وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

فلسطين على الشاشات الغربية بفضل “مو”

مو
Instagram/MoAmer

دانا حوراني

برزت القضية الفلسطينية على واجهة منصّات البث بعدما ظهر مسلسل “مو” لأول مرة على نتفليكس في 24 أغسطس الماضي.

وفور عرضه، اكتسب المسلسل قاعدة جماهيرية خاصة. وسرعان ما أصبح أحد أشهر عروض نتفليكس، وتوالت عليه إشادات المتابعين والخبراء. ولا عجب في ذلك، فالمسلسل يسلط الضّوء على الرؤية الفلسطينية التي لطالما تجاهلتها شركات الإنتاج وصناعة الترفيه الأمريكية الغربية.

والمسلسل حصيلة تعاون الكوميديّ والفنان الفلسطيني الأمريكي محمد عامر، والممثل والكوميدي المصري الأمريكي رامي يوسف. وتخبر قصته حياة بطله اليومية، وهو “مو نجار”، وعائلته الفلسطينية التي لجأت إلى هيوستن في الولايات المتحدة عام 1991 هربًا من حرب الخليج في الكويت، والتي كانت قد نزحت إليها في أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948.

واستطاع المسلسل بفضل ما فيه من الفكاهة والفرح والحزن أن يتنقل بين كثير من الموضوعات الجادة كالحدود، والصّدمات النفسية، والتوثيق القانوني، والتراث الفلسطيني من خلال عدسة لاجئ في هيوستن بولاية تكساس. والرواية التي يعرضها هي سيرة شبه ذاتية، فالعديد من الأحداث تعكس حياة عامر الشّخصية، فهو مهاجر فلسطيني هرب من حرب الخليج وواجه مشكلات جمّة في الهوية والاندماج.

ويرى محللون أن أهميّة المسلسل تتجاوز حدود الترفيه. فهو يقدم وجهة نظر جديدة عن العرب، لا سيما الفلسطينيين الذين كانت تجاربهم محل تهميش وقولبة على الشاشات الغربية. وقد حظي المسلسل باستحسانٍ كبيرٍ، إذ مسّ مشاعر كثير من أبناء الشرق الأوسط في الخارج.

حياة “مو”

بات محمد عامر مقدّم عروض ستاند أب كوميدي معروفًا في الولايات المتحدة بعد تقديمه عرضين خاصين في نتفليكس هما “محمد في تكساس” و”مو عامر: المتشرد”. وفي عام 2015 بدأ، رامي يوسف وعامر مناقشة إمكانية التعاون في مشروع يستلهم حياة عامر أثناء إقامتهما معا.

يواجه الجمهور في الحلقة الأولى الوجود المعقد للشّخصية الرئيسة مو نجار. فقد طُرد من عمله في محل إلكترونيات وبات مجبرًا على البحث عن عمل دون أوراق ثبوتية. ومن خلال تخبطه بين الأعمال الجزئية من بيع تصميمات مقلدة إلى دي جيه في نادي للعراة، تستكشف القصّة تعقيدات مجتمعات الشرق الأوسط التي يُراد برجالها أن يكونوا أرباب أسر. كما يغوص في صعوبات موازنة الحياة في الغرب مع التقاليد الأسرية المحافظة.

وليست عائلة نجار المسلمة المتدينة استثناءً عن ثقافة المحرمات العربية فيما يتعلق بالوشم، والزواج المختلط بين الأديان المختلفة، والإدمان، والاختلاط بين الجنسين. إذ يظهر المسلسل صعوبة الموازنة بين المتناقضات: التقليد والتقدم، والماضي والحاضر، والأسرة والأصدقاء.

ولم يغب التنوع عن المسلسل. فصديق طفولة مو “نيك” يقوم بدوره الممثل الإفريقي الأمريكي توبي نويغوي، وصديقته “ماريا” اللاتينية الكاثوليكية تقوم بدورها تيريزا رويز، كما تقوم بدور شخصيّة “ليزي هوروفيتز” الأمريكية اليهودية، وهي محامية لجوء مو، الممثلة والكوميدية لي إيدي.

ورغم ندرة تعرض المسلسل للصّراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن ورودها كان يحمل طابعًا فكاهيًا، مثلما كان رد مو: “إنها مشكلة في التسمية” على تحية “شالوم”، أو عندما قال لصديقه “إنه مثل رمي الحجارة، والفلسطينيون هم الأفضل في ذلك” أثناء اللّعب.ّ

وقال عامر في حوار له مع موقع فاريتي: “من المهم إيصال حقيقة الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي بوضوحٍ تامٍ ودون مبالغة. فكثير من العروض مليئة بالبروباغندا وتريد أن تحشرها في دماغك. لكن هذه حكاية بسيطة لعائلة في صراعٍ نفسي بعد نزوحها مرتين وتحاول أن تجمع شتاتها”.

لكن المسلسل يقدم مثالًا لا نظير له عن تمثيل الفلسطينيين في الإعلام الغربي.

ما أهميّة التمثيل ؟

مسلسل “رامي” هو الوحيد الذي يعكس تجربة مثل تجربة مو في نقل الاختلافات بين الشرق والغرب، فهو يتحدى ببطله قالب “المسلم الصالح” ويظهر نظرة نفسيّة محطمة إلى الحياة، وفي الوقت نفسه تتوق إلى علاقة قويمة مع الله.

وقد ناقش سائد عطشان، الناشط الفلسطيني وأستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة إيموري، أوجه التشابه والاختلاف بين المسلسلين. ولفت إلى أن مسلسل رامي يغطي العديد من القضايا الشائكة في وقت واحد، بينما مسلسل مو يعتبرُ أشد تركيزًا وأبسط سردًا.

