنها عن حلمها هذا التعب والمشقة ولا أنها المرأة الوحيدة في الورشة وإنما كان شغفها أكبر من كل التحديات لتتخطى جميع مراحل الصناعة من البداية بالتعرف على المعادن وكيفية بردها ونحتها وحتى تشكيل وتصميم قطع بنفسها، لتكون أول أعمالها خمسة خواتم من الفضة. وتقول فمهي في حوارها مع فايننشال تايمز، التي صنفتها عام 2007 ضمن قائمة رائدات الأعمال الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط، “قمت بربط شعري إلى الوراء ولبست بدلة العمل وقضيت أيامي في ورشة مليئة بالرجال الذين كانوا يتعلمون مهارات صناعة المجوهرات حيث كنت أجلس معهم لأعمل على تصميماتي الخاصة بينما كانوا يصنعون الخراطيش الفرعونية الذهبية.”
بعد فترة من التعلم الحرفي، حصلت على منحة من المجلس الثقافي البريطاني للدراسة في كلية الفنون التطبيقية بجامعة في العاصمة البريطانية لندن. كما افتتحت أول معارضها عام 1974، لتُطلق لوناً جديداً من فنون الحُلي والمجوهرات يحمل الطابع العربي والشرقي، وتقوم بافتتاح أول منفذ بيع خاص بها في القاهرة عام 1981.
وفي عام 2002 أقامت فهمي مصنعها الكبير لإنتاج الحُلي والمجوهرات والتحف الفنية على أطراف القاهرة، حيث قامت بتدريب وتعليم العشرات من الصُناع على فنون الصناعة حتى بلغ عدد العمال قرابة 200 عامل وحرفي وصانع، لتتحول الورشة الصغيرة إلى كيان كبير يمتلك 14 فرعاً في العديد من الدول العربية مثل السعودية وقطر والبحرين والامارات ودول أخرى أوروبية مثل إنجلترا وكذلك في الولايات المتحدة. علاوةً على ذلك، واصلت إقامة المعارض حول العالم، كان أشهرها معرض أُقيم في مقر السفارة المصرية بواشنطن عام 2008، الذي تضمن مزاداً غير علني لإحدى تحفها من مجموعتها الخاصة والتي تم تخصيصه لصالح مستشفى لعلاج مرضى السرطان من الأطفال في مصر.
تمتاز تصاميمها بالجمع بين الجمال المعاصر والتقنيات القديمة مثل التخريمات والثقوب اليدوية، لتقص حكايا ورواياتٍ ثقافية بقدر كونها زينة تتجمل بها النساء. وغالباً ما تحمل مجوهراتها، مثل قلادة اللؤلؤ التي ارتدها كارين هيوز، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة خلال جولتها بالشرق الأوسط في سبتمر 2009، نصوصاً باللغة العربية تحمل رسائل الحب والصداقة والسلام. هذا بالإضافة إلى أبيات شعرٍ لشعراء الأدب العربي أو مشاهد لجامع أحمد ابن طولون أو جامع الأزهر، ورسومات وحكم وأشكال من الحضارات العثمانية والمغولية والفاطمية والإسلامية.
كما كرست مجموعاتٍ أخرى للتراث الإسلامي مثل مجموعة “الحج،” التي عرضت في معرض الحج بالمتحف البريطاني عام 2012. ضمت المجموعة قطع جميلة مستوحاة من مناسك الحج الإسلامي تعرض تفسيرات تاريخية للجمال والفن متوجة باللمسة المعاصرة، تلك اللمسة الفريدة التي استطاعت بها أن تكون مقصد ووجهة مصممي الأزياء والمخرجين والأمراء والأميرات ومشاهير العالم، بمن فيهم الملكة رانيا ملكة الأردن، والمغنية ريانا وعارضة الأزياء الشهيرة ناعومي كامبل، لتحمل التراث الإسلامي والعربي إلى كل شعوب العالم.
