وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

نهر النيل: تحديات متعددة وصراعات محتملة بين مصر وإثيوبيا

Crop-fields-next-to-the-White-Nile-in-Omdurman_Mohammed-Ali_Fanack
حقول المحاصيل بجوار النيل الأبيض في أم درمان محمد علي. Photo HH

نشر موقع “The Conversation” مقالة سلطت الضوء على ما تواجهه دول حوض النيل من تحديات فيما يتعلق بتقاسم مياه النهر وتنفيذ المشاريع الرامية إلى توليد الطاقة الكهرمائية. واستعرض كاتب المقال ريتشارد كايل بايسلي، مدير مبادرة حوكمة المياه الدولية في جامعة “بريتيش كولومبيا”، تنامي حالة التوتر القائمة بين مصر وإثيوبيا على خلفية تنفيذ الأخيرة لمشروع “سد النهضة الكبرى” وما يحمله ذلك من تبعات خطيرة على الأمن المائي المصري.

ويعتبر نهر النيل شريان الحياة لأكثر من 300 مليون شخص يعيشون في 11 دولة يمر فيها هذا النهر وروافده. ويغطي حوض نهر النيل 10% من مساحة إفريقيا، حيث يجري في كلٍّ من إثيوبيا والسودان وجنوب السودان ومصر ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأريتيريا وكينيا. وتعتمد العديد من دول حوض النيل بشكلٍ رئيسي على النهر لتأمين ما تحتاج إليه من المياه العذبة.

وبحسب الدراسات، فإن الطلب على المياه سيشهد ارتفاعاً في عموم منطقة حوض النيل خلال الفترة المقبلة. ويعود السبب في ذلك إلى نمو عدد السكان في والمبادرات الطموحة وبشكلٍ خاص في مصر وأثيوبيا، حيث تضع هاتان الدولتان العديد من الخطط للاستفادة من نهر النيل لتوليد الطاقة الكهرمائية. ويؤكد بايسلي على ضرورة تعاون دول حوض النيل فيما بينها لإدارة مياه النهر العابرة للحدود وغيرها من الموارد التي يزخر بها هذا الحوض، لافتاً إلى ضرورة تطبيق هذا التعاون بصورةٍ مستدامة أكثر من أي وقتٍ مضى.

ويعتبر نهر النيل من الأحواض المائية المهددة على المستوى العالمي والتي تتشارك في مياهها ومواردها دولتان أو أكثر. وبحسب الكاتب، فإن التنافس على موارد المياه الشحيحة كان سبباً تاريخياً لتنامي حالة التوتر أو التوصل إلى اتفاقيات السلام بين الدول، لافتاً إلى ضرورة عمل الدول بصورةٍ مشتركة لتجنب الوقوع في حالات التوتر. وتعتبر معاهدة نهر السند بين الهند وباكستان من الأمثلة الناجحة على الاتفاقيات المائية التي نجحت في تحويل الخصوم إلى شركاء. وعلى الرغم من خوض ثلاث حروب بين نيودلهي وإسلام أباد، فقد بقيت هذه المعاهدة سارية المفعول. كما يستشهد بايسلي باتفاقية نهر السنغال، الذي تتشارك أربع دول في ملكية بناه التحتية، كإحدى الاتفاقيات التي يمكن ذكرها في هذا المجال. ويتمثل مفتاح نجاح هذه الاتفاقيات في إيجاد طرق عادلة لتقاسم المياه، فضلاً عن التشارك في المياه الدولية بطريقةٍ معقولة.

جوانب ملتبسة

يسلط بايسلي الضوء الإشكاليات المترتبة على ما يعتري اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية من غموض. وبموجب هذه الاتفاقية، تحظى كل دولة تشرف على حوض تصريف دولي بحق المشاركة في استخدام هذا الحوض وتطويره وحمايته. في المقابل، تترك هذه الاتفاقية لكل دولة حق التفاوض حول ما تراه عادلاً ومعقولاً.

وكانت دول حوض نهر النيل قد فشلت في التوصل إلى اتفاقية دولية شاملة يتم بموجبها توزيع مياه نهر النيل، وذلك على الرغم من الجهود المتعددة التي تم بذلها على هذا المستوى خلال العقود الماضية. وعلى خلفية عدم حل الأزمات المائية الدائرة حول نهر النيل، فقد كان من الطبيعي أن تتصاعد حالة التوتر بين مصر وإثيوبيا في هذا الخصوص.

وتعتمد مصر وإثيوبيا إلى حدٍّ كبير على حوض نهر النيل لتلبية احتياجاتها المتعددة، وبصورةٍ أكبر بكثير مما عليه الحال مع دول الحوض الأخرى. ويعتبر نهر النيل المصدر الحقيقي والوحيد للمياه في مصر، حيث تعيش الغالبية المتنامية من سكان مصر حول وادي النيل، وكلهم تقريباً من المزارعين الذين يعتمدون على المياه لزراعة المحاصيل. إلا أن  ممّا يصل مصر من مياه النيل يأتي عبر النيل الأزرق الذي ينبع من إثيوبيا.

كما يلعب نمو السكان في إثيوبيا دوراً رئيسياً في تصاعد حالة التوتر بين البلدين، إذ يساوي معدل نمو السكان في أثيوبيا ما يتم تسجيله من معدلات حالية في مصر، هذا إذا لم تكن. أعلى من نظيرتها في مصر. وبالطبع، فقد أدى ذلك إلى بروز حاجة ماسة وموازية في أثيوبيا للحصول على المياه، خاصةً وأن المياه تلعب دوراً هاماً في زيادة إنتاج الغذاء.

