Chronicle of the Middle East and North Africa

الجزائر: صراع حكومي طويل مع الجماعات الإسلامية المتطرفة

مصدر المقالة

Algeria-police protest
صورة لاحتجاجات قامت بها قوات الشرطة الجزائرية في عام 2014 لرفع الأجر التقاعدي. Photo HH

نشر موقع “Global Risk Insights” مقالة تم فيها تسليط الضوء على ما تواجهه الجزائر من تحديات في إطار مواجهتها للجماعات الإسلامية المتطرفة. وقامت صاحبة المقالة إيميلي باولتر، الكاتبة والباحثة الهولندية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط، باستعراض العوامل المتعددة التي ساعدت السلطات الجزائرية على كبح جماح هذه الجماعات.

وشهدت تسعينيات القرن الماضي ظهور العديد من الجماعات الإسلامية في الجزائر، إلا أن ولاءات وتوجهات هذه الجماعات تغيرت بحسب الاتجاهات الجيوسياسية السائدة. ويعتبر تنظيم “الدولة الإسلامية” آخر المجموعات التي ظهرت في الجزائر، إلا أن هذا التنظيم واجه انتكاسة في الجزائر نتيجة الخبرة الطويلة التي تتمتع بها السلطات الجزائرية في مجال مكافحة الإرهاب.

وشهد الأول من يونيو 2017 شن هجوم على مجموعة من رجال الشرطة الجزائريين جنوب العاصمة الجزائر، ما أسفر عن جرح 4 أشخاص. وتشير التقارير إلى أن هذا الهجوم قام بتدبيره أشخاص يعملون تحت لواء تنظيم “الدولة الإسلامية”. وكان هذا الهجوم الأخير ضمن سلسلة من الحوادث التي شهدتها الجزائر، حيث تبنى التنظيم في إبريل 2017 هجوماً انتحارياً آخر قام به رجلان في مدينة قسنطينة. وقبل شهرين ذلك منذ هذا الهجوم، حاول جهادي آخر دخول مخفر شرطة وسط المدينة نفسها. وفي تلك الحادثة، نجح أحد رجال الشرطة المناوبين بنزع جهاز التفجير الذي كان يرتديه المهاجم وذلك بعد إطلاق النار عليه وإصابته.

الجزائر: نقطة ساخنة للجماعات الإسلامية المتطرفة

Algeria- abdelaziz bouteflika
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وحكومته بذلوا مجهودات كبيرة لمواجهة الجماعات المتشددة. Photo HH

نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريراً في عام 2015 حول الجماعات الإسلامية الأكثر نشاطاً في الجزائر. وتضمنت هذه القائمة كلاً من تنظيم “القاعدة في المغرب الإسلامي”، وحركة “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” (ومقرها مالي). كما تضمنت القائمة حركة “المرابطون” المسؤولة عن الهجوم الذي استهدف مصنع الغاز في مدينة أميناس جنوب غرب الجزائر عام 2013، ومنظمة “جند الخلافة” التي أعلنت عن ولائها لتنظيم “الدولة الإسلامية”. وتشير باولتر إلى وجود العديد من المجموعات الصغيرة المنتشرة على الحدود الجنوبية والشرقية من الجزائر، والتي أعلن كل منها الولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية” بدرجاتٍ متفاوتة.

