وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إعادة ترسيم الحدود المصرية – الإسرائيلية: مصالح وإشكاليات

سفينة مصرية وهي تعترض قارب صيد فلسطيني على الحدود البحرية الفاصلة بين مصر وقطاع غزة صورة تم التقاطها يوم ١٧ مايو ٢٠١٥ لسفينة مصرية وهي تعترض قارب صيد فلسطيني على الحدود البحرية الفاصلة بين مصر وقطاع غزة، قبالة ساحل بلدة رفح الواقعة جنوب القطاع. المصدر: SAID KHATIB / AFP.

علي العجيل

على الرغم من وقوع غالبية الأراضي المصرية في قارة أفريقيا، إلا أن جزءاً منها يقع في قارة آسيا، ما يجعلها تشترك في حدود برية وبحرية مع بعض دول القارتين، كالسودان وليبيا وفلسطين وإسرائيل والأردن والسعودية.

هذا الاشتراك أدى إلى إثارة توترات حدودية بين الحين والآخر، جرى التوصل إلى حل بشأن بعضها، بينما بقي البعض الآخر عالقاً.

ولعل أبرز تلك القضايا، قضية الحدود البحرية المشتركة مع إسرائيل، في ظل اختراق الأخيرة الدائم للمياه الإقليمية المصرية خصوصاً المنطقة القريبة من قبرص، والتي يتواجد بها “حقل لفيتان”. وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل بدأت فعلياً في حفر هذا الحقل والاستفادة منه بصورةٍ عملية.

ترسيم الحدود

ترفض مصر تقديم طلبات لترسيم حدودها الشرقية مع إسرائيل، لأن هذا يضيع حق الدولة الفلسطينية في ترسيم حدودها بنفسها، مشيرة إلى أن ذلك كان من مبادئ المفاوض المصري في اتفاقية (كامب ديفيد) وما زال إلى اليوم، وذلك حسب التصريحات الرسمية للخارجية المصرية.

المفاوضات الفلسطينية – المصرية بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما لم تصل إلى نتيجة بعد مرور نحو ثلاثة أعوام على انطلاقها. ويعود السبب في ذلك إلى رفض القاهرة بشدة الخرائط التي أودعتها فلسطين لدى الأمم المتحدة حول حدودها في البحر المتوسط، معتبرةً هذه الخرائط انتهاكاً واضحاً للجانب المصري. كما كان للاعتراضات الإسرائيلية دور في عدم التوصل إلى نتيجة، سيّما وأن إسرائيل تعترض على أحقية فلسطين في توقيع مثل هذه الاتفاقيات، كونها لا تتمتع بالسيادة الكاملة لفعل هذا الأمر.

وبحسب مسؤولين فلسطينيين، فقد اضطر الفلسطينيون إلى “إيداع خرائط بحدودهم المائية في البحر المتوسط، بعد فشلهم في التوصل إلى اتفاق ثنائي مع مصر بشأنها، وأيضاً للحفاظ على حقوقهم في ظل الاعتداءات الإسرائيلية، واكتشاف حقول غاز ضخمة في البحر المتوسط”.

التنقيب عن الغاز الطبيعي

في 18 يوليو 2012، نفت الخارجية المصرية ما نشرته بعض وسائل الإعلام حول تنقيب إسرائيل عن حقلين للغاز داخل الحدود المصرية، مؤكدة في الوقت ذاته على عدم صحة الخرائط التي نشرت في هذا الشأن. وجاء هذا التصريح بعدما ترددت أخبار عن اكتشافات إسرائيلية وقبرصية لحقلي غاز يقعان في المياه الاقتصادية المصرية، باحتياطات قيمتها 200 مليار دولار.

وأكد خبراء عسكريون أن مشكلة “تأمين حقول غاز البحر المتوسط” الواقعة في المياه الإقليمية الخالصة لمصر، مشكلة موجودة وليست بالجديدة، بل هي مشكلة قديمة ناتجة عن تهاون من قبل النظام المصري في حقوقه، بدأت منذ عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك.

وللتأكيد على قدم الأزمة يجب الإشارة إلى مُطالبات لجنة الشؤون العربية والدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى السابق برئاسة رضا فهمي، بضرورة إعادة ترسيم الحدود مع قبرص، لأن الاتفاقية الموقعة سابقاً بها تنازل عن جبلي إيرات وستينس. وبحسب خرائط مكتبة الإسكندرية التي ترجع إلى 200 سنة قبل الميلاد، فإن هذين الجبلين يقعان ضمن الحدود المصرية. وفي هذا السياق، سبق لمحكمة القضاء الإداري النظر في عام 2010 لدعوى إلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الاقتصادية، التي وقعتها مصر مع قبرص عام 2004، وترتب عليها استحواذ قبرص وإسرائيل على حقول غاز طبيعي.

