على الرغم من أنّ المتظاهرين الذين خرجوا إلى ميدان التحرير في يناير 2011 من خلفيات متعددة، والتي من شأنها أن تلعب دوراً محورياً في السنوات التالية، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على إلقاء اللوم على الديكتاتور المستبد منذ زمنٍ طويل، حسني مبارك لما آلت عليه الأوضاع في مصر.
لذلك، عندما انتقل مبارك إلى قصره في مدينة شرم الشيخ الساحلية، بعد تنحيه عن السلطة في الحادي عشر من فبراير من ذات العام، تعالت الأصوات بتوجيه أصابع الإتهام له في جرائم متعددة من بينها قتل المتظاهرين خلال الثورة. وأخيراً، تمت الإستجابة لهذه الدعوات في أواخر مايو 2011، عندما وجهت إليه تهمة القتل العمد والشروع في قتل المتظاهرين واختلاس الأموال العامة.
وفي 2 يونيو 2012، وجدت المحكمة مبارك ووزير داخليته، حبيب العادلي، مذنبان بتهمة التورط في قتل المتظاهرين وحكمت عليهما بالسجن مدى الحياة، ولكن انقلب هذا الحكم بعد ستة أشهر حيث أمرت محكمة الاستئناف بإعادة المحاكمة.
أدى هذا إلى تحول مذهل في الأحداث، ففي 29 نوفمبر 2014 نقضت المحكمة الحكم، مما يُتيح بشكلٍ أساسي إخلاء سبيل مبارك مما سبب نوعاً من الإرباك، إذ لم يدرك الشارع المصري في الداخل والخارج ما حصل. ومع ذلك، لم يدين الحكم أو يبرىء مبارك، عوضاً عن ذلك، رفض القاضي القضية برمتها لأسبابٍ فنية.
وأوضح محامي حقوق الإنسان حسام بهجت أنّه يتوجب على المرء النظر إلى الأحداث التي تلت ثورة 2011. فعندما بنت النيابة العامة القضية ضد مختلف المتهمين في مقتل المتظاهرين، لم يكن مبارك ضمن القائمة الأولى للمتهمين؛ حيث أُضيف اسمه بعد شهرين فقط، وربما يعود ذلك إلى الضغوطات من الشارع المصري في ميدان التحريرالذين طالبوا بمسائلة الرئيس السابق أيضاً.
واستخدم القاضي هذه الناحية الفنية لرفض الدعوى ضد مبارك، معتبراً أنّ إضافة التهم إليه في وقت متأخر جداً من الاجراءات يعني أنه لا ينبغي أنّ يكون مدعى عليه في المقام الأول. كما رفضت المحكمة أيضاً الاتهامات الموجهة إلى حبيب العدلي، بالإضافة إلى تهم الفساد ضد مبارك ونجليه.
بعد إسقاط التهم، اشتعلت المحكمة بالتصفيق الحار من قِبل أنصار مبارك، بينما كان أهالي القتلى ينتظرون خارج المحكمة يعتريهم الحزن. وتماماً بالرغم من اختلاف مواقفهم، إلا أن الجانبان اتفقا على أنّ هذا وضع نهايةً للثورة حيث باتت البلاد تسير في حلقة مفرغة وعادت إلى نقطة البداية قبل اندلاع الثورة عام 2011.
أنصار مبارك الذين أكدوّا على موقفهم بأنّ الثورة مجرد أجندة أجنبية تهدف إلى تدمير مصر، أشادوا بالحكم معتبرينه دليل على أنّ الأمور عادت إلى وضعها الطبيعي وأنّ الثورة فشلت. بل أنّ بعضهم دعا جمال مبارك، الإبن الأصغر لحسني مبارك، الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2018. فيما رأى المناهضون لمبارك منذ عام 2011 أن هذا إبطالٌ لمكاسب الثورة مما سَطَر نهاية أحلامهم من أجل التغيير.
وفي وقت لاحق خلال المساء، قال مبارك في مقابلة تلفزيونية قصيرة عبر الهاتف أنه ضحك عندما سمع الحكم الأول، مصراً على أنه “لم يرتكب أي خطأ”.
