بقلم: عادل مجاهد (باحث في التخطيط الاقتصادي والتعاون الدولي)
الاقتصاد الخفي، مصطلحٌ، لو أخذناه على عموميته، فهو يشمل كافة الأنشطة الاقتصادية التي لا تتضمنها دفاتر وسجلات الدولة، ولا تخضع لرقابة وتوجيه وإشراف الدولة. بيد أنها أنشطة اقتصادية تعمل بشكلٍ موازٍ لأنشطة الاقتصاد الرسمي الذي تخطط له وتنظمه وتوجهه وترصد نتائجه مؤسسات الدولة.
لذا يطلق على الاقتصاد الخفي تسميات مختلفة، من بينها: الاقتصاد غير الرسمي، اقتصاد الظل، الاقتصاد الأسود، الاقتصاد الموازي.. إلى غير ذلك من تسميات.
والنشاط الاقتصادي الخفي موجود في معظم الاقتصادات، إلا أنه أوسع انتشاراً وتوحشاً في اقتصادات الدول النامية والأسواق الناشئة، ومن بينها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والذي يقدره البنك الدولي بنحو الثلث من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقدر نسبة العاملين في النشاطات الاقتصادية غير الرسمية في الدول النامية بنحو 70% من سوق العمل.
ولا يقتصر النشاط الاقتصادي الخفي، على النشاطات غير الرسمية التي لا تعمل ضمن النظام القانوني، لأسباب تتعلق بانتشار البيروقراطية والمحسوبية وتصلب القوانين، لكنها تمارس أنشطتها في أسواق العمل وتجارة السلع والخدمات، وسوق رأس المال والائتمان؛ بل قد تتعداها إلى أنشطة إجرامية كالإتجار بالبشر بمختلف أنواعه، وتجارة المخدرات، وعمليات تهريب السلع عبر الحدود، والنهب من ميزانية الدولة، والرشوة، وتجارة السلاح خارج سلطة القانون.
وعدم الاعتراف بمساهمة الاقتصاد الخفي، في عجلة الاقتصاد الوطني، وخاصة في جانبه الغير إجرامي، يهدد الجهود التنموية، ويؤدي إلى إحداث تشوهات في المؤشرات الاقتصادية العامة الكلية والجزئية للبلاد. فمن جهة مؤشرات الاقتصاد الكلي يؤدي عدم الاعتراف بمساهمة الاقتصاد الخفي، إلى تشوه مؤشراتٍ هامة، كمؤشرات الناتج المحلي الإجمالي GDP، الناتج القومي الإجمالي GNP، الاستثمار، والبطالة، وغيرها. ومن جهة مؤشرات الاقتصاد الجزئي، تتشوه المؤشرات المتعلقة بقياس العرض والطلب، وتحليل سلوك المستهلك. هذا، فضلاً عن ضياع حقوق العمال الذين يعملون تحت المظلة غير الرسمية، وفقدان خزينة الدولة لجانب مهم من الموارد المالية، نتيجة التهرب الضريبي.
ويعود عدم اعتراف معظم الدول بالاقتصاد الخفي، خاصة دول الشرق الأوسط، إلى عدة أسباب، من بينها غياب الدراسات المتخصصة لقياس حجم الاقتصاد غير الرسمي، وعدم توفر الآليات لتنظيمه، وضعف بيئة ريادة الأعمال؛ إلى جانب انعدام الشفافية، وانتشار الفساد، فضلاً عن الأعراف والقيم العامة السائدة التي تحول دون اعتراف الدولة ببعض هذه النشاطات على أراضيها، لأسباب عقائدية.
ولا شك أنه، من إيجابيات الاقتصاد الخفي، مساهمته بتوفير بعض السلع والخدمات بأسعار ملائمة، لأصحاب الدخول المحدودة، إلى جانب المساهمة في تخفيف حدة البطالة، ما يجعله محاطاً بحماية اجتماعية نوعاً ما.
وحقيقة الأمر أن اعتراف الدول بحجم عوائد عوامل الانتاج، الناتجة عن أنشطة الاقتصاد الخفي، حتى وإن كانت هذه الأنشطة ذات طابع إجرامي، لا يعني التوقف عن مكافحة الجريمة بكافة أشكالها.
وإلى أن تجد الدول النامية والاقتصادات الناشئة سبلاً للحد من انتشار هذه الأنشطة، عليها العمل على تقدير الدخول الناتجة عنها، والاعتراف بها، وإدراجها ضمن المؤشرات العامة للاقتصاد الكلي، لإزالة بعض التشوه في هذه المؤشرات، وجعلها أكثر ملائمة وتمثيلاً لاقتصاداتها.
“الآراء الواردة في هذه المقالة تعبّر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعبّر بالضرورة عن وجهة نظر فنك”.
ملاحظة
الأفكار الواردة في هذه التدوينة تعبّر عن آراء المدوّن ولا تعبّر بالضرورة عن أفكار موقع فنك.