في سبتمبر 2018، انضم المغرب إلى كلٍ من الجزائر وتونس في تبني قانونٍ جديد يُعاقب على العنف الأسري. وعلى الرغم من هذه القوانين، التي تم تبنيها بين عامي 2015 و2018، إلا أن الطريق لا زال طويلاً أمام الدول الثلاث لحماية النساء من العنف الأسري.
ففي المغرب، صنع أحد الأحكام القضائية التاريخ، في ديسمبر 2018، عندما حكم القاضي بالسجن لعامين على زوجٍ لاغتصابه زوجته، مما تسبب باكتئابها الشديد. كما أجبر على دفع غرامة قدرها ألفي درهم (211 دولار) و3 آلاف درهم (317 دولار) تعويضاً لزوجته. استند قرار المحكمة إلى المادتين 485 و400 من قانون العقوبات، حيث تنص المادة 400 على ما يلي: “من ارتكب عمداً ضد غيره جرحاً أو ضرباً أو أي نوع آخر من العنف أو الإيذاء سواء لم ينتج عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية أو نتج عنه مرض أو عجز لا يتجاوز مدته عشرين يومــــــــاً، يعاقب بالحبس من شهر واحد الى سنة وغرامة من مائتين الى خمسمائة درهم.”
ومع ذلك، فإن القانون 103-13 الذي اعتمد حديثاً للقضاء على العنف ضد المرأة، والذي بدأ سريانه في سبتمبر 2018، لا يدرج الاغتصاب الزوجي كجريمةٍ يعاقب عليها القانون. يفرض مشروع القانون عقوباتٍ أكثر صرامة على مرتكبي مختلف أنواع العنف المرتكب في إطاري الحياة الخاصة والعامة، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش الجنسي والاعتداء الأسري، ويتضمن تعريفاً للتحرش الجنسي، بما في ذلك الأفعال والتصريحات غير المرغوب فيها أو الإشارات ذات الطبيعة الجنسية، أياً كانت الوسيلة المستخدمة لذلك، سواء كانت شخصية أو عبر الإنترنت أو عبر الهاتف.
وقالت روثنا بيغوم، الباحثة في حقوق المرأة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا في هيومن رايتس ووتش لفَنَك: “إنه ثاني أسوأ [قانون ضد العنف الأسري في شمال أفريقيا].” وأضافت “ما يبعث على القلق هو أنه بالنظر إلى مرور عشر سنوات على عمل المنظمات غير الحكومية بجد من أجل الدفع بإقرار مثل هذا القانون، فإن النتيجة ليست فعالة. ينشىء هذا منعاً للعنف، وحماية للمرأة، ويجرِّم بعض أشكال العنف الأسري مثل الزواج بالإكراه والتحرش الجنسي، ويرفع العقوبات عن أشكال من العنف مثل الاعتداء من قبل أفراد الأسرة، ويؤسس وحدات متخصصة للنساء والأطفال في المحاكم وكذلك لجنة وطنية.”
وتابعت القول “إلا أنه لا يوفر التمويل للإصلاح أو ملاجىء للنساء [إذ لا يوجد سوى عشرة ملاجىء للنساء في البلاد، بموارد محدودة]، ولا يمكن إصدار أوامر الحماية إلا إذا قامت المرأة بالملاحقة القضائية والشروع في إقامة دعوى جنائية.” وأضافت “كما قد ترفض الشرطة أخذ [الإفادة] أو إرسال الضحية إلى المدعي العام لإصدار أمر اعتقال لإعطائه للشرطة. لا الشرطة ولا أفراد السلطة القضائية ملزمون بتقديم المساعدة لها.”
كما استذكرت بيغوم شهادة إحدى الناجيات التي تعرضت للإساءة من زوجها لمدة سبع سنوات، والتي قالت إنها لم تسعى قط لطلب الطلاق لأنها لا تملك مكاناً آخر تذهب إليه، وعندما قررت في النهاية اتخاذ خطوةٍ قانونية، لم يكن بوسعها البقاء في الملجأ سوى لشهرين فقط واضطرت بعدها للعودة إلى المنزل. في هذا الصدد، قالت بيغوم: “القانون لا يحمي النساء بشكلٍ فعال لأنه غير مصمم لذلك،” وتابعت “إنها بداية جيدة، إلا أنها لن تؤثر إلا على عددٍ قليل من النساء القادرات على خوض عملية التقاضي بالكامل.”
وبحسب بيغوم، يتعين على الحكومات اتخاذ أربع خطواتٍ لمحاربة العنف الأسري بشكلٍ فعال: الوقاية، وحماية الناجين، والمساعدة النفسية والطبية والمالية، ومقاضاة المعتدين. وبالإضافة إلى ذلك، تقول إن هناك حاجة إلى فهم كامل لنطاق العنف الأسري، اجتماعياً وقانونياً.
