وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

غزة تحت الأنقاض وجهود إعادة الإعمار معرقلة

تواصل إسرائيل منع دخول العديد من المواد الضرورية لإعادة الإعمار إلى غزة، لا سيما بعد الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2007 والذي شهد وصول حماس إلى السلطة.

غزة تحت الأنقاض
آليات حفر وفرتها مصر للمساعدة في إزالة الأنقاض في مدينة غزة في 23 يونيو 2021. Emmanuel DUNAND / AFP

صوفيا أكرم

تعرضت الأراضي الفلسطينية المحتلة في غزة لأضرار بلغت قيمتها نصف مليار دولار بسبب الحرب الأخيرة، بيد أن إعادة إعمار القطاع منذ وقف إطلاق النار الذي أنهى القتال بين إسرائيل وحماس في 21 مايو 2021 معرقلٌ حالياً بسبب الخلافات حول ملكية جهود إعادة الإعمار والقيود المفروضة على حدود قطاع غزة.

اندلعت شرارة حرب مايو2021  بعد أن حاولت مجموعات المستوطنين اليهود إجلاء السكان الفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية، كما وأدت مداهمة الشرطة الإسرائيلية للمسجد الأقصى إلى حالةٍ من الفوضى.

وبحلول العاشر من مايو، أطلقت حماس، التي تحكم غزة، صواريخ من القطاع الجنوبي على إسرائيل بعد تحذيرها إسرائيل بتوّجب انسحاب قواتها الأمنية من المسجد الأقصى، بينما ردت إسرائيل بضربات جوية وقصف مدفعي.

وعليه، لقي أكثر من 250 شخصاً مصرعهم نتيجة القتال، بينهم 66 طفلاً، فضلاً عن تكبد ما يصل إلى 380 مليون دولار من الأضرار المادية و190 مليون دولار من الخسائر الاقتصادية، كما كشف تقرير التقييم السريع للأضرار والاحتياجات من قبل البنك الدولي.

وفي هذا الصدد، قال كانثان شانكار، مدير البنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: “هذه حلقة مؤسفة أخرى عانى فيها الفلسطينيون في غزة الصراع والدمار.”

وأضاف، “كما أن الأزمة الإنسانية قد تفاقمت في ظل اقتصاد تواصله بالعالم الخارجي محدود للغاية. وقد ينكمش الناتج المحلي الإجمالي لغزة بنسبة 0,3% عام 2021 مقارنة بنمو سنوي يقدر معدله بنحو 2,5% قبل الصراع.”

فقد أدت الأعمال العدائية التي وقعت في مايو الماضي، بالإضافة إلى الوباء، إلى تفاقم الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية بالفعل والناجمة عن ثلاثة عقود من الصراع والقيود التي فرضتها إسرائيل.

علاوةً على ذلك، فإن حوالي 50% من سكان غزة عاطلون عن العمل، واليوم، يعاني 62% من السكان من انعدام الأمن الغذائي فضلاً عن تضرر شبكات الأمان الاجتماعي وسبل العيش، كما أن واحد من كل خمسة أشخاص محروم من المياه الصالحة للشرب في حين أن المواد المطلوبة لقطاع المياه غير متوفرة بشكلٍ خطير مما يعيق البنية التحتية الرئيسية للمياه.

من جهتها، تواصل إسرائيل منع دخول العديد من المواد الضرورية لإعادة الإعمار إلى غزة، لا سيما بعد الحصار المفروض على القطاع منذ عام 2007 والذي شهد وصول حماس إلى السلطة. وفي حين قالت إسرائيل إنها ستخفف القيود على الحدود، يرفض البعض ما هو أقل من إعادة فتح المعابر بشكلٍ كامل.

وقال مسير أعمال الأونروا في غزة سام روز إن “إغلاق المعبر التجاري الوحيد بين غزة وإسرائيل” أدى إلى نقصٍ في الإمدادات.

وأضاف  أن “إعادة الإعمار في قطاع غزة لم تبدأ بعد، ونحن مثل كثيرين آخرون، نشعر بقلق عميق إزاء استمرار الإغلاق الإسرائيلي لمعبر كرم أبو سالم التجاري.”

حدثت التأخيرات على الرغم من تعهدات المجتمع الدولي بملايين الجنيهات لغزة ويمكن أن يزداد المبلغ حيث من المحتمل أن تتم إعادة الإعمار من خلال الآلية الأممية لإعادة إعمار غزة التي تخضع للرقابة الشديدة. تشرف آلية إعادة إعمار غزة التي أنشأتها الأمم المتحدة على عدم وصول أي موادٍ إلى أيدي حماس، والتي يقول مؤيدو الآلية إن الحركة ستستغلها لتلبية احتياجاتها الدفاعية. ومع ذلك، فقد عارض البعض هذه الحجة بالقول إنه من المرجح أن يكون لحماس مواردها الخاصة وأن عملية آلية إعادة إعمار غزة الأكثر بطئاً والتكاليف المتضخمة لا تؤدي إلا إلى إعاقة إعادة إعمار القطاع.

وداخل القطاع، شرع البعض بالفعل في إعادة الإعمار باستخدام أنقاض الحرب وقالت أكبر نقابة في غزة إنها ستقاطع أي عطاءات من الشركات الملتزمة باستخدام المواد المعتمدة من آلية إعادة إعمار غزة، والتي تتطلب موافقة السلطة الفلسطينية وإسرائيل مع السماح للأخيرة باستخدام حق النقض على المشاريع.