وقال عطشان لفنك: “دأبت وسائل الإعلام الغربية السائدة على نزع ممنهج لإنسانية العرب، لذلك يمثلُ هذا المسلسل انتصارًا لنا ويمكّننا نحن الفلسطينيين أخيرًا من التعبير عن ذواتنا وسرد قصصنا بتفاصيلها المعقدة”.

وأضاف: “أعتقد أن هذه العروض بتركيزها على العدالة تساعد على تشكيل وعيّ الشّباب الأمريكيّ الذي سيكبر ويكوّن فهمًا أفضل لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وعلاقاتها مع إسرائيل”.

ويرى عطشان أن مسألة الوطن وكيفيّة زراعة الإحساس والشعور به في أحد أبناء الشّتات الفلسطينيّ هي لحظة مفتاحية في المسلسل. إذ يمثلُ حمل نجار زجاجة زيت زيتون في حقيبته وعملية البحث عن بستان زيتون في وسط هيوستن، ماهي إلا اشتياق روحه إلى وطنه فلسطين في أرضٍ أجنبية.

إنها مجرد بداية

ترى سلافة زيداني، أستاذة الدراسات المقارنة لوسائل الإعلام في جامعة ماساتشوستس للتكنولوجيا، أن دائرة نجار المقربة تمثل التجارب المتقاطعة للمهاجرين، وتذكر بالقرابة والتشابهات بين الجماعات العرقية المتعددة في الولايات المتحدة.

ويثير أحد المشاهد الذي يصّور مهاجرين سود وهم ينتظرون مع عائلة مو في إدارة الحجز القضائي في وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك، فكرة التحديات المشتركة التي يواجهها الأمريكيون غير البيض، وإن كان ذلك على اختلاف السياقات والبيئات.

وأضافت زيداني أن الموسيقى كانت أحد المكونات الرئيسة في التمثيل الفلسطيني. فقد عرض المسلسل موسيقى فلسطينية معاصرة لفرق “دام” و”السبعة وأربعين” و”ولعت” وغيرها.

لكن زيداني وعطشان يتفقان على الحاجة إلى مزيدٍ من الأعمال لتمثيل متنوع يحاكي المجتمع الفلسطيني الذي يضمُ تجارب أفراد مجتمع الميم والنساء والنسويات، بالإضافة إلى مختلف الجماعات الدينية كالمسيحيين الفلسطينيين.

وقالت زيداني: “زاد المسلسل رغبتي في معرفة المزيد عن أدوار النساء ورواياتهن. وأتمنى أن يعرض الموسم الثاني للمسلسل وجهات نظر الشّخصيّة الأنثوية حول حياة المهاجرات. ولدي فضول بحكم وجود عائلتي في هيوستن أن أعرف كيف يمكن أن يصّورَ المسلسل مساحات النساء العربيات هناك”.

وأشارت زيداني أنه رغم صعوبة توقع كيف استقبلت جماعات شتات الشرق الأوسط الأخرى المسلسل، فإن التصوير الدقيق والمعقد للشّخصيّات يضعها في موقع يصل بينها وبين المشاهدين الذين عانوا صدمة الهجرة والنزوح.

لكل منا دور يؤديه

يتفق الخبيران على أنه رغم تاريخ هوليوود الحافل بالعنصرية وعدم المساواة وكراهية النساء، بالإضافة إلى التعاطف الغربي الواسع مع الصهيونية، فإن ثمة أمل في الحركات الشّعبية، وتعاطف الأقليات، وفي رؤية اجتذاب القصص الفلسطينية الأضواء.

وقالت زيداني: “ينبغي أن يكون التمثيل مستمرًا ليكون دقيقًا. لذلك نحن بحاجة إلى مزيد من الأفلام والعروض التي تمكّن الجمهور الذي تُعرض حياته على الشاشة من اتخاذ القرار بما سوف يُعرض”.

ولا يقتصر ظهور النضّال الفلسطيني على مسلسل “مو” وغيره من وسائل الإعلام السائدة. الأختان الفلسطينيتان الهولنديتان جيجي وبيلا حديد عارضتا الأزياء من المدافعين بجرأة عن فلسطين. كما لم تتراجع رشيدة طليب عضوة الكونغرس الأمريكي من أصل فلسطيني عن انتقادها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في مواجهة المشرعين المؤيدين لإسرائيل.

وقال عطشان: “نحتاج إلى أناس في كل مكان، سواء في الإعلام أو الترفيه أو السياسة، حتى يقوم كل منهم بدوره، ويخدم كل منهم قضيته بطريقته”.

ورغم ندرة النقد الموجه إلى المسلسل، فقد شق طريقه إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

فقد غرّد عصمت الحلبي، أستاذ التاريخ عبر الوطني في جامعة تورنتو: “ليس الاندماج القسري لـ(مو) تقدّمًا لنا. فالهالة حول الأصالة لا تفضي إلى شيء. ولا يمكن لقوة الثقافة الفلسطينية (التي سبقت تهجيرنا وستبقى بعد نضالنا) أن تأسرها شركة أمريكية”.

وأضاف: “لا تقدر شركات الترفيه الأمريكية على سرد ثقافة الطبقة العاملة، بل تفضّل سرديات العنصرية ومعاداة النساء، على سرديات التضامن السياسيّ أو الاجتماعيّ”.

ولم تعلن نتفليكس بعد بيانًا رسميًّا أنها ستصدر موسمًا ثانيًا للمسلسل.ومع ذلك فإن إلغائه، إذا حدث، فسيحبط قاعدة جماهيرية كبيرة.