نشر موقع “The Globalist” مقالةً سلّطت الضوء على ظاهرة العنف المنزلي في منطقة الشرق الأوسط وانتشارها في هذه المنطقة على الرغم من وجود التشريعات اللازمة للتصدي بهذه الظاهرة. ويحاول سيزار شلالا، محرر موقع “The Globalist” والاستشاري المختص في مجال الصحة العالمية، استعراض ما تحمله هذه الظاهرة من أثر على مستوى الصحة النفسية والجسدية، ناهيك عن إيضاح مدى تفاقم هذه الظاهرة في المنطقة ومدى ارتباط نهضة المنطقة بمعالجة هذه المشكلة.
ويعد العنف الجنساني من أخطر الأزمات التي يعيشها الشرق الأوسط في يومنا هذا، لا سيما العنف الممارس بحق النساء في هذه المنطقة.
ويحدث هذا النوع من العنف في جميع بلدان المنطقة تقريباً وهو يؤثر على عائلاتٍ من مختلف المشارب، والديانات، والطبقات الاجتماعية. ولا يؤثّر هذا العنف على العائلات فحسب، بل أيضاً على المجتمع بصفةٍ عامة.
وتشير التقديرات إلى تعرّض 37% من النساء في الدول العربية للعنف المنزلي. وبحسب أحد التقارير التي نشرتها الأمم المتحدة، تُقدّر أعداد النساء من ضحايا العنف المنزلي في إسرائيل بحوالي 200 ألف إمرأة بين عامي 2014 و2015.
وتسهم مختلف العوامل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في إحجام النساء عن الإبلاغ عن مثل هذه الأفعال، وتتضمن هذه العوامل كلاً من العار والخوف من انتقام أقران تلك النساء المعنّفات.
وتختار معظم النساء اللجوء إلى عائلاتهنّ وأصدقائهن للتكلم عمّا يتعرّضن له بدلاً من إبلاغ الشرطة عن مثل هذا النوع من الأعمال. ويعتبر غياب الاستجابة القضائية الفعالة لما تقدّمه هذه النساء من اتهامات من الأسباب الكامنة وراء إحجام عن النساء عن الإبلاغ عمّا يتعرضن له من عنف. وتشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أقل عدد من أنواع الحماية القانونية من العنف المنزلي.
عواقب العنف المنزلي
ترى منال بنكيران، مسؤولة البرامج الإقليمية في هيئة الأمم المتحدة للمرأة في الدول العربية، أن “للعنف ضد المرأة عواقب متعددة على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي. وقد يؤدي ذلك إلى نتائج قاتلة، ويشكّل عبئاً اقتصادياً كبيراً”.
ويعد العنف من الأسباب الشائعة لوفاة النساء في سن الإنجاب وتعرّضهن للإعاقة في جميع أنحاء العالم، شأنه في ذلك شأن مرض السرطان. كما أنه مسبب كبير للمرض أكثر من الحوادث المرورية والملاريا مجتمعين.
وينظر خبراء الصحة العامة باهتمامٍ متزايد إلى العنف الممارس بحق المرأة باعتباره مشكلةً صحيةً عامةً تتطلب أسلوب معالجة من منظور الصحة العامة.
ويؤدي تعرَض النساء للعنف إلى جعل النساء أكثر عرضةً لمجموعة متنوعة من المشكلات المرتبطة بالصحة العقلية كالاكتئاب، والانتحار، وتعاطي الكحول والمخدرات.
كما يزيد العنف الجنسي من خطر إصابة النساء بالأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي، بما في ذلك مرض الإيدز (من خلال العلاقات الجنسية القسرية، أو بسبب صعوبة إقناع الرجال باستخدام الواقي الذكري). وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى مشكلاتٍ خطيرة ترتبط باختصاص طب النساء.
مشكلة عالمية
أعربت المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب عن قلقها إزاء ارتفاع مستويات العنف ضد المرأة في جميع أنحاء العالم.
ورغم أن الأحكام المتعلقة بالعنف المنزلي مدرجة في العديد من السياسات والقوانين الوطنية، فإنه هناك صعوباتٍ تحول دون تنفيذها.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن “ما يقرب من نصف النساء اللاتي يمتن بسبب جرائم القتل يقتلهن أزواجهن أو أحباؤهن الحاليين أو السابقين”.
وبات خبراء الصحة العامة ينظرون بصورةٍ متنامية إلى العنف الممارس بحق المرأة كمشكلةٍ صحية عامة. وتشير الدراسات التي أُجريت في العالم العربي إلى وقوع 70% من أعمال العنف في المدن الكبرى، وأن نسبة الآباء والإخوة الأكبر سنّاً الضالعين في حالات العنف لا تقل عن 80%.
