لعله يعتبر من أكثر الشخصيات جدلاً في المحيط الفلسطيني، ذلك القيادي الفلسطيني الذي إرتفع صيته عنان السماء منذ شبابه، محمد دحلان ولد في 29 سبتمبر 1961 في مدينة خان يونس في قطاع غزة و تنحدر أصوله من قرية حمامة في مناطق عام 1948.
دحلان قيادي وسياسي فلسطيني، أحد مؤسسي حركة الشبيبة الفتحاوية في قطاع غزة (الشبيبة) بداية ثمانينات القرن الماضي. قضى خمس سنوات في السجون الإسرائيلية في الفترة ما بين عام 1981- 1986، قبل ترحيله إلى الأردن عام 1988 من قبل حكومة تل أبيب.
تولى رئاسة جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة بعد عودتة الى أرض الوطن، وتم تعينة من قبل الرئيس الراحل ياسر عرفات لعضوية المجلس الثوري لحركة فتح، ومن ثم تقلد منصب مستشار الأمن القومي في عهد عرفات.
وتولى منصب سُمي بـ “وزير الشؤون الامنية” لفترة وجيزة أثناء تولي محمود عباس لرئاسة الوزراء لعدة شهور عام 2003. اختارته السلطة الفلسطينية عضواً ضمن فريق التفاوض الفلسطيني في مرحلة ما بعد توقيع إتفاق أوسلو.
وفي عام 2006، وفي الإنتخابات التشريعة للسلطة الوطنية الفلسطينية فاز بشكل مباشر عن دائرة محافظة خان يونس وحصل على أعلى نسبة أصوات، وفي المؤتمر السادس لحركة فتح الذي عقد بمدينة بيت لحم عام 2009 تم إنتخابه عضو في اللجنة المركزية، حيث تم إسناد مهمة مفوضية الإعلام والثقافة له في اللجنة المركزية لحركة فتح.
تميزت شخصية دحلان السياسية بالكثير من الاضطراب والتناقض داخل المجتمع الفلسطيني، فبخلاف السياسيين الفلسطينيين الآخرين الذين يتمتعون إما بالتأييد أو عدم التأييد من قبل المجتمع و التيارات السياسية، كان ومازال الوضع بالنسبة لدحلان مغايراً، إما بالتأييد الجارف لدرجة المحبة القصوى، وإما الإعتراض الشديد لدرجة الكره.
دحلان الذي بلا شك يتمتع بشخصية كاريزماتية من الطراز الأول تم وصفه في وسائل الإعلام بصفات متناقضة جدا، فمنهم من وصفه بالمتسلق الذي يريد إزاحة كل من هو أمامه للوصول لقمة الهرم، ومنهم من وصفه بالمنقذ للوضع المأساوي خاصة في قطاع غزة.
من أجل الوصول لأهدافه خلع الرجل معطفه الأمني الذي تقلده لسنوات طويلة، ولبس المعطف السياسي. تم توصيفه من قبل معارضية بأنه المطيع الأول لكل من أمريكا وإسرائيل وبالتالي فهو ينقلب ضد أصدقائه قبل خصومه من أجل الوصول لغايته.
لهذا السبب لم يتوانى دحلان في إستخدام العصا الغليظة ضد معارضي إتفاقية أسلو وخاصة اصحاب الرايات الخضراء (حماس)، ولم يتوانى أيضاً في حشد انصاره عام 2003 للقيام بمظاهرات ضد عرفات للمطالبة بمحاربة الفساد وإجراء إصلاحات داخل السلطة.
ركوبه لموجة الإصلاح كانت تهدف من ناحية لتحقيق النفوذ والصلاحيات والسلطة، خاصة وانه صرح ذات يوم لصحيفة الوطن الكويتية عام 2004 بأن “الرئيس عرفات يجلس على جثث وخراب الفلسطينيين، في وقت الفلسطينيين هم أحوج فيه إلى عقلية ومنهجية جديدة”.
أراد دحلان من موقفه هذا إيصال رسالة تعزز من مكانته لدى صناع القرار الاسرائيلي والدولي على أنه صاحب العقلية والمنهجية الجديدة وعلى قدرته تولي قيادة الشعب الفلسطيني وإنهاء حقبة عرفات.
في حقيقة الأمر لم يتجرأ أي شخص بمثل هذا التطاول على الزعيم الفلسطيني الراحل كما تجرأ عليه دحلان. تلك المواقف التي تصف من قبل البعض على انها “جرأة” وتوصف من قبل آخرين على إنها “جرأة فظة وغير مهذبة” تعتبر من أهم ما تميز شخصية دحلان السياسية.
الصراع مع عباس
المواقف النارية لدحلان لم تقتصرعلى خصومه السياسيين من التيارات الاسلامية وخاصة حماس ولعرفات في نهاية حقبته، وإنما تطورت ضد صديقه صاحب نفس النهج السياسي محمود عباس، حيث إرتفعت وتيره الإتهامات من قبل دحلان ضد عباس وإتهامه خاصة لأبناء عباس بالفساد المالي، جعل أبو مازن يخرج عن صبره، وكرئيس للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، تم فصل دحلان من اللجنة المركزية ومن حركة فتح بشكل نهائي شهر يونيو لعام 2011 بعد عرض تقارير تتحدث عن قضايا جنائية ومالية، وأحيل على إثرها للقضاء.
وتيرة الإتهامات تزايدت بعد فصله من الحركة وأصبحت تعرف بـ “نشر الغسيل القذر على الملأ”، حيث تم إتهام دحلان من قبل أبو مازن في جلسة للمجلس الثوري في شهر مارس لعام 2014 بضلوعه بالمساهمة في إغتيال عرفات، بالإضافة إلى مساهمته في قتل ستة شخصيات سياسية فلسطينية بارزة أثناء توليه مهمة الأمن الوقائي بغزة، بالإضافة إلى ملفات فساد مالية.
