وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

المجتمع الدولي مسؤول عن دوامة الصراع بين الاحتلال الإسرائيلي وشعب فلسطين

المجتمع الدولي يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الصراع الحاصل بين الاحتلال الإسرائيلي وشعب فلسطين.

الاحتلال الإسرائيلي وشعب فلسطين
صورة تم التقاطها يوم 26 يناير 2023 لمسنٍّ فلسطيني وهو ينعي أحد ضحايا الهجوم الإسرائيلي التسعة على مخيّم جنين، وذلك على هامش جنازة الضحيفة في المخيم الموجود في الضفة الغربية. المصدر: Jaafar ASHTIYEH/ AFP.

ماجد كيالي

المجتمع الدولي يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الصراع الحاصل بين الاحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني على خلفية اقتحام مخيّم جنين للاجئين الفلسطينيين.

الاقتحام الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلية أدى إلى مقتل 9 من شباب المخيم، فضلاً عن إصابة العشرات بجراح. كما أنه ترافق مع تجريف العشرات من بيوت المخيّم. هذا الحدث ليس حدثا طارئا، إذ أنه بات بمثابة عادة يومية، تتوخى منها إسرائيل تكريس الاحتلال والاستيطان وإسكات الفلسطينيين.

وللعلم، فإن إسرائيل قتلت 35 فلسطينياً في يناير 2023. كما أنها قتلت 230 فلسطينيا في 2022، ليكون بذلك العام الذي شهد مصرع أكبر عدد من الفلسطينيين منذ عام 2005. وبطبيعة الحال، فإننا نستثني من هذا الإحصاء الفترات التي شنت خلالها إسرائيل حروبها على قطاع غزة.

في المقابل، وبعد مضي يوم واحد على مجزرة جنين، أطلق شابٌ فلسطيني النار على مستوطنين إسرائيليين. وأدى ذلك إلى مقتل ثمانية إسرائيليين في مستوطنة ملاصقة للقدس الشرقية. والسبب واضح، فالاحتلال يولّد المقاومة بحسب التجارب التاريخية لكل الشعوب.

كما أنّ المقاومة رد فعلٍ على السياسات الاستيطانية والعدوانية والتمييزية التي تنتهجها إسرائيل. وبطبيعة الحال، يأتي ضمن العوامل المولّدة للمقاومة انسداد الأفق أمام أي حل سياسي، وتهرب إسرائيل من اتفاقيات التسوية مع الفلسطينيين.

الفلسطينيون لم يتركوا طريقا إلا وسلكوه لانتزاع حقوقهم. وشمل ذلك الكفاح المسلح، والحرب الصاروخية، والعمليات التفجيرية، والانتفاضة، والمفاوضة. كما كان القبول بإقامة دولة على 22% من الأراضي الفلسطينية التاريخية أحد الطرق المتّبعة. ومع ذلك، فإنّ إسرائيل سدّت كلّ المنافذ، مستفيدة من غياب الحاضن الدولي والعربي لحقوق الفلسطينيين.

وللعلم، منذ تسلّم محمود عباس لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية وحتى 2022، فقد لقي 7470 فلسطينيا حتفهم بالرصاص والقصف الإسرائيلي، أي ما يعادل 484 شخص سنوياً. وتشمل هذه الإحصائية الفلسطينيون المقيمون في الضفة وغزة والقدس. كما أنها تشمل من استشهد في الحروب الباهظة التي شنتها إسرائيل ضد قطاع غزة المحاصر منذ عام 2006.

وشهدت الحرب الأولى على القطاع مقتل 1436 فلسطينيا مقابل 13 إسرائيليا. أما في الحرب الثانية التي وقعت أواخر عام 2012، فشهدت مقتل 155 فلسطينيا مقابل 3 إسرائيليين. وأسفرت الحرب الثالثة، التي وقعت في صيف 2014 ، عن مقتل 2174 فلسطينيا مقابل 70 إسرائيليا. وفي الحرب الرابعة صيف 2021، قتل 243 فلسطينيا مقابل 12 إسرائيليا. أما الحرب الخامسة التي جرت في صيف 2022، فأسفرت عن مقتل 44 فلسطينياً دون وقوع أي خسائر في صفوف الإسرائيليين.

وبمقارنة الأرقام السابقة، نرى أن النسبة تميل بشكلٍ كبير لصالح إسرائيل التي تمتلك قوة مسلحة عاتية. ففي الحرب الأولى، فإن كل قتيل إسرائيلي يقابله 110 قتلى فلسطينيين. وفي الحروب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، فإن النسبة على التوالي كانت واحد مقابل 50، وواحد مقابل 30، وواحد مقابل 20، وصفر مقابل 44. وللعلم، فإنّ النسبة خلال فترة الانتفاضة الثانية كانت واحد مقابل أربعة.