القوات الأمنية

في نوفمبر 2021، أعلن الجيشان المصري والإسرائيلي – في بيانين منفصلين – تعديل الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الجانبين من أجل تعزيز قوات حرس الحدود المصرية وإمكاناتها بالمنطقة الحدودية في رفح. وتأتي هذه الخطوة في ضوء جهود “للحفاظ على الأمن القومي المصري، واستمرار لجهود القوات المسلحة في ضبط وتأمين الحدود على الاتجاه الاستراتيجي الشمالي الشرقي”. فيما أشار الجيش الإسرائيلي إلى أن المستوى السياسي في إسرائيل صادق على هذا التعديل، من دون تفاصيل أخرى.

وكانت معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين في 26 مارس 1979 قد فرضت قيوداً صارمة على عدد القوات التي يمكن نشرها على جانبي حدود سيناء، لكنها تسمح بزيادة عدد القوات بالاتفاق بين الجانبين. وتقول المعاهدة في نصها الأساسي “تقام ترتيبات أمنية متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات للأمم المتحدة ومراقبون من الأمم المتحدة”.

حوادث الحدود

على العكس من الاعتقاد السائد بأن الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة أو لبنان هي الأكثر نشاطاً، فإن الحدود الإسرائيلية المصرية “هي الأكثر سخونة وحيوية”، بحسب ما ذكرته صحيفة “جيروزاليم بوست”.

ويتعين على الجنود القائمين على حماية تلك الحدود التعامل مع تهديدين، الأول يتمثل في “ولاية سيناء”، وهي الجماعة المتحالفة مع تنظيم “داعش”، إضافةً إلى الخطر الإجرامي المتعلق بعمليات تهريب المخدرات.

وشهدت الحدود المصرية – الإسرائيلية الكثير من حوادث تبادل إطلاق النار والقتل ، من قبل الجانبين على مر الزمن.

المشكلات التي تواجه ترسيم الحدود البحرية

لا تظهر المشاكل بين الدول الساحلية المتقابلة في حال تخطت المسافة بين سواحل هذه الدول 400 ميلاً. ففي هذه الحالة، تلتزم كل دولة بـ 200 ميلاً من سواحلها دون أن يكون هناك تداخل مع الحدود البحرية للدول المتقابلة. أما إذا كانت المسافة بين السواحل لمجموعة من الدول الساحلية المتقابلة أقل من 400 ميلاً، فهذا يعني أن احتساب كل دولة لـ 200 ميلاً من سواحلها سيؤدي إلى تعارض مصالحها مع مصالح الدولة المقابلة لها. وهنا، لابد من توافق الطرفين على حساب الحدود البحرية بينهما على أساس خط المنتصف بينهما.

أما إذا كانت هناك مجموعة من الدول الساحلية المتقابلة في مياه محدودة، كما هو الحال في شرق المتوسط؛ ففي هذه الحالة يتم تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة من خلال البلدين المتقابلين أصحاب أقصر مسافة بين سواحلهما، ويكون لهما الحق في امتلاك المناطق الاقتصادية الخالصة مناصفة بينهما.

وهنا، يمكن فهم حجم التعقيدات المتعلقة بعملية ترسيم الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط، لا سيما أن المنطقة تشهد نزاعات تاريخية بين تركيا واليونان وقبرص، بالإضافة إلى الصراع العربي الإسرائيلي. وتكفي الإشارة هنا إلى أن أغلب دول شرق المتوسط لم ترسم حدودها البحرية حتى الآن، أي أن مصر ليست الوحيدة.

مصالح متبادلة

الرئيس الأمريكي جيمي كارتر مهنئاً الرئيس المصري أنور السادات (يسار) ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن (يمين) في مصافحة ثلاثية جاءت يوم ٢٦ مارس ١٩٧٩ في الحديقة الشمالية من البيت الأبيض بواشنطن دي سي، وذلك بعد توقيع اتفاق سلام تاريخي برعاية أمريكية بين إسرائيل ومصر. المصدر: CONSOLIDATED NEWS PICTURES / AFP.

