مر وقتٌ خرجت فيه النساء في الكويت في مظاهراتٍ شهدت إحراقهن عبائتهن مطالبين بالمساواة بالحقوق، في حين كانت المسارح والموسيقى مشهداً مهيمناً في جميع أرجاء المنطقة، آنذاك، كانت البلاد ملاذاً للصحفيين والكتّاب، ليس أكثر.
والآن، يتم إسكات المعارضة السياسية على نحوٍ متزايد، فضلاً عن محدودية الحريات الشخصية. كما يتم إغلاق وسائل الإعلام المعارضة، على الرغم من الأحكام القضائية المناهضة لذلك، في ظل تجاوز السُلطة التنفيذية للقضاء.
وفي الوقت نفسه، تزيد قوانين تقييد وسائل الإعلام الأمور سوءاً. وعلى الرغم من أنّ (المادة 36) من الدستور تكفل حرية التعبير، إلا أنّ الملاحقات القضائية بدعوى الإساءة للأمير وانتقاد الدولة في تصاعد، مما يؤدي إلى عقوبة السجن وأحياناً سحب الجنسية.
وأيضاً، لا يزال التمييز مستمراً، بما في ذلك القمع الذي يتعرض له “البدون،” وهم مجموعة كبيرة من عديمي الجنسية الذين اتهموا بإخفاء هويتهم الحقيقية (العراقية، أو السعودية، أو السورية) من أجل الاستفادة من موارد الكويت. وقد وصل الجدل الآن أعلى مستويات السريالية بـ”تقديم” مواطنة جزر القمر لهم.
ماذا حصل للبلد التي وجد فيها فيما مضى الشاعر الثوري العراقي، أحمد مطر، ملاذاً آمناً؟ حيث كانت المدارس مختلطة والمشروبات الحكولية قانونية؟
“إنها لعنة البدون،” تقول فنانة شابة، مشيرةً إلى تجنيس أعداد كبيرة من رجال القبائل في الستينيات والسبعينيات لحشد الدعم للأسرة الحاكمة. تسبب هذا بتحول ديمغرافي من أغلبية طبقة التجار/ سكان المدينة القديمة (الحضر) إلى أغلبية البدون.
“انتهى بهم الأمر على مقاعد البرلمان- هذه هي لعنة الديمقراطية،” يقول رجل كويتي طاعن في السن. “نحن الآن عالقون في أفكارهم المتخلفة.” هذه الآراء شائعة بين الحضر، الذين يدعون أنهم الكويتيون الوحيدون، الذين بنوا البلاد ويعتبرون أنفسهم متحضرين ومنفتحين.
وعلى الرغم من أنّ البدون جلبوا المزيد من العناصر المحافظة إلى المجتمع، إلا أنّ ذلك لم يؤدي بالضرورة إلى تدهور حالة حقوق الإنسان التي نشهدها اليوم. لربما يتعلق هذا باستراتيجية “فرق تسد” التي اتبعتها الحكومة منذ فترة طويلة.
إنّ الصدع بين الحضر والبدون مجرد واحدة من المشاكل العديدة التي يعاني منها المجتمع الكويتي، إذ أن هناك انقسامات بين الكويتيين (كل من الحضر أو البدون) والبدون، وبين السُنة والشيعة، وبين الكويتيين والمهاجرين.
إذ تبرز أزمة ثقة عميقة بين هذه المجموعات المختلفة، حيث تتهم كل مجموعة الأخرى بسعيها خلف سُلطة وثروة الكويت. ومع ذلك، جاءت استراتيجية “فرق تسد” بنتائج عكسية، حيث أصبح البدون اليوم من أشد المنتقدين للحكومة. “تستند سُلطة الحكام على أرض هشة،” يقول الكبار في السن في الكويت. إذاً، ما الذي يفعله الحكام؟ يُسكتون المعارضة.
ربما لا يكون الأمر بعيداً كل البعد عن البدون، إلا أن الكويت أصبحت أكثر تديناً، وليس أقل. ففي كتاب عن حقوق الإنسان لطلبة القانون نقرأ “إنّ المفهوم الإسلامي لحرية التعبير أسمى بكثير من المفهوم السائد في الغرب. فلا يسمح الإسلام، تحت أي ظرفٍ من الظروف، انتشار الشر والخِسة.” وفي ظل ذلك، يُحرّم أن تمُسَّ الأمير كما الله.