وفي عام 2006، تعاونت ابنة محافظة سوهاج بصعيد مصر، مع المصمم العالمي جوليان ماكدونالد، أكبر مصمم للأزياء في المملكة المتحدة لتصمم له مجوهرات خاصة من عشرين قطعة لعرض أزياءه خلال أسبوع الأزياء في لندن عام 2007، ثم مرة أخرى من خلال مجموعة تتكون من 13 قطعة قدمها ماكدونالد في عرضه بعد عام. وفي عام 2010 شاركت عزة فهمي مع مؤسسة “برين،” وهي منظمة أمريكية غير ربحية، حيث قدمت مجموعة عزة فهمي الخاصة خلال عرض أزياء في أسبوع الأزياء بمدينة نيويورك.
كما عرضت مجموعاتها في المنشورات والصحف والدوريات العالمية مثل مجلة فانيتي فير، ونيويورك تايمز، وكذلك ارتدى الأبطال والبطلات في بعض الأفلام السينمائية الشهيرة مثل المهاجر والمصير وشفيقة ومتولي، مجوهراتها.
أطلقت أول كتبها عام 2007 حاملاً اسم “مجوهرات مصر الساحرة” والذي يتحدث عن ميراث مصر من الحلي عبر القرن الماضي، فضلاً عن سرد رحلة فهمي الخاصة من التدريب إلى أن أصبحت واحدةً من أشهر صائغي المجوهرات في مصر.
ومن التركيز على فن المجوهرات، أضافت عزة فهمي اليوم إلى مجموعاتها خطوط الهدايا مثل سلاسل المفاتيح والبراويز وأزرار القمصان، حيث بات يقصدها أكبر وأشهر مصممي الأزياء وأضخم شركات صناعة الملابس والهدايا في العالم، ويُصبح اقتناء قطعة من الملابس مُزينة بإحدى تحفها هو عنوان الشياكة والأناقة لأثرياء العالم، لتصبح واحدة من أهم المنافسين في العالم لكيانات وعلامات ضخمة وعريقة أمثال كارتييه وبولغاري.
إن نجاح عزة فهمي في قطاعٍ يُهيمن عليه الرجال منذ عقود عكس قصةً من الحماس والمثابرة والتحديات، فتقول في إحدى حواراتها الصحفية “عليك العمل بجد لتناسب منتجات العلامة التجارية السوق. فالجزء الأصعب من العملية هو أن تخلق توازناً فتقدّم ما يلقى إعجاباً عالمياً من دون التخلي عن هوية العلامة التجارية”.
عزة فهمي متزوجة ولها ابنتان. وفي الوقت الراهن، تساعدها ابنتها الصغرى أمينة على تطوير مجموعاتها بينما استلمت ابنتها الكبرى، فاطمة، دفة القيادة في شركتها. منح هذا عزة فهمي الحرية لتُنشئ استديو ومدرسة عزة فهمي لتصميم الحُلي، وهي مدرسة متخصصة في صناعة المجوهرات والتصميم في القاهرة. كما أسست مشروع “نوبري Nubre” –وهو ترجمة لكلمة “تصميم” باللغة النوبية” -لتعزيز ثقافة تصميم المجوهرات من خلال ورشات العمل بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، التي تركز على توفير التعليم المهني من خلال برامج تبادل الطلاب والمشاريع الإنمائية التي تغذي القطاعات الإبداعية وتسهّل تناقل المعرفة في قطاع صناعة المجوهرات.
وفي يوم المرأة عام 2017، كرّم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عزة فهمي كإحدى أهم النساء المصريات الرائدات في العالم. إن إيمانها بمنح المرأة العربية فرصتها في ريادة الأعمال سيكون له بالغ الأثر على الاقتصاد العربي وانطلاقه نحو العالمية، مما جعل شعارها في الحياة “حدودي هي السماء.”