وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

حزب الله وأمل ينهيان مقاطعة الحكومة اللبنانية. ماذا بعد؟

نجيب ميقاتي
رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يترأس اجتماع مجلس الوزراء في القصر الجمهوري في بعبدا بلبنان. أنور عمرو / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

اجتمع مجلس الوزراء اللبناني للمرة الأولى منذ أكتوبر 2021 بعد اتفاق الحزبين السياسيين الشيعيين: حزب الله وحركة أمل على العودة إلى طاولة المفاوضات، وذلك بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والأمني بحسب ما أعلنا.

وقال الدكتور عماد سلامة المستشار في سياسات الشرق الأوسط والأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية والشؤون الدولية في الجامعة اللبنانية الأمريكية لفنك: “إن هذا المأزق قد أدّى إلى عرقلة حياة الناس الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وما يريده الناس هو حكومة تستطيع إنقاذ الوضع وتحاول بصدق إنعاش الاقتصاد”.

وأضاف: “إننا نعيش تحت وطأة تضخم مفرط وانخفاض كبير لقيمة العملة، والعديد من شركات ومؤسسات القطاع العام تغلق أبوابها وبات القطاع مشلولًا  تمامًا  بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية في البلاد”.

فقدت الليرة اللبنانية 90% من قيمتها منذ أغسطس 2019، واستمر سعر الصرف الرسمي لليرة مقابل الدولار عند 1507، في حين وصل سعر الصرف في السوق السوداء إلى 33 ألف ليرة بداية العام الجاري. ووفقًا  لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن هذا الوضع هو نتيجة عقود من الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية وعدم الكفاءة، كما ظهر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في مقطع مصوّر في ديسمبر الماضي وهو يدلي بتصريح مفاده أن وضع الاقتصاد اللبناني كارثي.

وقال غوتيريش: “بحسب ما أفهم، فإن ما حدث للبنان هو شيء يشبه عملية الاحتيال… وهو ما يعني أن النظام المالي انهار بسبب هذه الممارسات إلى جانب الفساد، وربما أشكال أخرى من السرقة”.

وقد تضررت حياة الناس في لبنان، من المواطنين واللاجئين وغيرهم، جرّاء تعطل أعمال الحكومة، ويصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية في البلاد بأنها إحدى أسوأ الأزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

وقد سقط أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب اللبناني تحت خط الفقر منذ عام 2019. ووصل البؤس باللبنانيين في المناطق المهمّشة إلى حد المخاطرة بحياتهم في رحلات القوارب إلى قبرص.

وكان الوزراء يجتمعون من دون حزب الله وحركة أمل للتحضير لموازنة 2022 وعرضها للمناقشة المرتقبة مع صندوق النقد الدولي. ويتوقع الصندوق أن يقدّم لبنان خطة إصلاح اقتصادي شامل، ويُنظر إلى خطة صندوق النقد الدولي باعتبارها طوق النجاة من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية.

وقال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إن حكومته ستحاول الوصول إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي في فبراير، بينما أفادت وكالة رويترز نقلًا عن أحد المتحدثين باسم الصندوق بأن التحضيرات جارية لعقد محادثات افتراضية مع الحكومة اللبنانية أواخر يناير الحالي. وتأمل حكومة ميقاتي أن يساعد تمويل الصندوق على تعويض الخسائر البالغة 68.8 مليار دولار في القطاع المالي، إلا أنه ثمة شكوك حول قدرة لبنان على تنفيذ إصلاحات صندوق النقد المطلوبة.

وقال عماد سلامة: “إن الاقتصاد مرتبط بشدة بالسياسة التي تتغير تبعًا للمتغيرات الإقليمية، وإذا حدث تغير جذري في ميزان القوى السياسية في المنطقة، مثل انهيار النظامين السعودي والإيراني، ربما نشهد تداعيات سياسية واقتصادية، لكن وضع لبنان لن يختلف ما بقيت التوازنات السياسية في المنطقة على حالها”.

ويرى سلامة أن أولوية الحكومة هي إيجاد حلول قصيرة المدى لقضايا البلاد الملحة، ومنها إعادة موظفي القطاع العام إلى العمل رغم أجورهم المتدنية، وإيجاد حل للقطاع المصرفي يناسب المودعين، فضلًا  عن إدارة الانتخابات المقبلة في 15 مايو 2022.

وخلال شهر يناير الجاري، هدد زعيم التيار الوطني الحر جبران باسيل حكومة ميقاتي بحجب الثقة، لكن يبدو أن عودة حركة أمل وحزب الله إلى المفاوضات قد قوّضت تهديدات باسيل.

وقال عماد سلامة: “لقد أظهر حزب الله وحركة أمل قوتهما الحقيقة، فهما إن جاز التعبير الجهة التي تتخذ القرارات، وتحديد مصير الحكومة يتوقف عليهما”.

وفي البداية طالب حزب الله وحركة أمل بتنحية طارق بيطار قاضي التحقيق في حادثة انفجار مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس 2020 قبل العودة إلى النقاشات الوزارية. وأدعى الحزبان أن البيطار قد سيّس التحقيقات بعدما أصدر مذكرة اعتقال بحق وزير المالية السابق والنائب البارز عن حركة أمل علي حسن خليل. وفي النهاية لم يُنحَّ بيطار ولكن عُلّق التحقيق في الوقت الحالي.

وقال عماد سلامة: “عقّدت مقاطعة الحزبين اجتماعات الحكومة العديد من القضايا على رأسها التحقيقات في انفجار بيروت، حتى أصبح هذا التحقيق مصدرًا  للانقسام الطائفي ولم يكن سببًا لدعم السلطة القضائية وعملية التحقيق وإنفاذ العدالة”.

وأضاف سلامة أن قدرة التحقيق على الوصول إلى نتائج في المستقبل القريب “تبدو منعدمة”.

وبعيدًا عن التحقيق، سوف تسعى الحكومة اللبنانية إلى حلّ أزمة الطاقة. وبحسب اتفاق إقليمي أُبرم في سبتمبر 2021، فإن الغاز المصري سينتقل إلى لبنان عن طريق سوريا والأردن. وقد طمأنت السفيرة الأمريكية في لبنان دوروثي شيا الحكومة اللبنانية بشأن العقوبات، لأن إمدادات الطاقة تمر عبر سوريا، وهي خطوة انتقدها بعض الساسة الأمريكيين.

وسيكون استيراد الغاز المصري طوق نجاة لبلد انقطعت فيه خدمة الإنترنت في يناير 2022 بسبب نقص الوقود. ولا شك أنه حل قصير المدى فحسب لمشاكل هيكلية طويلة الأمد في لبنان.

وقال عماد سلامة: “تصل إيرادات قطاع الكهرباء حاليًّا  إلى حوالي 40% من تكاليفه، ومن المستبعد أن ترفع الحكومة سعر الكيلوواط بهدف سداد ديون البنك الدولي”.

ومن دون إصلاحات اقتصادية واجتماعية وسياسية موسعة، سيظل لبنان يواجه أزمة تلو الأخرى. لكن مجرد التفكير في الإصلاح قد يكون حلمًا  في بلد يعجز حتى عن توفير الخدمات الأساسية.

وختم عماد سلامة بقوله: “يُظهر ما سبق مدى صعوبة توفير الخدمات الأساسية في لبنان والتي تُعد عمادًا للانتعاش الاقتصادي في البلاد”.