وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

هل تصمد الأونروا في وجه انتكاسةٍ أخرى؟

إن الأزمة التي تصيب الأونروا ليست مجرد أزمة تمويل أو سوء سلوك، إلا أنها مرتبطة بمواقف تجاه وجودها بسبب ارتباطها الرمزي بحق العودة. لا يزال الدعم العالمي للوكالة كبيراً، ولكن خطر الضغوط الإسرائيلية والأمريكية لضمان إنهاء ولايتها يلوح في الأفق، وقد يكون لهذا آثار خطيرة على من يستفيدون من خدماتها.

Specials- UNRWA
طلاب فلسطينيون يرفعون شارة النصر فوق علم الأمم المتحدة خلال احتجاجٍ في إحدى مدارس الأونروا في مخيم العروب للاجئين بالقرب من الخليل في الضفة الغربية المحتلة في 5 سبتمبر 2018. Photo: HAZEM BADER / AFP

تعرضت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة تقدم الخدمات الأساسية والإغاثة للفلسطينيين المهجرين، لإنتكاسةٍ علنية أخرى بعد أن أوقفت عدة دولٍ تمويلها بعد “فضيحة” عرضتها وسائل الإعلام. ففي عام 2018، خفضت الولايات المتحدة تمويلها لوكالة الأمم المتحدة بشكلٍ كبير بالفعل، ثم أوقفتها بالكامل في ميزانية عام 2019. فقد أصبحت الأونروا، التي تعثرت في الماضي بسبب الخلافات، اليوم تواجه خطراً حقيقياً، إذ يعتقد منتقدوها أنه يجب إغلاقها، بينما يقول آخرون إن توجيه اللوم لوكالة اللاجئين شأنٌ سياسي. قد تؤدي خسارة التمويل إلى إعاقة الخدمات الأساسية لملايين الفلسطينيين الذين يعتمدون عليها، وبالتالي، يثير هذا مسألة ما إذا كان للأونروا أن تتحمل انتكاسةً أخرى.

كانت بلجيكا الدولة الثالثة في صيف عام 2019 التي تعلّق تمويلها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، والتي يشار إليها غالباً باسم الأونروا. جاء هذا القرار بعد أن اتهم تقرير أخلاقي تم تسريبه القيادة العليا داخل الوكالة بسوء السلوك وإساءة استخدام السلطة.

فقد وصف وزير التنمية البلجيكي هذه المزاعم بأنها “غير مقبولة” في حال صح الخبر، واتبع قرار سويسرا وهولندا المستقل بحجب الموارد حتى يتم الانتهاء من التحقيق المستمر، ونشر النتائج واتخاذ تدابير بشأنها.

تم تسريب محتويات التقرير إلى قناة الجزيرة، حيث قامت المؤسسة الإعلامية ومقرها الدوحة بنشر مقتطفاتٍ منه في يوليو.

يتضمن التقرير مزاعم بـ”سلوك جنسي غير لائق ومحاباة، وتمييز وغيرها من ممارسات استغلال السلطة لمنافع شخصية وقمع المخالفين بالرأي تحقيقاً لأهداف شخصية،” كما ركز التقرير على مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي الوكالة الذين تمت الإشارة إليهم بـ”الدائرة الداخلية.”

ادعى التقرير أنه منذ قرار الولايات المتحدة بوقف تمويل الوكالة في عام 2018، توطدت سلطة اتخاذ القرار بين هذه الدائرة الداخلية وأدت إلى تصاعد “تدهور الإدارة” و”انهيار كبير في هيكل المساءلة المنتظم.” وتشمل الادعاءات تهمة إقامة علاقاتٍ غير لائقة، الأمر الذي أدى إلى تعييناتٍ في مناصب عليا عبر عملياتٍ تفتقر للشفافية، إلى جانب رحلات السفر المتكررة جداً.

كما خلص التقرير السري المكون من 10 صفحات، والذي تم تسريبه من مكتب الأخلاقيات في الوكالة، إلى أن بعض الأفراد يشكلون “خطراً هائلاً على سمعة الأمم المتحدة” وأنه “يجب النظر بعناية في إقالتهم فوراً.”

من جهته، رفض المفوض العام بيير كرينبول، محور الادعاءات، توصيف الأونروا وقيادتها في التقرير، رغم أنه لا يمكن إبداء مزيدٍ من التعليقات على محتويات التقارير إلى حين الانتهاء من التحقيق.