بالنسبة لمصر، توفر إسرائيل بوابة الدخول إلى البيت الأبيض. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن الحدود المستقرة مع مصر تتيح لها التركيز على التهديدات التي تواجهها على الحدود الأخرى. كما أن وجود حليف عربي قوي هو جزءٌ مهم من سياسات إسرائيل الخارجية والدفاعية. وبما أن الولايات المتحدة تعمل في الوقت على تقليص تدخلها في منطقة الشرق الأوسط، فإن هذا الأمر قد يقود إلى زيادة التقارب بين إسرائيل ومصر.

ومع ذلك، لم تزدهر السياحة بين الجانبين. ويستمتع مئات الآلاف من الإسرائيليين والإسرائيليات بزيارة المواقع التاريخية والشواطئ في مصر كل عام، لكن لا يتوافد المصريون على إسرائيل. ويدخل فقط بضعة آلاف من المصريين إلى إسرائيل كسيّاح سنوياً. وتعود قلة الأعداد إلى الإجراءات البيروقراطية المفروضة على المصريين من أجل السفر إلى إسرائيل. ويشير هذا في الوقت نفسه إلى ما يعتري الحكومة المصرية من تردّد تجاه مثل هذه العلاقات مع إسرائيل.

على الصعيد التجاري، زادت التجارة بين الدولتين بشكل تدريجي. وعززت أربع مناطق صناعية مؤهلة (QIZs) مشتركة بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة التجارة بين مصر وإسرائيل. وتم توقيع اتفاقية الكويز عام 2004، التي تصدر مصر بموجبها منتجات معفاة من الرسوم الجمركية إلى الولايات المتحدة، هذه الصادرات مصنعة في مصر وإسرائيل.

وجاء الاتفاق بعد سنوات عديدة من توقيع اتفاق السلام، وهو دليلٌ على تنامي العلاقات بصورةٍ تدريجية. كما تم توقيع اتفاق بين إسرائيل ومصر يسمح بنقل الغاز الطبيعي الإسرائيلي عبر مصر إلى أوروبا.

أم الرشراش

بعيداً عن الحدود البحرية، ما زالت قضية قرية أم الرشراش تشغل الشارع المصري، رغم إصرار الحكومة المصرية على عدم وقوعها ضمن الأراضي المصرية.

وتقع قرية أم الرشراش، التي تطلق عليها إسرائيل اسم “إيلات”، في منطقة حدودية بين مصر وإسرائيل تبلغ مساحتها 1500 متر مربع. وثار الجدل حول تبعية القرية عندما قال مسؤولون في وزارة الخارجية المصرية إن أم الرشراش ليست تابعة لحدود مصر الدولية.

هذه التصريحات أثارت القائمين على “الجبهة الشعبية لاستعادة أم الرشراش”، وهي جبهة مستقلة تضم قانونيين وحقوقيين. وفي عام 2006، قامت هذه الجبهة برفع دعاوى قضائية ضد مسؤولي وزارة الخارجية، متهمةً إياهم ببيع القرية لإسرائيل. وثار الجدل مرة أخرى في أعقاب ثورة 25 يناير، بعدما تقدم سياسيون ومحامون بدعوى ضد مسؤولين بنظام مبارك لـ “امتناعهم” عن إصدار قرار يقضي بتحويل قضية استعادة أم الرشراش للتحكيم الدولي.

لكن، لم تفلح كل هذه المحاولات في إحداث أي فارق، خصوصاً بعد تصريحات أحمد أبو الغيط، آخر وزير خارجية في عهد مبارك، التي قال فيها: “إن حدود مصر في العصر الحديث هي الحدود الواردة في اتفاقيتي عام 1906 و1922 فقط”، مشدداً على أن قرية “أم الرشراش” لا تقع داخل الأراضي المصرية وفقا لهذين الاتفاقين.

وفي هذا الإطار، قال الخبير العسكري اللواء فؤاد سليمان: “لا محافل عسكرية ولا حروب ستمكننا من حل الأزمة، وإثبات حقوقنا. لا بد أن نثبت دولياً أن هناك تعدياً على الحدود المصرية واختراقها. نحن كنا في – غفلة طويلة – ولابد أن نفوق منها”. وبحسب التصريحات التي أدلى بها لموقع البوابة نيوز، فإن التصريحات الصادرة عن وزارة البترول المصرية في أن تلك المنطقة المشار إليها بالبحر المتوسط ليست تابعة للحدود المصرية بل خارجها “غير صحيحة وغير منطقية”، مُطالباً بتحقيق دولي لإثبات أحقية مصر في المنطقة.

user placeholder
written by
Michella
المزيد Michella articles