وأعلن المدعي العام أنه سيستأنف قرار المحكمة أمام محكمة النقض (أعلى محكمة جنائية في مصر)، في حين أشار المحامي بهجت إلى أن مثل هذه القضايا الكبيرة يمكن أن تستمر لسنوات طويلة في المحاكم المصرية.
هذا وتسببت تبرئة مبارك في سريان موجة من الغضب بين جيل الشباب الثوار، الذين قاموا في تحدي صريح بالخروج إلى الشوراع والتجمهر في ميدان عبد المنعم رياض بالقرب من ميدان التحرير الشهير. بدء عدة آلاف التجمع، ومن ثم بدأت الأعداد بالتزايد بسرعة كبيرة، وهم يهتفون ضد مبارك والجيش والإخوان المسلمين والقضاء المصري.
وتعقيباً على الأيديولوجيات المختلفة التي جمعتها مظلة تبرئة مبارك، قال عضو شاب في حزب الدستور السياسي “هذه أول مرة منذ أعوام نشعر فيها بالأجواء التي تشبه إلى حد كبير أيام ثورة يناير”.
تم السماح للمحتجين بالبقاء لبضع ساعاتٍ فقط قبل أن تقتحم قوات الأمن المكان وتفرّق المحتجين إلى الشوراع الجانبية بإطلاق الغاز المسيل للدموع، حيث ادعت وزارة الداخلية أنّ الاحتجاجات لم تعد سلمية عندما “تسلل أعضاء من جماعة الإخوان الملسمين إليها”. كما أنّ هناك تقارير على استخدام الذخيرة الحية مما أسفر عن وفاتين، إلا أنّ وزارة الداخلية نفت كلا الأمرين.
وسرعان ما تسبب تفريق المظاهرة في تشتيت المتظاهرين، حيث فشلوا في التجمّع مرة أخرى. ولم يُسمح لهم بالدخول إلى ميدان التحرير، حيث تم إغلاقه تحسباً من اندلاع الاضطرابات، في حين أفاد رئيس أمن القاهرة بإلقاء القبض على حوالي 85 شخص.
وفي أعقاب قرار المحكمة، تم نقل مبارك جواً إلى المستشفى العسكري حيث كان يتم احتجازه وتلقيه العلاج. وعلى الرغم من تبرئته من تهمة قتل المتظاهرين، إلا أنه لا يزال في السجن بتهمة اختلاس أكثر من 100 مليون جنيه مصري من الأموال العامة فيما يعرف بقضية القصور الرئاسية.
ومع ذلك، في 13 يناير 2015، قبلت محكمة النقض الطعن الذي قدمه محامي مبارك، مما يعني أنّ موكله سيخلى سبيله لأنه لم يعد محبوسا على ذمة أي قضايا أخرى. وحتى وإنّ رفضت المحكمة النقض، فقد تبيّن أن مبارك أنهى مدة محكوميته (3 سنوات) بالفعل قبل فترة وسيتم إخلاء سبيله.
في حين صرّحت مصادر من فريق الدفاع الخاص بمبارك، بأنه سيبقى في المستشفى لأسباب صحية ولعدم وجود مكان آمن غيره بالنسبة له. وفي وقتٍ لاحق، قال متحدث باسم وزير الداخلية أن مبارك لا يزال رهن الاحتجاز فقط لأن مكتب المدعي العام أو المحكمة التي من شأنها إعادة محاكمته فقط يمكن أن تأمر بالإفراج عنه.
ومع ذلك، فإن التغييرات التي حدثت على مدى الأشهر القليلة الماضية قلبت وضع مبارك رأساً على عقب، حيث انتقل من عقوبة السجن مدى الحياة إلى الحرية المطلقة في غضون عام أو أكثر قليلاً، كما خفت حدّة الخطاب ضده وضد حقبته إلى حدٍ كبير في البرامج الحوارية التلفزيونية منذ الإطاحة بخليفته محمد مرسي. وبدلاً من التعليق على الفساد وتدهور الأوضاع خلال فترة حكم مبارك، كثيراً ما تتم الإشادة به في مثل هذه البرامج وتصويره على أنه بطل أحبط تهديدات الإخوان المسلمين خلال فترة حكمه التي استمرت 29 عاماً.