ومن هذا المنطلق، فإن القانون الجزائري رقم 15-19، الذي اعتمد في ديسمبر 2015 والتعديلات التي أجريت على قانون العقوبات لتجريم بعض أشكال العنف الأسري على وجه التحديد ورفع العقوبات على المسؤولين عنها، ليس أفضل حالاً بكثير، إذ يُعاقب المُعتدي على الزوجة أو الزوجة السابقة بالسجن لمدة تصل إلى 20 عاماً وفي حال أفضى الاعتداء إلى الموت، يُحكم عليه بالسجن المؤبد، كما يُجرّم أشكالاً أخرى من العنف الأسري، بما في ذلك الاعتداء النفسي وبعض الانتهاكات الاقتصادية.
ومع ذلك، تقول بيغوم “هذا أسوأ قانون لأنه محدود للغاية. لا يوجد تعريفٌ للعنف الأسري، ويمكن أن تعفو الضحية عن المعتدي لإسقاط التهم، كما يعتمد مستوى الحكم على درجة العجز التي أصيبت بها الضحية. على سبيل المثال، أصيبت إمرأة تدعى حسيبة بشللٍ في ساقها اليسرى بعد تعرضها للضرب من قِبل زوجها مما تسبب لها بتلفٍ دماغي. غير أنه لم يُسجن سوى لشهرين لأن الطبيب الذي فحصها قال أن ذلك سيسبب عجزاً لها لمدة 13 يوماً فقط. كما أن [القانون] لا يذكر الملاجىء للنساء أو مساعدة الضحايا.”
ووفقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش، فإنه على الرغم من أن الناجيات الجزائريات من العنف الأسري يعانين من إصاباتٍ خطيرة، إلا أن أقاربهن غالباً ما يشجعونهن على التصالح مع أزواجهن، وغالباً ما تخبرهم الشرطة بأنها “مشاكل خاصة.” فقد قال العديد من المحامين لمنظمة هيومان رايتس ووتش إنه بسبب هذه العقبات وغيرها من العقبات، فإن معظم الناجيات إما لا يوجهن أي تهمٍ أو يسقطن الشكوى في مرحلة التحقيق.
بيد أن تونس استثناءٌ في شمال أفريقيا، إذ تفرض البلاد أكثر القوانين فعالية حتى الآن: فقد كان القانون 2017-58، الذي تم تبنيه في أغسطس 2017، نتيجة نضالٍ استمر 25 عاماً لعددٍ قليل من منظمات المجتمع المدني. وبموجب القانون المذكور أعلاه، يلغى حق المغتصب في تجنب الملاحقة القضائية في حال زواجه من ضحيته، كما يرفع العقوبات الحالية ويُقدم عقوباتٍ جديدة، ويضع تدابير للتوعية، ويلزم السلطات بتقديم المساعدة القانونية والمالية والنفسية، ويسمح للمرأة بالحصول على أوامر بالحماية دون رفع قضيةٍ جنائية ويُدرج الاغتصاب كجريمةٍ يعاقب عليها “أياً كانت العلاقة بين الجاني والضحية،” والتي تشمل الاغتصاب الزوجي بحكم الواقع. وعلى الرغم من كون القانون تقدمياً، إلا أنه لا يوفر التمويل للملاجىء، كما أنه لا يعالج القوانين التمييزية التي تسمح بأن يحدث العنف الأسري في المقام الأول.
وبحسب بيغوم: “ومع ذلك، تتغير القوانين ببطء، وتحاول المنظمات التأكد من تنفيذ هذا القانون.” وأضافت “في الوقت الراهن، يعدّ نسخةً أفضل بكثير من قوانين الدول الأخرى في المنطقة ويجب أن ينظر إليه كنموذجٍ يحتذى به.”
في حين قالت المحامية التونسية في مجال حقوق الإنسان، حياة جزير، لمجلة تايم في يوليو 2018 إن التغييرات باتت جلية منذ اعتماد القانون: “أصبحت الإجراءات اليوم مطبقة، وهي أفضل حالاً بقليل، والضحايا باتوا أكثر صراحةً ومستعدون للتقدم،” إلا أنها أضافت أن الطريق لا يزال طويلاً جداً قبل أن يصبح القضاء مستعداً للرد بشكلٍ مناسب على القانون الجديد.
على الرغم من الجهود المبذولة لحماية النساء من ضحايا العنف الأسري بشكلٍ أفضل، إلا أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به في شمال أفريقيا. ومع ذلك، يمكن اعتبار هذه القوانين دلالةً على أن القادم أفضل.