من ناحيته أتهم دحلان عباس بسرقة أموال الشعب الفلسطيني وخاصة صندوق الإستثمار الفلسطيني، وبأن عباس يحاول توريث أبنائه الحكم. ولم تفلح الوساطات التي أرسلها دحلان الى أبو مازن للمصالحة، فقد رفض عباس كل المحاولات وباءت جميع التكهنات بعودة الإبن الضال لحركة فتح بالفشل.
وفي شهر مايو2012، أصدرت محكمة فلسطينية قراراً بالحبس الفعلي لمدة سنتين على القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان بتهمة القدح والذم والتحقير بمؤسسات الدولة الفلسطينية، وعليه رفعت الحصانة البرلمانية عنه بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
هنا يجب الإشارة إلى الجدل القانوني بقانونية رفع الحصانة عن برلماني من قبل الرئيس، حيث لم يعقد المجلس التشريعي الفلسط (في حالة دحلان) ليتم التصويت على رفع الحصانة البرلمانية عن أحد اعضائه وهو ما ينص عليه القانون الفلسطيني. بغض النظر عن الجدلية القانونية فقرار رفع الحصانة مكَّن رئيس هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية رفيق النتشة، من فتح وإحالة ملف لدحلان إلى محكمة جرائم الفساد، بتهمة الفساد وتهمة الكسب غير المشروع، وذلك في نهاية عام 2014.
من الضفة الغربية الى ابو ظبي
ومنذ خروجه عام 2011 من الأراضي الفلسطينية لم يستطع دحلان العودة مجدداً وأقام بشكل دائم في دولة الإمارات العربية المتحدة. دحلان ومنذ بداية الربيع العربي أصبح ينظر لنفسه أنه جزء من المعادلة الإقليمية وليس فقط ضمن المعادلة الفلسطينية ومستقبلها.
وحسب المراقبين استطاع دحلان من تمكين وضعه بين شيوخ الخليج وتبوء منصب المستشار الأمني لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، الذي تم إقناعه من قبل دحلان بالإستثمار في صربيا والجبل الأسود، حيث كافأه رئيس صربيا مؤخراً بالجنسية الصربية لإسهامه في الإستثمارات الإماراتية بملايين الدولارات.
من ناحية آخرى، فإن حضوره اللافت في الساحة المصرية، يُظهر على أنه على علاقة وطيدة مع رجل مصر القوي عبد الفتاح السيسي.
البعض ينظر على أن بعض دول الجوار، وربما واشنطن، يعملون على تحضير دحلان لأمر ما، قد يكون إحلاله مكان عباس في البداية في حركة فتح، وفيما بعد للسلطة الفلسطينية. هذا الإعتقاد ليس بالضرورة أن يجاوبه الصواب، خاصة عند الأخذ بالإعتبار أنه لا مصلحة من تغيير عباس بدحلان خاصة ونحن نتحدث عن شخصيتين غير مختلفين سياسياً.
التحليل المنطقي للأحداث يظهر أن دحلان أوجد لنفسه هالة كبيرة إعلاميا لكي يوهم المجتمع الفلسطيني أنه يمثل المستقبل للشعب الفلسطيني، وأنه قادر على إدارة الملف الفلسطيني ولديه شعبية كبيرة من حوله.
ليس من المنطقى التقليل من شأن دحلان ولكن عند الأخذ بالمعطيات نجد أن دحلان لا توجد لديه قوة حقيقة على الأرض، فالتيار “الدحلاني” يحارب بقوة من قبل أبو مازن ويتم فصل مؤيديه في مؤسسات السلطة في الضفة الغربية واحداً تلو الآخر، أما في قطاع غزة فأنصاره هم فقط من يعملون بمؤسسات المجتمع المدني التي تتلقى الدعم المالي من قبل زوجته جليلة دحلان، التي تزرو قطاع غزة بين الفترة والاخرى.
محاولات المصالحة مع حماس
الترويج الذي حصل في الاشهر الأخيرة بأن هناك مصالحة بين حماس ودحلان كانت مجرد بالونات إختبار في الهواء لمعرفة رد فعل أنصار حماس، حيث تمت بالفعل بعض اللقاءات بين الطرفين في الإمارات العربية، ولهذا السبب سمح لزوجة دحلان التنقل والسفر والعمل بحرية مع جمعيات أهلية لدعم التيار الذي يعرف بالدحلاني.
حماس درست فرضية عقد صفقات سياسية مع دحلان وعدم التعويل على عباس والإستفادة من دحلان للوساطة لدى القيادة المصرية لفتح المعبر الفلسطيني تجاه مصر (معبر رفح)، وعليه تسمح لدحلان وتياره بالعمل بنوع من الحرية في قطاع غزة.
ولكن في نهاية المطاف صرفت حماس النظر عن الفكرة برمتها بسبب رفض فكرة تقبل الشراكة السياسية مع دحلان من غالبية أنصار حماس، خاصة وأن حماس تُحمل دحلان شخصياً مسؤولية الإنقسام الذي حصل منتصف عام 2007، بالإضافة الى تحميل دحلان شخصيا أثناء توليه الأمن الوقائي المسؤولية عن قتل وتعذيب العشرات من قيادة وأنصار حركة حماس.
وعلاوة على ذلك تم إتهام دحلان من قبل أنصار حركة حماس بلعب دور غير وطني أثناء الحرب الأخيرة على غزة. يكفى الذكر هنا ما قالة محمود الزهار القيادي في حركة حماس مؤخراً عن إمكانية المصالحة بين حماس ودحلان، حيث صرح بأنه ” لا يجوز الوضوء بالماء النجس”.