وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

دولة المراقبة المغربية – صنع في إسرائيل

دولة المراقبة المغربية إسرائيل
رسم توضيحي فوتوغرافي يُظهر هاتفاً ذكياً يعرض الموقع الإلكتروني لمجموعة NSO الإسرائيلية وبرنامج بيغاسوس للتجسس، الذي عرض في باريس في 21 يوليو 2021. Photo by JOEL SAGET / AFP

مات ناشد

في المغرب، ينطبق اليوم تعبير “الجدران لها آذان” على هاتفك، فقد توصل تحقيقٍ دولي واسع النطاق إلى أن مُشغلاً مغربياً كان من بين عددٍ من وكالات المخابرات الحكومية التي اشترت برنامج التجسس سيئ السمعة بيغاسوس – الذي أنشأته شركة الإنترنت الإسرائيلية مجموعةNSO  – لمحاولة اختراق آلاف أرقام الهواتف، وفقاً لقائمة مسربة حصلت عليها منظمة فوربيدن ستوريز ومنظمة العفو الدولية وشاركتها مع مجموعة من 17 مؤسسة إعلامية.

تمكّن برمجية بيغاسوس المتسللين من الوصول إلى الرسائل الهاتفية أو الصور أو رسائل البريد الإلكتروني أو تسجيل مكالمات المستخدمين، كما يمكنها أيضاً تشغيل الميكروفونات في الأجهزة المستهدفة للتنصت على المحادثات التي تجري حول الهاتف.

وكان من بين الـ10 آلاف رقم التي استهدفتهم المخابرات المغربية صحفيون مغاربة وفرنسيون ومحامون ومدافعون عن حقوق الإنسان وسياسيون جزائريون. كما ظهر على القائمة رقم هاتف رئيس الوزراء الفرنسي إيمانويل ماكرون، وكذلك ظهر رقم الهاتف الخاص بالملك المغربي محمد السادس وحاشيته، فيما يعدّ مفاجأةً غريبة.

وفي هذا الصدد، قالت إذاعة فرنسا، التي تحقق عن كثب في استخدام بيغاسوس لاستهداف العائلة المالكة المغربية، إنه كان من المستحيل التحقق مما إذا كان الملك قد أمر رئيس الأمن الوطني – عبد اللطيف حموشي، الرجل الذي عينه في عام 2015 – باختراق هاتفه وأفراد عائلته في محاولةٍ واضحة لحمايته. بينما يتمثل الاحتمال الآخر في أن المخابرات المغربية قد تخطت حدودها لأسباب ما تزال غير واضحة.

من جانبه، يشعر ماكرون بالامتعاض لكونه هدفاً لتجسسٍ أجنبي، فقد اتصل مؤخراً برئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثاً نفتالي بينيت للحصول على توضيحاتٍ بشأن تلك المزاعم، لكن بينيت رفض الكشف عن تفاصيل محادثتهما للصحفيين.

في غضون ذلك، رفع المغرب دعاوى بالتشهير ضد منظمة العفو الدولية ومنظمة فوربيدن ستوريز – وهي مؤسسة فرنسية غير ربحية تتمثل مهمتها في مواصلة عمل الصحفيين المقتولين والسجناء.

وبحسب ما قاله المحامي أوليفييه باراتيلي في بيانٍ له “المملكة المغربية… تريد إلقاء الضوء على المزاعم الكاذبة لهاتين المنظمتين التي قدمت ادعاءاتٍ دون أي دليل ملموس ومثبت”.

وعلى الرغم من نفي المغرب، إلا أن منظمة العفو الدولية تمتلك الكثير من الأدلة على أن المملكة استخدمت نظام بيغاسوس لاستهداف النقاد والصحفيين. ففي عام 2020، وجدت المنظمة الحقوقية أن هاتف الصحفي الحائز على جائزة، عمر الراضي، تعرّض لهجوم عدة مرات من قبل برنامج التجسس الإسرائيلي بسبب عمله في فضح استيلاء الحكومة على الأراضي من قبل المسؤولين الفاسدين.

وفي الصيف نفسه، تم استدعاء الراضي عشر مرات إلى الإدارة المركزية للشرطة القضائية، حيث اتُهم مراراً بالتجسس لصالح المخابرات البريطانية. وفي المرة التاسعة التي استُدعي فيها، وجهت إليه تهمة الاغتصاب في محاولة لتشويه سمعته وتعطيل حياته المهنية. وفي الأسبوع الماضي فحسب، أدين الراضي في كلتا الجريمتين وحُكم عليه بالسجن لمدة ست سنوات، مما أثار غضب الجماعات الحقوقية.