من الجدير بالذكر أن الأونروا تأسست في عام 1949 بعد أن تم تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني من أرضهم لإقامة دولة إسرائيل في عام 1948. وتشمل خدماتها التعليم، والمرافق الصحية، وشبكات الأمان، والبنية التحتية، فضلاً عن التمويل الصغير والاستجابة لحالات الطوارىء. تقدم الأونروا حالياً المساعدة لـ5,4 مليون لاجىء فلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان والأردن وسوريا. في حين بدأت بتفويضٍ مؤقت لمساعدة وإيواء اللاجئين الفلسطينيين المنفيين إلى حين التوصل “لحلٍ عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين،” بيد أنه تم تجديد هذا التفويض منذ ذلك الحين باستمرار من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ظل عدم التوصل لقرارٍ عادل حتى الآن. ستنتهي ولايتها الحالية في يونيو 2020.

وطوال فترة عملها، جادل النقاد بضرورة تفكيك الأونروا. أحد الأسباب التي أشاروا إليها في كثيرٍ من الأحيان هي أن الأمم المتحدة لديها وكالة أخرى للاجئين، أي المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. السبب الآخر سياسيٌ على نحوٍ أكبر.

وبحسب ما قاله لنا في فَنَك هادي عمرو، محلل سياسات الشرق الأوسط الذي شغل منصب نائب المبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في ظل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: “إن عمل المنظمة لعقود هو إنجازٌ سياسي فلسطيني، مما يعكس إجماعاً دولياً على أن اللاجئين الفلسطينيين فئة مختلفة عن اللاجئين الآخرين.”

غالباً ما يكون وجود الوكالة مرتبطاً بمبدأ “حق العودة،” الذي يجادل آخرون أنه قائم بوجود الأونروا أو عدمه، والذي يقتضي أن لكل فردٍ حقٌ مصون في العودة إلى وطنه، حيث يعتبر ذلك نص قرار الأمم المتحدة رقم 194.

ومع ذلك، عندما قامت الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس دونالد ترمب، بقطع تمويلها للأونروا في عام 2018، تم تفسير ذلك على أنها خطوة صريحة لمحاولة إقصاء قضية العودة من طاولة المفاوضات.

يتابع عمرو: “هناك عناصر من اليمين الإسرائيلي المتطرف أمثال نتنياهو واليمين الأكثر تطرفاً، ممن يحبون التذمر من الأونروا وينتقدونها.” ولكن كما هو الحال مع أي منظمة بيروقراطية كبيرة، ستواجه الوكالة مشاكلها دوماً، كما يقول.

ومع ذلك، فإن طبيعة الإدعاءات التي كشف عنها التقرير الذي تم تسريبه لم تظهر من قبل، وقد وصف تقييم أجرته شبكة أداء المنظمات المتعددة الأطراف، الأونروا بأنها “منظمة تدار بشكلٍ جيد وتقدم خدماتها.”

ومع ذلك، تحملت الأونروا حصتها من الجدل، ويشمل ذلك استخدام مبانيها لتخزين وإطلاق الصواريخ من قبل حماس خلال حرب عام 2014 في غزة، التي نأت الأونروا بنفسها عنه.

ونظراً لأن الولايات المتحدة كانت أكبر المانحين للوكالة، حيث ساهمت بثلث كامل ميزانيتها، فقد تسبب تعليق هذه المساعدات في أزمة تمويلٍ العام الماضي. ساعدت جهات مانحة أخرى على سد الفجوة التي خلفها العجز الأمريكي، لكن العجز في تمويل الأونروا لا يزال يبلغ 161 مليون دولار لهذا العام، من إجمالي متطلبات الميزانية البالغة 1,2 مليار دولار، وفقاً لما ذكرته تمارا الرفاعي، المتحدثة باسم الأونروا.

وتبلغ مساهمة بلجيكا المتبقية 5,9 مليون دولار، بينما تحجب هولندا 14,5 مليون دولار، في حين أن جميع المساهمات الأخرى كانت تأتِ من هنا وهناك. وفي الوقت نفسه، تم تأكيد مساهماتٍ إضافية، بما في ذلك مليون دولار من حكومة الصين، كما رفعت الهند مساهمتها من 1,25 مليون دولار في عام 2016 إلى 5 ملايين دولار في الفترة 2018/2019. وعلاوةً على ذلك، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن المساهمة بمبلغ 50 مليون دولار للوكالة.