وبحسب ناجي سرحان وزير الأشغال العامة والإسكان، فقد دمر 1800 منزل وتضرر 16800 منزل بشكل جزئي في جولة القتال الأخيرة، بالإضافة إلى 151 منشأة صناعية و500 تجارية و540 زراعية و120 منشأة حكومية.

ومع ذلك، يحرص الوسطاء الدوليين مثل الولايات المتحدة على استخدام السلطة الفلسطينية، التي تسيطر عليها حركة فتح، كقناةٍ لجهود إعادة الإعمار ومساعدات أوسع نطاقاً، بما في ذلك تقديم المنح النقدية القطرية.

رفضت حماس المطالب التي قدمتها إسرائيل بشأن تشتيت المنحة القطرية، بينما قالت إنه ليس لديها مانع في الشراكة مع السلطة الفلسطينية لإعادة إعمار غزة، لكن لا ينبغي لها أن تتولى السيطرة الحصرية. واليوم، تتنافس كلٌ من السلطة الفلسطينية وحماس على دعم عملياتهما من مجموعة من الدول الإسلامية والعربية.

ومن الجدير بالذكر أن السلطة الفلسطينية لا تحظى بدعم الولايات المتحدة وإسرائيل فحسب، بل تدعمها أيضاً الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بينما تعارض جهات فاعلة مختلفة في غزة العملية التي تقودها السلطة الفلسطينية، معتبرين أنها بطيئة، كما حصل في عام 2014.

فقد تعهد مانحون دوليون متنوعون بتقديم ملايين الدولارات، بما في ذلك مصر، التي تعهدت بتقديم 500 مليون دولار لإعادة الإعمار، والتي تتوسط في وقف إطلاق النار الحالي. ولا يزال المحللون متشككين بشأن مشاركة المصريين في الجهود الدبلوماسية وجهود الإغاثة في غزة، ذلك أن الدولة الواقعة في شمال إفريقيا بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تمتلك مصلحةً في تعزيز علاقتها مع الولايات المتحدة وتعزيز ظهورها كلاعب دولي وإقليمي رئيسي لصرف الانتباه عن سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان.

وعلى الرغم من استمرار وقف إطلاق النار المصري، قال الجيش الإسرائيلي يوم الاثنين 26 يوليو2021، إنه قصف قاعدة عسكرية تابعة لحماس بعد إطلاق بالونات حارقة من قطاع غزة. كما دفع الهجوم إسرائيل إلى تقييد منطقة الصيد في القطاع من 12 إلى 6 أميال بحرية، محملةً حماس مسؤولية عواقب الهجوم، رغم أنها أعادت توسيع نطاق الصيد بعد أربعة أيام.

من جهتها، تشعر منظمات الإغاثة بالقلق من القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، وفي يوم الأحد الموافق 25 يوليو، تم منع شاحنات الوقود القطرية من دخول القطاع، حيث قدمت الدولة الخليجية وقوداً مدعوماً كجزء من حزمة المساعدات التي تبلغ قيمتها عدة ملايين من الدولارات لغزة، مما أدى إلى تأخير وصولها. إن لإسرائيل مصلحةٌ في تقليص الدعم القطري منذ التصعيد الأخير ذلك أنها تعتقد أنها كانت متساهلة للغاية مع حماس في السابق.

وبحسب الدكتور عدنان أبو عامر من جامعة الأمة في غزة، تضغط إسرائيل من أجل إنهاء الدعم النقدي الذي تقدمه قطر، وهو ما تحذر حماس من كونه سيؤدي إلى “تفجر الأوضاع في القطاع” حيث يعتمد الكثير من سكان غزة على هذه المساعدات.

في غضون ذلك، يجري مسؤولون إسرائيليون ومسؤولون من حماس مفاوضاتٍ لوقف إطلاق النار في القاهرة، إذ ما زال يشعر الكثيرون أن وقف إطلاق النار محفوفٌ بالمخاطر مع استعداد إسرائيل لموجة جديدة من القتال. وتحت ضغط الولايات المتحدة، ما تزال العديد من القضايا الأساسية قبل الاتفاق دون حل، بما في ذلك العدوان المستمر وعمليات الهدم في القدس الشرقية وتبادل الأسرى. من جهتها، تريد إسرائيل أن تكون مشاريع إعادة الإعمار الكبيرة مشروطة بعودة جنديين ومدنيين اثنين آخرين أسرتهما حماس.

كما كشف اجتماع مجلس الأمن الأخير عن مخاوف من أن جهود إعادة إعمار غزة يجب ألا تنتقص من الهدف الأوسع المتمثل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.

وفي هذا الشأن، قالت لين هاستينغز، نائبة المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، إن “أي مستقبل مستدام في غزة يتطلب حلولاً سياسية” وأنه يجب على إسرائيل إنهاء هدم الممتلكات الفلسطينية بموجب القانون الدولي.

ومع ذلك، في الوقت الحالي، وبسبب الائتلاف الإسرائيلي الحاكم وحقيقة أن حزب راعام الفلسطيني الاسرائيلي  من المرجح أن يسحب دعمه إذا ما شنت إسرائيل هجوماً آخر، فإن وقف إطلاق النار ما يزال سارياً، كما أنه من غير المرجح أن ترغب حماس في اختبار احتمالية صمود الوضع الإنساني في القطاع أمام هجومٍ آخر.