وترى الكاتبة أن تفكير مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” الأجانب بالعودة إلى بلادهم بات أمراً منطقياً على وقع الهزائم المتعددة التي تجرعها هذا التنظيم في العراق وسوريا. وتلفت باولتر النظر إلى أن الجزائريين كانوا أكثر ريبة تجاه القتال في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”، خاصةً إذا ما تمت مقارنتهم مع نظرائهم التونسيين والمغاربة الذين قام التنظيم بتجنيدهم الكثيرين منهم. ولم يزد عدد الجزائريين الذين سافروا إلى المشرق العربي للقتال تحت لواء “الدولة الإسلامية” عن 200 شخص. في المقابل، خاض المقاتلون الجزائريون المنتسبون إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” في الجزائر معارك متعددة ولعدّة سنوات في مواجهة القوات الحكومية. وكانت العمليات التي يشنها التنظيم في الجزائر قد تعرضت لانتكاسة في العام الماضي، وذلك في أعقاب شن الجهات الأمنية الجزائرية لحملة اعتقالات واسعة شملت جميع أنحاء البلاد وطالت 332 شخصاً تم اتهامهم بالمشاركة في شبكات دعم التنظيم وتجنيد المقاتلين. وتشير باولتر إلى قلة حيلة الحكومة الجزائرية على مستوى الحد من ميل بعض الشبان الجزائريين نحو التطرف، خاصةً وأن الجزائر تعاني منذ عقود من ارتفاع نسب البطالة وانعدام العدالة الاجتماعية. وبحسب أحد المراقبين، يتمثل أمل الجزائر الوحيد في القضاء على التطرف باستمرار طفرة أسعار النفط المرتفعة، خاصةً وأنه يتوجب على الحكومة الجزائرية دفع 30 مليار دولار أمريكي كإعانات لتغطية تكاليف كافة الخدمات التي تقدمها الدولة، ابتداءً من الغذاء إلى ووصولاً إلى التعليم.

تجربة الجزائر في مكافحة الإرهاب

ترى الكاتبة والباحثة الهولندية إيميلي باولتر أن العامل الرئيسي الذي ساعد على الحد من خطر تنظيم “الدولة الإسلامية” هو ما يحمله الكثير من الجزائريين من ذكريات مريرة تجاه الحرب الأهلية. وأسفرت هذه الحرب، التي شهدتها البلاد في تسعينيات القرن الماضي، عن مقتل حوالي 200 ألف شخص. وبحسب باولتر، فإن القوة الكبيرة التي تحظى بها الجهات الأمنية أيضاً تلعب دوراً هاماً في الحد من هذا النوع من الأخطار، خاصةً وأن الجيش الجزائري يضم في صفوفه ما يزيد عن نصف مليون جندي يعملون ضمن الخدمة. ويضاف إلى هذه القوة الأمنية تواجد 210 آلاف شرطي. وتعلّم العاملون في هذه الجهات الأمنية التصدي لما تبقى من الإرهاب على الرغم من الجهود التي تم بذلها في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين للعفو عن المقاتلين الإسلاميين. وترفض وزارة الدفاع الوطني في الجزائر بصورةٍ متعمدة الكشف عن أسماء المقاتلين من خلال الرفض المتعمد لإدراج الجماعات التابعة للتنظيم ضمن البيانات المتعلقة بضبط السلاح وعمليات مكافحة الإرهاب. كما تعمل الحكومة الجزائرية على نطاقٍ أوسع لدعم الشباب الجزائريين عبر توفير التعليم وفرص العمل والتدريب مدفوع الأجر، وذلك في إطار الجهود التي يتم بذلها في برنامج مكافحة التطرف.

وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة التصدي لما تواجهه من تحدياتٍ على المستوى الداخلي، فإنها تواجه تحديات كبيرة على مستوى السيطرة على الحدود. ويتوجب على قوات الأمن السيطرة على حدود الجزائر التي يسهل اختراقها وطولها 4000 ميل، بالإضافة إلى المناطق الجبلية شمالي شرقي البلاد، والتي شكلت بيئة خصبة للجماعات الإسلامية المسلحة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. وفي إطار سعيها لمواجهة هذه التحديات، تشارك الجزائر بشكلٍ فعال في برنامج “الشراكة المعنية بمكافحة الإرهاب عبر الصحراء الكبرى” المدعوم أمريكياً، حيث يسعى هذا البرنامج إلى تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب لدى دول المغرب العربي ومجموعة دول الساحل الإفريقي التي تتضمن كلاً من موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد. وترى باولتر أن الحكومة الجزائرية ستواصل مواجهة المجاهدين الجزائريين على المستوى المنظور، بالتزامن مع تنفيذ المبادرات الإقليمية المخصصة لتقييم طبيعة التهديدات المختلفة في شمال إفريقيا. وتختم صاحبة المقال بالقول: “على الرغم من إمكانية تغيير هؤلاء المقاتلين لولائهم بين تنظيم “الدولة الإسلامية” وتنظيم “القاعدة”، إلا أن طبيعة ما يقومون بتنفيذه من تكتيكات واستراتيجيات ستبقى واحدة”.

user placeholder
written by
Fanack
All Fanack articles