وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

إسرائيل والأردن تتجاهلان الفلسطينيين في صفقة الطاقة

الأردن
يقع الأردن الآن في قبضة واحدة من أشد فترات الجفاف في تاريخه، لكن الكثيرين يحذرون من أن الأسوأ لم يأت بعد. خليل مزراوي / وكالة الصحافة الفرنسية

جاستن صالحاني

في الثاني من نوفمبر 2021، وقّع الأردن وإسرائيل اتفاقًا تاريخيًا في مجال الطاقة يهدف إلى تعزيز العلاقات بين الجارتين. حظي الاتفاق بدعم إقليمي وغربي، لكن الاحتجاجات واستطلاعات الرأي العام تعكس السخط الشعبي في الأردن تجاه الاتفاق الذي ربما يكون له تداعيات تضر بالفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم الاحتلال الإسرائيلي.

وقالت منى دجاني، الباحثة في قضايا المياه والبيئة في “يرموك فيوتشرز بروغرام”، في حديثها إلى موقع فنك: “وقّع مسؤولو البلدين هذا الاتفاق لأسباب سياسية تخص قضايا معينة مثل توطيد التطبيع بين الدولتين أو بين الحكومتين”.

وأضافت دجاني: “إن كانت الطاقة موضوع هذا الاتفاق بالفعل، لشهدنا مستوى أكبر من النزاهة والشفافية”.

وقد وافقت الأطراف المعنية على هذا الاتفاق في دبي بحضور وزير المياه الأردني ووزير الطاقة الإسرائيلي، بالإضافة إلى وزير التغير المناخي والبيئة الإماراتي وجون كيري المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون المناخ. وقد اقترحت منظمة إيكوبيس الشرق الأوسط عقد هذا الاتفاق في البدء، وهي منظمة إسرائيلية أردنية فلسطينية غير حكومية، على أن يكون جزءًا من الصفقة الخضراء الزرقاء للشرق الأوسط.

وبموجب هذا الاتفاق، ستعمل شركة مصدر الإماراتية على بناء محطات طاقة شمسية في الأردن لتوليد الكهرباء لإسرائيل بحلول عام 2026. ومن المقرر أن تحصل الأردن على 200 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من الجانب الإسرائيلي مقابل تصدير 600 ميغاوات من الكهرباء. وتتولى الشركة الإماراتية وفقًا للاتفاق تقسيم العائدات بينها وبين الأردن، علمًا بأن دراسات الجدوى قد قُرر لها أن تبدأ في عام 2022.

لم تكن علاقة الملك عبد الله الثاني وطيدة برئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، ولكن الأحوال قد تبدلت وسافر نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، إلى عمان سرًا لحضور اجتماع في يوليو 2021. ولم يمض وقت طويل حتى أعلنت إسرائيل مضاعفة المياه التي ترسلها إلى الأردن. ومن المنتظر أن يؤدي الاتفاق إلى مضاعفة هذه الكمية إلى أربع مرات.

الأردن من بين أكثر الدول التي تعاني ندرة المياه في العالم، وهي في حاجة ماسة إلى مياه صالحة للشرب، حتى إن خدمات توصيل المياه قد انتشرت بين سكان العاصمة عمان في السنوات الأخيرة بهدف ملء خزانات احتياطية فوق أسطح المنازل. أما إسرائيل فقد بدأت تحلية المياه في 2005 حتى أصبحت تمتلك خمس محطات لتحلية المياه على طول الساحل وتخطط لبناء محطتين إضافيتين. وتطمح إسرائيل إلى إنتاج الطاقة بنسبة 30% من المصادر المتجددة بحلول عام 2030. وأما منطقة البحر الأبيض المتوسط، فمهددة بفقد ​​حوالي 27% من مياه الأمطار بحلول نهاية القرن وفقًا لتقديرات خبراء المناخ. وفي ظل هذا الحال، يبدو أن هذا الاتفاق يوفر للأردن احتياجات ماسة للبلاد، لكن بعض المراقبين يصرّون على انتقاد هذه الخطوة لأن الأردن سبق وأن فعل مثلها ولم يجن شيئًا.

وقالت دجاني: “لقد شهدنا اتفاقات عديدة بين الأردن وإسرائيل في ملف المياه على الرغم من أنها معيبة ومدمرة وغير ناجحة، فما الداعي إلى اتفاق جديد؟”.

