جاستن صالحاني
تسببت آثار التغير المناخي، والأزمة الاقتصادية العالمية، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، واستراتيجية الولايات المتحدة المتنامية في الشرق الأوسط، في عاصفة شديدة زادت من يأس الشعوب الضعيفة في المنطقة.
قد يزعم الرئيس الأمريكي جو بايدن أن جولته في الشرق الأوسط في إسرائيل والسعودية هدفها تأمين المنطقة وتحصينها ضد القدرات النووية الإيرانية. لكن لم يكن ثمة مفرّ من محاولة إقناع السعودية بزيادة إنتاجها من النفط للتخفيف من وطأة التضخم.
كانت زيارة بايدن للسعودية بشكل خاص تعتبرُ نقضًا لوعوده السابقة بأنه سيجعل منها دولة منبوذة. فقد تعهد بايدن عند توليه الرئاسة بتنفيذ سياسة خارجية ترتكز على حقوق الإنسان. لكن الاعتماد العالمي على النفط والاضطراب الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا أدّيا إلى مصافحة بايدن المخزية لمحمد بن سلمان.
يتولى محمد بن سلمان رسميًا مناصب ولي العهد ووزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء علاوة على كونه الحاكم الفعلي للمملكة. ويُذكر أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد خلصت إلى تورط بن سلمان في عملية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي على يد فرقة اغتيال سعودية في القنصلية السعودية بإسطنبول، لكن بن سلمان ينكر ذلك.
وقد حرّر بن سلمان المملكة منذ وصوله إلى السلطة بمنح المرأة الحق في قيادة السيارة، وتجريد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سلطتها، والسماح بإقامة الحفلات الموسيقية وفتح دور السينما. لكن النقاد يرون هذه الإجراءات مجرد تغييرات شكلية. فقد وصف تقرير فريدوم هاوس لعام 2022 المملكة بأنّها غير حرة وواحدة من أقل عشرة دول حريةً على مستوى العالم. ولا يسبقها من بلدان المنطقة إلا سوريا.
وقد جاءت زيارة بايدن إلى السعودية بعد مروره على إسرائيل التي أظهر دعمه لها بمجرد وصوله إذ قال: “لا يلزم المرء أن يكون يهوديًا حتى يكون صهيونيًا”.
كما التقى بايدن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي لا يحظى بأي شعبية تُذكر، وكرر دعمه لحل الدولتين وتعهد بتحسين حياة الفلسطينيين. ورغم أن ذلك أكبر مما كان يمكن أن يتوقعه الشعب الفلسطيني من إدارة ترامب، فإن التفاوت بين الفلسطينيين والإسرائليين قد بلغ درجة كبيرة حتى إن منظمة العفو الدولية قد وصفته بأنّه نظام فصل عنصري.
وكذلك يعاني المواطنون السوريون عددًا لا يُحصى من الأزمات.
وقالت نيكول هرك، نائبة مدير منظمة “ميرسي كوربس” في سوريا، لفنك عبر البريد الإلكتروني: “تتأثر سوريا بعوامل عدّة مثل الصراع المستمر والجفاف المتفاقم وتعاظم الأزمة الاقتصادية جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا على أسعار الغذاء والوقود، ما يجعل من المستحيل تقريباً على السوريين تلبية حاجاتهم الأساسية”.
وكان للحرب في أوكرانيا أثر هائل على الإمدادات الغذائية العالمية. وبالتأكيد بعض هذه القضايا سبقت الحرب الأهلية، مثل الجفاف، لكنّها تفاقمت الآن وتأزمت أوضاعها بشكل ملحوظٍ.
وأضافت هرك: “كان سعر الخبز باهظًا بالفعل قبل الحرب في أوكرانيا. فنحو 90% من القمح المستورد من تركيا إلى شمال غرب سوريا يأتي من أوكرانيا، وتلك المنطقة لا تنتج من القمح ما يكفي لتغطية احتياجاتها. وقد انخفض إنتاج القمح من 700 ألف طن إلى 33.5 ألف طن من 2021 حتى 2022 لقلة الأراضي التي يمكن زراعتها بسبب الجفاف”.
فصار العديد من السوريين الآن يعانون من انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون على برامج المساعدات الخارجية. ولكن حتى تلك البرامج قد تكون عرضةً للخطر قريبًا.
فقد استخدمت روسيا والصين حق الفيتو مؤخرًا ضد قرار مجلس الأمن بتجديد برنامج توصيل المساعدات إلى السوريين في الشمال الغربي الذي تسيطر عليه المعارضة. وقد اتفقوا لاحقًا بعد المفاوضات على التجديد ستة أشهر فقط، ما يعني أنهم سيعيدون التفاوض على توصيل المساعدات في برد الشتاء.
وقالت هرك: “يقلقنا تجديد القرار ستة أشهر فحسب، لأن المساعدات ستتوقف في الشتاء حين يكون الناس في أمس الحاجة إليها”.
لكن الصين وروسيا تريان أن أي معونة تُقدم لسوريا يجب أن تمرّ من خلال الحكومة. وجدير بالذكر أن البلدين حافظا على علاقاتهما مع حكومة الأسد في الوقت الذي قطعت فيه مختلف حكومات العالم علاقاتها الرسميّة مع سوريا.
لكن في الآونة الأخيرة، استضافت الإمارات بشار الأسد في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ بداية الحرب الأهلية السورية عام 2011. وكشفت الزيارة نية الإمارات لبدء تطبيع العلاقات مع المستبد السوري. كما اتخذت البحرين والأردن خطوات لإعادة العلاقات مع سوريا، بينما سافر وزير السياحة السوري لحضور مؤتمر في المملكة العربية السّعودية العام الماضي.
وعلى الرغم من أن السعودية ما تزال مترددة في قبول سوريا بالكامل مرة أخرى في جامعة الدول العربية، فإن قمة سبتمبر في الجزائر قد تزيد من التطبيع مع نظام الأسد. وذلك التطبيع من شأنه أن يمحو سنوات من انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها نظام الأسد. وبالطبع إذا قُبلت سوريا في جامعة الدول العربية، فسيكون الأسد بين أقرانه زعيمًا لبلد لا يتمتع بحرية سياسية أو أي عملية ديمقراطية.
تضرّ السياسة قصيرة المدى التي تتبعها الولايات المتحدة وروسيا بشكل مباشر بشعوب الشرق الأوسط. وصحيح أننا لا يمكن أن ننتظر شيئًا من نظام بوتين الاستبدادي، لكننا ينبغي لنا المطالبة بالمزيد من البلدان الديمقراطية مثل الولايات المتحدة.
ولأنّ هاتين القوتين العظيمتين تفضّلان مصالحهما الإمبريالية قصيرة المدى على حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، فإن شعوب المنطقة، ولا سيما الفقراء والضعفاء واللاجئين، سوف تعاني أكثر من غيرها.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء الكاتب الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.