من جهتها، تقول الدكتورة آن عرفان، المؤرخة بكلية لندن للاقتصاد والمتخصصة في تاريخ الأونروا، إن المزيد من الدول غير الغربية تدعم الآن الوكالة، بما في ذلك روسيا واليابان، وبحسب قولها “الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن دول الخليج العربية قدمت التمويل على نحوٍ متزايد للأونروا في السنوات الأخيرة، بعد تاريخ طويلٍ من رفض التبرع لصندوقها العام لأسباب سياسية.” وكما توضح عرفان، كان منطقهم هو أن الدول الغربية خلقت أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي ينبغي أن تتحمل مسؤولة تمويل الأونروا.

وبالتالي، فإن التأثير المالي لقرار الدول الأوروبية لا يزال ضعيفاً، بيد أنه لا يزال ينطوي على “رسالةٍ سياسية،” كما قالت الرفاعي لفَنَك. وأضافت: “نحن بصفتنا وكالة، كنا نأمل حقاً أن ينتظروا نتائج التحقيق قبل اتخاذ أي إجراء. لأننا نميز حقاً بين الادعاءات والنتائج. والآن، ما زلنا في مرحلة الإدعاءات.”

وفوق كل هذا، تحتاج الأونروا إلى 1,2 مليار دولار لإكمال ولايتها.

كما شددت الرفاعي بقولها: “نريد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التصويت لاستمرار ولايتنا هذا الخريف. وهذا ما نركز عليه بشدة الآن.”

إن الآثار المترتبة على عدم تمويل الأونروا على نحوٍ ملائم يمكن أن تضر بحياة ملايين اللاجئين، من بينهم الآلاف من الأطفال والشباب.

وقالت عرفان: “اضطرت الأونروا بالفعل إلى إجراء تخفيضات كبيرة في الخدمات في السنوات الأخيرة.” وتابعت، “من المرجح أن يؤدي فقدان التمويل من ثلاث دولٍ إلى مزيدٍ من التخفيضات، بما في ذلك الخدمات الأساسية.”

وأضافت الرفاعي “إن لم نتمكن من فتح المدارس في الوقت المناسب خلال ثلاثة أسابيع، سيكون مصير نصف مليون طفل ومراهق الشارع…هذه مشكلة أمنية كبيرة.”

بينما قال عمرو مستذكراً من تجربته كدبلوماسي يعمل في المنطقة، “سيقول لك الجيش الإسرائيلي ‘الحمد لله على وجود الأونروا،‘ فهي توفر [خدماتٍ منقذة للحياة] للشعب الفلسطيني… هذا أحد أشكال الحد من التوترات السياسية، كما أنه يجعل البيئة العامة أكثر صحة وأقل تقلباً.” وأضاف، “إذا لم تكن الأونروا موجودة، فستضطر إلى ابتكارها لتصبح موجودة.”

ومع ذلك، دعت إدارة ترمب إلى نقل مسؤولية خدمات الأونروا إلى البلدان المضيفة وتفكيك الوكالة.

وتقول عرفان إن الفضيحة الحالية يمكن أن تسبب نوعاً من الأضرار التي ستلحق بسمعة الوكالة والتي قد تغذي مهمة ترمب.

كما انتقد وزير الخارجية السويسري إجنازيو كاسيس الوكالة علانية، واصفاً إياها بأنها “جزء من المشكلة” في الشرق الأوسط، مما غذى الأمل “غير الواقعي” بعودة الفلسطينيين.

وعليه، من المحتمل أن يشهد الاجتماع في سبتمبر تصويتاً ضد تجديد ولاية الوكالة، لكن كما أشار أحد صحفيي هآرتس، قد تشعر دولٌ أخرى أيضاً بالضغط لاتباع نفس النهج.

وبالتالي، فإن الأزمة التي تصيب الأونروا ليست مجرد أزمة تمويل أو سوء سلوك، إلا أنها مرتبطة بمواقف تجاه وجودها بسبب ارتباطها الرمزي بحق العودة. لا يزال الدعم العالمي للوكالة كبيراً، ولكن خطر الضغوط الإسرائيلية والأمريكية لضمان إنهاء ولايتها يلوح في الأفق، وقد يكون لهذا آثار خطيرة على من يستفيدون من خدماتها.