وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حريق مخيم موريا للاجئين تذْكِرة مأساوية جديدة لضرورة إصلاح سياسة اللجوء الأوروبية

Moria camp
أشخاص مع أطفال يفرون من ألسنة اللهب التي اندلعت في مخيم موريا للمهاجرين في جزيرة ليسبوس ، في 9 سبتمبر ، 2020. Photo: ANGELOS TZORTZINIS / AFP

نشر موقع “The Conversation” مقالةً للكاتبة جيما بيرد، المحاضِرة المختصة في السياسة والعلاقات الدولية بجامعة ليفربول، تتناول أوضاع طالبي اللجوء في خمس جزر يونانية في أعقاب اندلاع حريق بأحد مراكز الاستقبال. وتعتقد بيرد أن ثمة مشكلة جوهرية في سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه اللاجئين وقضاياهم، وأن سوء الأوضاع المعيشية والصحية في مراكز الاستقبال لا يعدو عن كونه تجسيداً لاعتبار اللاجئين خطراً يجب التخلص منه. وترى الكاتبة أن الاتحاد الأوروبي مطالبٌ بإجراء إصلاح شامل وجذري في هذه المسألة، مؤكدة على ضرورة استخدام خطاب جديد يرحّب باللاجئين ويراعي حقوقهم المشروعة في الحياة الآمنة والمستقرة.

وأسفر الحريق الذي اندلع في مركز استقبال طالبي اللجوء في جزيرة لسبوس اليونانية عن تشريد آلاف الأشخاص. وبحسب بيرد، فإن عدد نزلاء مركز موريا للاستقبال والتحقق من الهوية كان يبلغ نحو 13 ألف شخص، منهم لاجئين من سوريا والعراق وأفغانستان وغرب أفريقيا، علماً بأن المساحة تسع بالكاد 3000 شخص. وأدى الحريق إلى فقدان معظم سكان هذا المخيّم لمقتنياتهم القليلة، فضلاً عن خسارتهم لمحل سكنهم الرديء.

وتعيش جزيرة ليسبوس على وقع حالة طوارئ رسمية، إذ جرت العادة على أن يتم إرسال السفن إليها للمساعدة في إيواء من باتوا على الطرقات خارج المخيم. ويأتي هذا التوجه في الوقت الذي تقوم فيه الشرطة اليونانية بسدّ الطريق في وجه اللاجئين للحيلولة دون دخولهم للقرى المجاورة. وفي الوقت الراهن، تلوح الحيرة في الأفق حول مواصلة قضايا طلب اللجوء بعد التهام النيران للعديد من المناطق الإدارية في المخيم.

ولا يعدو هذا الحريق عن كونه أحدث حلقة في سلسلة حوادث مأساوية من الحرائق والعنف، ناهيك عن الوضع غير الإنساني الذي يعاني منه طالبو اللجوء في جزر بحر إيجه؛ لسبوس وساموس وخيوس وليروس وكوس. وبحسب بيرد، فإن هذه الأوضاع تذكّر بوضوح بمدى فشل المنظومة الحالية وضرورة تغييرها.

وترى صاحبة المقالة أن القيود المفروضة على حركة المقيمين في مراكز هذه الجزر قد زات بسبب فيروس كورونا، وهو ما لم يزد الوضع الخطير بالفعل إلا سوءاً. وفي الوقت الذي يجري فيه تخفيف القيود المفروضة منذ أواخر مارس الماضي على أنحاء اليونان، فإن موعد رفع القيود عن تلك المراكز ما زال مؤجلاً. وبينما يستطيع السياح وسكان الجزر الخمس قضاء وقتهم في احتساء القهوة أو تناول العشاء أو الذهاب إلى الشواطئ، ما تزال القيود قائمة على حرية حركة نزلاء المركز في ظل الحرارة الحارقة. لا بل تُرك هؤلاء في حالةٍ مزرية يعوزهم الغذاء والماء ويعانون من سوء الصرف الصحي. كذلك ما يزال خطر فيروس كورونا مرتفعاً، إذ تعرّض 35 شخصاً في موريا للإصابة بهذا الفيروس قبل اندلاع الحريق.

نظام لا عدالة فيه

إذاً ما الذي ينبغي على الاتحاد الأوروبي واليونان فعله الآن؟ أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في اليوم الذي تلا حريق موريا عن استعداد المفوضية لمساعدة اليونان، مؤكدة في الوقت نفسه أن الأولوية تتمثل في “سلامة الذين تُركوا دون مأوى”.