وعلى ضوء ذلك، يرى بايسلي أن الحاجة باتت ملحّة للتوصل إلى اتفاقية معقولة وعادلة تتيح تقاسم ما يقدمه حوض النيل من ميزات. كما أن المضي قدماً في المفاوضات المطلوبة للتوصل إلى تعاون بين الجانبين سيخلق مناخاً يعزز من الاستقرار والشفافية بين الدول التي تعتمد في حياتها على النيل. وبحسب الكاتب، فإن هذا الأمر سيعزز من المشاركة السياسية في حل هذه القضية، بالتزامن مع توطيد حالة الاستقرار السياسي في المنطقة ونشر الثقة بين دول الحوض. ويحظى هذا الجانب بأهمية كبرى، خاصةً وأن فرص وقوع المناوشات بين دول الحوض ستتزايد مع مواجهة نهر النيل لتحديات جديدة.

تحديات جديدة

تشير الدراسات الأخيرة إلى تزايد هشاشة الوضع السياسي والإيكولوجي في حوض نهر النيل. وتشهد الفترة الراهنة تراجعاً في مستويات جودة المياه، بالتزامن مع تفاقم القضايا المتعلقة بكمية المياه، وبشكلٍ خاص في ظل تناقص ما يتم حصده من محاصيل زراعية. كما تتفاقم خطورة هذه التحديات مع اقتراب الانتهاء من بناء العديد من السدود على نهري النيل الأزرق والأبيض، لا سيما سد “النهضة الكبرى” في أثيوبيا، والذي يعتبر أكبر تلك السدود.

كما تبرز العديد من المخاوف الجديدة والمتنامية حول تأثير تغير المناخ المحتمل على حوض نهر النيل. وتسلط الدراسات الأخيرة الضوء على سيناريوهين متناقضين من المخاطر يتطلبان الاعتماد على استراتيجيتين متباينتين للتكيف مع هذه المخاطر. وتسعى الاستراتيجية الأولى لمواجهة المخاطر التي قد تترتب على الفيضانات وتنامي جريان المياه، في حين تهدف الاستراتيجية الثانية إلى التعامل مع ما يمكن التعرض له من ندرة مياه وجفاف.

وتشير إحدى  الأخيرة إلى إمكانية تنامي معدلات تبخر المياه بسبب ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وهذا ما سيؤدي بدوره إلى ارتفاع مستويات ندرة المياه. وفي نفس السياق، تؤكد دراسة أخرى على أن تزايد معدلات تبخر المياه في مصر سيؤدي إلى زيادة هطول الأمطار على المرتفعات الأثيوبية. وقد يترتب على ذلك زيادة معدلات جريان المياه في النهر داخل الأراضي المصرية، وبالتالي وقوع العديد من الفيضانات هناك.

ويشير الكاتب إلى أن تنامي حالة الشك مع تعاظم فرص معاناة دول حوض النيل من “ندرة المياه” بحلول عام 2050. ويعود السبب في ذلك إلى تغير المناخ وزيادة الطلب على المياه نتيجة نمو عدد السكان. ويزداد الأمر سوءاً مع ما تضعه دول حوض النيل، وبشكلٍ خاص مصر وإثيوبيا، من خطط طموحة لاستهلاك المزيد من المياه، فضلاً عن تنفيذ مشاريع توليد الطاقة الكهرمائية على طول نهر النيل.

وعلى سبيل المثال، فقد شرعت مصر بتنفيذ مشروع الوادي الجديد، والذي تم تصميمه لتحويل حوالي 4.94 مليار متر مكعب من المياه لإنشاء منطقة صالحة للسكن في الصحراء الغربية والمحافظة عليها. وتشدد هذه التطورات على الحاجة لتصميم مؤسسات وأطر قانونية ناجحة، وذلك بالاعتماد على الإدارة التكيفية للموارد المائية المشتركة. وتبرز أهمية الاعتماد على هذا النوع من الإدارة بسبب سعيها لإزالة الشكوك عبر الاعتماد على مراقبة الأنظمة المائية.

المضي قدماً نحو الأمام

يشدد الكاتب على صعوبة الاعتماد على منهجية “موحدة” للتعامل مع هذه التحديات. ومع ذلك، فقد بات من الواضح أن الاعتماد على الاتفاقيات المائية سابقة الذكر كفيلٌ بحماية البيئة، وذلك بالتزامن مع توفير الاستقرار وتعزيز الأمن على المستوى الإقليمي.

ويختم بايسلي مقاله بالإشارة إلى ضرورة العمل المشترك بغرض التوصل إلى حل، لافتاً إلى أن هذا العمل لا بد وأن يشمل دول حوض النيل الـ11 وكافة الجهات الدولية القائمة على تعزيز التنمية. ويؤكد الكاتب على ضرورة مضاعفة هذه الدول لجهودها الرامية إلى الخروج باتفاقية تعاون واسعة النطاق تشمل جميع الدول الموجودة في على حوض نهر النيل، فضلاً عن تشكيل لجنة مشتركة بين هذه الدول لمناقشة القضايا المتعلقة بهذا الحوض. ولا توفر هذه المقترحات حلّاً سحرياً لما يواجهه حوض النيل من تحديات. إلا أن تلك المبادرات ستساعد بوضوح في تمكين المنطقة من زيادة تركيزها على إنشاء منظمة دولية متخصصة بشؤون حوض نهر النيل، وبما يكفل تبني حلول حكومية أكبر لما تواجهه المنطقة من مشكلات فيما يتعلق بالمياه والطاقة.

The Conversation