حاولت الحكومة في أواخر التسعينيات إدخال حقوق الإنسان في المناهج الحكومية، حيث كان من المفترض معالجة الموضوع من ثلاثة زوايا: الإسلام، والاتفاقيات الدولية، والدستور الكويتي، وبهذا الترتيب. وذكر كُتيّب رسمي تم إصداره يوفر معلوماتٍ حول النموذج الجديد “هناك حقوق لا يمكن قبولها لتعارضها مع الشريعة،” وقُدمت أمثلة مثل: ممارسة الجنس قبل الزواج، والزواج من نفس الجنس، والمساواة بين الذكر والأنثى في قوانين الميراث.
ولكن، فشلت المبادرة المدرسية، التي أمل البعض بحلها مشكلة المواطنة والانقسامات الاجتماعية، إلى حدٍ كبير. وفي عام 2010، تم تخفيض برنامج الثلاث سنوات إلى سنة واحدة بذريعة أنّ الطلاب الأصغر سناً غير مهيأين فكرياً للحصول على معلومات حول الديمقراطية والدستور وحقوق الإنسان.
وفي الوقت نفسه، لا تتم معاملة المرأة بمساواة، ولا يملك المثلييون أي حقوق. وعلى الرغم من أنّ المثلية الجنسية لا يحظرها القانون، إلا أنّ الفجور محظور، وبالتالي لاحقت المحاكم المثليين قضائياً بموجب هذا البند. ومع ذلك، ينبغي على المثليين، رجلاً ونساءً، أن يخشوا الجزء المحافظ من المجتمع، أكثر من المحاكم.
قضية عمال المنازل
وهكذا، لا تتم، إلى حدٍ كبير، ملاحظة جميع هذه الأمور من قِبل الشريحة الأكبر من سكان الكويت من عمال المنازل ذوي الأجور المنخفضة، فأولئك لا تتعلق مخاوفهم بالمشاركة السياسية أو المساواة بين الجنسين أو حتى حرية التعبير. وبما أنّ هذه الفئة تقبع فوق خط الفقر بقليل ولا يحميها القانون، تتعرض للاستغلال والعنف.
فعلى سبيل المثال، قد يحصلون أو لا يحصلون على رواتبهم، وقد يتم تزويدهم أو لا يتم تزويدهم بالطعام والرعاية الصحية، وقد يكون لهم غرفة خاصة أو ينامون في المطبخ، وقد تتم معاملتهم كأحد أفراد الأسرة أو كعبيد. كل شيء يعتمد على أهواء كفلائهم، والأسرة التي يعملون لديها والتي تحتفظ بجوازات سفرهم.
ومع ذلك، بالنسبة لهم، هناك بصيص أمل. ولأن القضية أقل حساسية من ناحية سياسية ودينية، إلا أنها من قلائل القضايا التي يبدو أنها أحرزت تقدماً في الكويت، وذلك لأن أشخاصاً مثل بيبي ناصر الصباح، حفيدة الأمير، تبذل جهدها من أجل تطبيق قوانين أفضل.
وفي الآونة الأخيرة، أصدر مجلس الأمة الكويتي قانوناً من شأنه أن يمنح عمّال المنازل حقوقهم الأساسية، مثل فترات الراحة الأسبوعية، والعطلات، والحد الأدنى من الأجور. كما سيحد قانون آخر من وكالات التوظيف التجارية لتحل محلها وكالات تُسيطر عليها الحكومة.
وقد رحبت منظمات حقوق الإنسان بحذر بهذه القوانين، مشيدة بالمبادرة، التي تعدّ الأولى من نوعها في منطقة الخليج، وفي نفس الوقت مشيرة إلى أنه لا تزال هناك العديد من القضايا التي لم تتم تسويتها.
ومن غير الواضح متى وكيف يدخل القانون حيز التنفيذ، وذلك إذا ما تم تنفيذه في المقام الأول. قد يكون هذا التحدي الأكبر في بلد تحكمه الواسطة، وهو استخدام العلاقات لإنجاز الأمور، لإخفاء تقارير الشرطة. ومع ذلك، يقول البعض أنها لعنة أخرى لثقافة قبائل البدون.
كما من غير الواضح إلى أين تتجه الكويت، ومع ذلك، لا تزال البلاد الأكثر حرية وليبرالية من بين دول الخليج. فعلى سبيل المثال، المدونات كتلك التي تتحدث عن حقوق المثليين المذكورة أعلاه، مسموحة. ولكن إلى أي حد ستبقى الشريحة الأكثر تحرراً في المجتمع ثابتة؟ العديد منهم، صغاراً وكباراً، يقولون أنهم استسلموا للأمر الواقع وباتوا يقضون وقتهم، قدر المستطاع، في الخارج. وكما يقولون “في أي مكان، طالما لسنا هنا.”