في المقابل، فإن فون دير لاين قامت منذ فترةٍ بسيطة لا تزيد عن شهر مارس الماضي بتوجيه الشكر لدولة اليونان لكونها “درعاً” لأوروبا، نظراً لتواجدها على حدود الاتحاد الأوروبي مع تركيا.

وبحسب رأي صاحبة المقالة، فإن اعتبار اليونان درعاً لأوروبا يؤدي بالضرورة إلى اكتظاظ مخيمات جزر بحر إيجه والموت في مياه البحر الأبيض المتوسط كما حدث بالفعل، وهو وضعٌ يجري فيه تحميل الدول المجاورة مسؤولية الهجرة وسياسة الحدود. كما أن هذه النتيجة ستتكرّر بسبب الاعتماد على مقاربةٍ يجري فيها تجاهل عروض بعض المدن الهولندية لإعادة توطين اللاجئين وسط استمرار اعتماد حكومات الدول الأوروبية في سياساتها ضمن هذا السياق على اليونان. فهذه السياسات التي تحاول إبعاد الناس عن أوروبا أو إعادتهم أو منعهم لن تضمن وجود مسارات آمنة وقانونية وشاملة لعبور الحدود.

وأتاحت سياسة الاتحاد الأوروبي لليونان بناء مراكز احتجاز مغلقة على جزر بحر إيجة، بالتزامن منح الضوء الأخضر لتسريع عملية اللجوء عبر الاعتماد على محققين غير متخصصين من قوات الشرطة. وهذه الإجراءات لا تضمن وجود نظام عادل وآمن. في المقابل، فإن القانون الدولي يكفل للناس حقّ طلب اللجوء وكذلك حقّ عبور الحدود لتقديم هذا الطلب. وعلى ذلك، فإن احتجاز الناس دون وجود إطار زمني محدّد لا يتماشى مع هذا القانون.

إعادة بناء موريا ليس حلاً

فما البديل إذاً؟ لا ترى بيرد في إعادة بناء مخيم موريا حلاً. والأمر نفسه ينطبق على استمرار اليونان والاتحاد الأوروبي في الاعتماد على الجزر الخمس باعتبارها أماكن لاحتجاز الناس لشهور ولسنوات في أغلب الأحيان وسط ظروف لا يمكن وصفها إلا بغير الملائمة.

ووصل عدد المقيمين في الجزر إلى حوالي 40 ألف شخص في بداية عام 2020، رغم أن مراكز الاستقبال بُنيت لتسع 5500 شخصاً تقريباً. وبحسب بيرد، فإن هذا العدد انخفض نتيجة نقل القصّر غير المصحوبين إلى دول الاتحاد الأوروبي أو نتيجة نقلهم إلى مساكن بديلة في اليونان نفسها. لكن السياسة الحالية المطبّقة في مراكز الاستقبال لن تحول دون ارتفاع الأعداد مرة أخرى.

ويتطلب التغيير الحقيقي للظروف التي تواجه طالبي اللجوء نهجاً جذرياً يعيد التفكير في جملة الاستجابات الأوروبية لقضية اللجوء، نهجاً يعترف بالمردود الإيجابي للترحيب باللاجئين.

ويجب أن يعتمد هذا النهج على إعادة التفكير في الخطاب الذي يكتنف مسألتي الهجرة واللجوء. فأوروبا بحاجة إلى خطاب جديد يرحّب باللاجئين ويركّز على منح أصحاب الظروف السيئة فرصة للعمل والدراسة ويمكّنهم من حياة مستقرة وحماية حياتهم الأسرية. ويعني هذا الأمر فتح الحدود بدلاً من إغلاقها، بالتزامن مع الإقرار بأن جوازات السفر وأماكن الميلاد لا تعدو عن كونها حظاً محضاً. ويقتضي هذا الأمر كذلك إنهاء الاعتماد على لسبوس وساموس وخيوس وليروس وكوس كمراكز لتعليق حياة الناس وانتظارهم للقرار الذي يحدد وجهتهم التالية على مدار شهور.

وتختم بيرد مقالتها بالتالي: “إذا لم يحدث مثل هذا التغيير، وإن بقيت الجزر مكتظةً وأُبقي على استعمالها على أساس الاحتجاز، فإن المأساة قادمة وليس بيننا وبين الكارثة التالية سوى الوقت فحسب”.

“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.