وفي معظم الحالات، يؤكد معظم هؤلاء على حقهم في معاقبة زوجاتهم وأطفالهم بجميع الطرق التي يرونها مناسبة.
ومن بين 22 دولة عضو في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، فإن الأردن، ولبنان، وتونس، والمغرب، والبحرين، والسعودية فقط هي الدول التي لديها قوانين لحماية النساء من العنف المنزلي.
الأخبار الجيدة
إلا أن كل هذا لا ينفي إحراز بعض التقدم على مستوى هذه المشكلة. فتونس مثلاً ما زالت ترفع سقف حقوق المرأة العربية في القرن الحادي والعشرين.
وقدمت وزارة شؤون المرأة والأسرة التونسية في عام 2014 مشروع قانونٍ يدين ويجرّم العنف المنزلي، وتمت الموافقة عليه في عام 2016.
يأتي ذلك في الوقت الذي لا يوفر فيه لبنان إحصاءات موثوقة حول العنف المنزلي، إذ ما يزال هذا الموضوع من المحرمات التي يصعب التطرّق لها في المجتمع اللبناني.
وشهد الأردن في عام 2009 تنظيم المؤتمر الإقليمي العربي الثاني لحماية الأسرة برعاية صاحبة الجلالة الملكة رانيا، رئيسة المجلس الوطني لشؤون الأسرة.
والمؤتمر استراتيجية موحدة لحماية العائلات من العنف المنزلي بحضور مجموعة من خبراء الأسرة وعلماء الاجتماع من العالم العربي.
ونظّم اتحاد العمل النسائي في المغرب منتديات لرفع الوعي العام بالعنف الممارس بحق المرأة، ناهيك عن الضغط على الجماعات المحلية لحماية النساء المعنّفات.
وفي الوقت نفسه، تمّ إنشاء مراكز استشارية لمنح النساء فرصة الحديث عن مشاكلهن وتلقي المساعدة.
وفي مصر التي تنتشر فيها هذه الظاهرة، تم تأسيس بيت حوّاء كأوّل ملجأ شامل للنساء في مصر والعالم العربي.
وشهد شهر ديسمبر من عام ٢٠١٨ انتقاد المتظاهرين في عموم أنحاء إسرائيل فشل الحكومة في التصدي للعنف الممارس بحق النساء.
وهتف المحتجون ليسمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التالي: “استيقظوا، دمنا ليس رخيصاً”. وجاء ذلك كرد فعلٍ على مقتل 24 امرأة العام الماضي على يد شركائهن أو أحد أفراد الأسرة أو الأقارب.
وأعلنت وزارة الرفاه والخدمات الاجتماعية بعد الاحتجاجات عن ارتفاع نسبة الشكاوى المتعلقة بحالات العنف المنزلي في البلاد بنسبة 150%.
معالجة العنف المنزلي
يرى شلالا أنه لا بد من اتخاذ المزيد من الإجراءات للسيطرة على أزمة العنف المنزلي.
وبحسب صاحب المقالة، فإنه ينبغي على قادة الحكومات والمجتمعات المحلية أخذ زمام المبادرة فيما يتم بذله من جهود لخلق ثقافة من الانفتاح والدعم وبما يكفل القضاء على ما يرتبط بهذه الإشكالية من الشعور بالعار.
كما لا ينبغي الاكتفاء بسن التشريعات فحسب، إذ يجب الحرص أيضاً على تنفيذ التشريعات التي تجرّم جميع أشكال العنف الممارس بحقّ المرأة، بما في ذلك ما يتم ارتكابه من عمليات اغتصاب تحت اسم الحياة الزوجية. وينبغي أيضاً إلحاق هذه القوانين بخططٍ مخصصة للقيام بإجراءاتٍ وطنية محددة على هذا المستوى.
ووفقاً لتقرير عام ٢٠٠٩ الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا”، فإن افتقار المرأة إلى المشاركة الاجتماعية “يُعزى في المقام الأول إلى وجود قوانين تمييزية، وعدم تنفيذ التشريعات الموجودة المتعلقة بالقضاء على التمييز، ونقص وعي المرأة بحقوقها في مثل هذه الأمور”.
ويشدّد شلالا على عدم إمكانية إحداث أي تطور حقيقي في الشرق الأوسط دون النهوض بالمرأة والاعتراف بحقوقها.
ويختم شلالا مقالته بالإشارة بالتالي: “كما جاء في تقرير التنمية البشرية فإن نهوض المرأة العربية هو في الحقيقة شرطٌ أساسي لتحقيق نهضةٍ عربية ويرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصير العالم العربي وتحقيقه التنمية البشرية”.