كما عانى توفيق بوعشرين – رئيس تحرير الجريدة الأخرى – من محنةٍ مماثلة حيث أدين بالاعتداء الجنسي على عدد من النساء، وفي نهاية المطاف حكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً في فبراير 2018.

ووجدت تسريبات بيغاسوس أن ضحايا اغتصاب بوعشرين كانوا قد استُهدفوا بواسطة برامج التجسس، ويُفترض أنهم تعرضوا للابتزاز لاتهامه زوراً بالاغتصاب. فقد سحبت اثنتان من الضحايا المزعومين في وقتٍ لاحق اتهاماتهما، وادعت إحداهما أن الشرطة قامت بتخويفها لتلفيق التهمة لبوعشرين.

فيما كشفت امرأةٌ أخرى، تدعى عفاف برناني، وهي صحفية في أخبار اليوم، أن شهادتها مزورة لرفع دعوى ضد زميلها. “شهدت أنه بريء وأن الشرطة زوّرت شهادتي، إلا أن ذلك لم يعجب المدعي العام وأقنع القاضي بطريقة ما أني أعاني من متلازمة ستوكهولم،” على حد قولها.

كما تعرض المدافع البارز عن حرية الصحافة والمؤرخ وكاتب الرأي، المعطي منجب، إلى اختراق هاتفه من قبل السلطات المغربية باستخدام برامج تجسس إسرائيلية، وفقاً لتحليل معمل أجرته منظمة العفو الدولية في عام 2019.

يعتبر منجب واحداً من أربعة أشخاص متهمين بتقويض سلامة الدولة، وهي تهمة زائفة قد تؤدي في النهاية إلى سجنهم لمدة خمس سنوات في حالة إدانتهم.

يعدّ استهداف الراضي وبوعشرين ومنجب جزءاً من حملةٍ أكبر لقمع المعارضة. ووفقاً لمؤشر حرية الصحافة العالمي في عام 2021، تم إدراج المغرب في المرتبة 136 من أصل 180 دولة – وهو تصنيف يجسد الاستبداد المتزايد في البلاد منذ أن تبنى إصلاحاتٍ لإرضاء المحتجين خلال الربيع العربي. لكن بدلاً من إضفاء المزيد من الديمقراطية، تحولت البلاد إلى دولة مراقبة وتنصت.

من جهتها، تلقي منظمة العفو الدولية بالكثير من اللوم على مجموعة NSO، التي واصلت بيع برمجية بيغاسوس للسلطات المغربية حتى بعد أن علمت أن المملكة كانت تستخدمها لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. علاوةً على ذلك، أطلقت الشركة الإلكترونية الإسرائيلية حملة علاقاتٍ عامة لتلميع صورتها في نفس العام الذي تم فيه التجسس على الصحفيين المغاربة واعتقالهم.

وقالت دانا إنغلتون من منظمة العفو الدولية في بيانٍ صدرعام 2020: “على مجموعة NSO الإجابة على أسئلة جدية بشأن ماهية الإجراءات التي اتخذتها عندما قدم إليها أدلة بأن تقنيتها قد استخدمت لارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في المغرب.”

وأضافت، “لماذا لم تنهِ عقدها مع السلطات المغربية؟ إن تعريض الصحفيين والنشطاء للترهيب من خلال المراقبة الرقمية المنتهكة للخصوصية يعد انتهاكاً لحقوقهم في الخصوصية وحرية التعبير.”

تحتاج السلطات المغربية أيضاً إلى الإجابة عن التساؤلات الدائرة حول الدوافع الكامنة وراء برنامجهم للمراقبة. وسواء فعلوا ذلك أم لا، يجب على المجتمع الدولي إرسال رسالة واضحة إلى الرباط ومجموعة NSO بأنهم لن يتسامحوا مع استخدام المراقبة الرقمية الجماعية للتجسس على الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان والدبلوماسيين. ودون ضغطٍ موحد وتهديداتٍ بالعواقب، ستغلق أصغر نافذة لحرية الصحافة في عددٍ من البلدان، بدءاً من المغرب.