فقد رفضت إسرائيل في عام 1999 إمداد الأردن بحوالي 25 مليون متر مكعب من المياه. وفي عام 2020، قرر نتنياهو منع الأردن 8 ملايين متر مكعب ولم يتراجع عن قراره إلا بعد ضغوط أمريكية. ويشهد الاتفاق معارضة أيضًا بحجة أن الأردن يجب أن تنتج مياهها المحلاة في العقبة على ساحل البحر الأحمر، لكن بُعد المنطقة عن الحضر وضيق الساحل يحولان دون ذلك. فقد أعلنت وزارة المياه الأردنية عن خطة لتحلية المياه من البحر الأحمر في عام 2021، لكن المشروع يحتاج إلى تكلفة قدرها حوالي 2.8 مليار دولار وما يزال التمويل عقبة مستعصية.

لكن كما سبق وأن أوضحت دجاني فإن مجالي الطاقة والبيئة ليسا ضمن الاعتبارات الأردنية الرئيسية في هذه الصفقة.

فهي ترى أن “الأمر ليس تعاونًا في مجال الطاقة، بل امتدادًا لاتفاقيات إبراهيم التي تسعى إلى استخدام الموارد الطّبيعية في سبيل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول المجاورة لها”.

وتهدف اتفاقيات إبراهيم التي أُبرمت في عام 2020 إلى بناء علاقات بين إسرائيل وبعض دول الإقليم، وتحديدًا الإمارات والبحرين. أما الأردن فبينه وبين إسرائيل اتفاقية سلام منذ 1994. ومع ذلك تُظهر استطلاعات الرأي رفض الشعب الاردني لاتفاقيات إبراهيم، إذ صنّف 80% من الناس دون سن 30 و89% ممن تزيد أعمارهم عن 30 عامًا الاتفاقيات ضمن فئة “سلبي” بحسب استطلاع أجراه معهد واشنطن.

وفي الثاني من نوفمبر الماضي عقب إبرام اتفاقية الطاقة، خرج مئات المتظاهرين إلى شوارع عمان تعبيرًا عن احتجاجهم. ورفض المتظاهرون الاتفاق، بزعم هذا الأخير بأنه يدعم تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقبول الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. وقد شملت دائرة المناوئين للاتفاق أعضاء في البرلمان الأردني ورئيس اتحاد الجمعيات البيئية.

وقال صالح العرموطي، عضو مجلس النواب الأردني، في تصريحات لقناة الجزيرة “نحن لا نثق بالاحتلال، لم يكن هذا الاتفاق مرتبطًا بملف المياه بل هو قرار سياسي”.

ويدخل الاتفاق تحت ما يطلق عليه بعض النشطاء المؤيدين للقضية الفلسطينية “الغسيل الأخضر”، وهو مصطلح يعرفه مشروعديكولونايز بالستاين المستقل في رام الله، بأنه “شكل من أشكال العنصرية البيئية وزعم صهيوني بلا دليل تاريخي مفاده الحفاظ على البيئة وتصوير إسرائيل باعتبارها مشروع “ازدهار الصحراء”.

وبالإضافة إلى اتهام الاتفاق بدعم التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، يرى المعارضون أن الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم الاحتلال لن يروا منه خيرًا.

وقالت دجاني: “يعاني الفلسطينيون أيضًا أزمة طاقة؛ فلا سلطة لنا على وسائل الإنتاج ويتحكم الاحتلال في مصادرنا. وعلى الأرجح أن الفلسطينيين لن ينالوا ولو أقل القليل من هذا الاتفاق”.

ورغم كل تلك الاعتراضات والغضب الشعبي، سيمضي الملك عبد الله قدمًا في هذا الاتفاق على الأرجح. ووفقًا لمعهد بروكينغز، لن تتمكن ديناميكيات السياسة الداخلية من إيقاف الاتفاق، ولن يعرقله سوى “التخريب المادي”. وبينما تسير الأردن وإسرائيل في طريق توطيد العلاقات من خلال هذا الاتفاق، يزداد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين قوة وهيمنة. فلم يلتفت الاتفاق إلى حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت حكم الاستعمار الاستيطاني ونظام الفصل العنصري. وبالإضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الاتفاق يكترث لتحسين القضايا المتعلقة بتدهور المناخ في المنطقة.

وأضافت دجاني: “علينا أن نهتم بالعدالة والمساواة وأن نراعي حقًا احتياجات المنطقة إلى العدالة في مجالي المناخ والطاقة، وهو ما لا تكترث له أبدًا كل تلك الاتفاقيات. ترى الأردن وإسرائيل أن الاتفاق قضية غير سياسية، ومن ثمّ فهو يخضع لمعايير المصلحة والمنفعة المشتركة التي تقدر بمليارات الدولارات في مجالي الطاقة والمياه، ولا حاجة إلى الحديث عن السياسة أو إنصاف الفلسطينيين ضد ما يتعرضون له من مظالم”.