ويعني هذا أن هذا المسار الذي انتهجته إسرائيل في إطلاق جبروتها العسكري ضد الفلسطينيين، أتى على عكس مسار القيادة الفلسطينية. فهذه القيادة واصلت التنسيق الأمني والتهدئة مع السلطات الإسرائيلية، بغرض كسب ثقتها. كما أنها واصلت السير في عملية التسوية.

ومع ذلك، فإن إسرائيل لم تستجب لكل تلك الخطوات. ليس ذلك فحسب، بل إنّ إسرائيل ظلّت تحطّ من مكانة القيادة الفلسطينية، وتواصل التهرب من عملية التسوية. كما أنها تعمدت اقتحام المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

تفسير ذلك يعود إلى وجود عوامل تشجّع إسرائيل على الاستشراس في قتل الفلسطينيين وهدم بيوتهم واستيطان أراضيهم. هذه العوامل ساعدت إسرائيل على التملّص من اتفاقات التسوية مع الفلسطينية.

كما أنها ساهمت في لامبالاة إسرائيل بظهورها كدولة استعمارية وعنصرية ودينية وفقا لما تشير له ميول حكومة نتنياهو وبن غفير وسيمتريتش. هذه العوامل تشمل ضعف الوضع الفلسطيني، وغياب الإطار الدولي والعربي الحاضن لحقوق الفلسطينيين. يضاف إلى ذلك شعور إسرائيل أنها باتت في مركز قوة.

فعلى المستوى العربي، فإن إسرائيل موجودة لصد النفوذ الإيراني. أما على المستوى الدولي، فإن إسرائيل تشعر بقوتها لما تتمتع به من تقدّم علمي وتكنولوجي. وعلى هذا الأساس، يمكننا تفسير علاقات إسرائيل الوثيقة بروسيا والصين والهند.

في مقاله المنشور يوم 22 يناير 2023 على موقع إسرائيل اليوم، كتب إيال زيسر: “الوضع الإقليمي والدولي لإسرائيل جيد ويمنحها بداية ممتازة نحو المستقبل. الدول العربية في الطابور لتطوير العلاقات مع إسرائيل. يتبقى هناك الفلسطينيون. إن وضعنا جيد ويمنحنا حرية عمل لم نشهد لها مثيلاً في الماضي”.

على هذا الأساس، فإن الفلسطينيين في ظرف صعب ومعقد أكثر من أي وقتٍ مضى. وهذا يشمل كافة المستويات الداخلية والخارجية. ويعود ذلك إلى الخلافات الفلسطينية الداخلية ولافتقاد الفلسطينيين لعوامل الدعم العربية والدولية. وبالتالي، فقد أدّى ذلك لأن يكون الفلسطينيون في مواجهة مع إسرائيل التي تعيش في حالة صلف وتطرّف وترفض أي تجاوب مع حقوقهم.

باختصار، إسرائيل هي سبب المقاومة. وفيما قدمت القيادة الفلسطينية كلّ شيء من أجل التسوية، لم تقدّم إسرائيل سوى حلا أمنيا يقوم على قمع الفلسطينيين، وانتهاك كرامتهم ومصادرة حقوقهم. وبحسب تجارب الشعوب، فإنّ المقاومة ردة فعل طبيعية ومشروعة.

كما أنّ الشرائع الدولية والإنسانية تكفل مقاومة الاحتلال والظلم، ومصادرة الأراضي، وانتهاك المقدسات.الاحتلال والقمع يجلبان مزيدا من المقاومة، بشكل أو بأخر. هذه الدوامة لا بدّ من إيجاد حلٍّ لها، عبر الاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني، على الأقل وفقا لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.

وهذه مسؤولية أممية، مثلما يحصل في أوكرانيا. فمن غير المعقول أن يكون هناك احتلال مقبول وآخر غير مقبول. فالاحتلال الروسي لأجزاء من أوكرانيا استدعى ردة فعل شجاعة واخلاقية من المجتمع الدولي. وهذا ما هو مطلوب لمواجهة احتلال إسرائيل المديد لأرض الشعب الفلسطيني.

ملاحظة

الأفكار الواردة في هذه التدوينة هي آراء المدوّن الخاص بنا ولا تعبّر بالضرورة عن آراء أو وجهات نظر فنك أو مجلس تحريرها.