وقائع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

العوامل الكامنة وراء التطرف السني في لبنان

التطرف السني
أحد اقرباء الجنود المختطفين من قبل جبهة النصرة والدولة الاسلامية قرب الحدود السورية تلقي اطارا احتجاجا امام قصر الحكومة في بيروت

تغذي العديد من العوامل، بدءاً من تورط حزب الله في الصراع السوري وصولاً إلى التهميش الاجتماعي والاقتصادي، التطرف السُني في لبنان.

في لبنان، وبخاصة في جرود عرسال شرق البلاد وفي طرابلس شمال البلاد دليلاً على تنامي الوجود الإسلامي الذي بات واضحاً تجاوزه العراق وسوريا. وأسفر الإقتتال الدائر في أغسطس 2014 عن مقتل عشرات الجنود واختطاف حوالي 30 عنصراً من قوات الأمن اللبنانية وأفراد من الجيش (من بينهم أربعة تم إعدامهم دون محاكمة). وبالفعل وفي عام 2013، بدأ تنظيم داعش وجبهة النصرة بسطر أولى الفصول على الأراضي اللبنانية، حيث أعلانا مسؤوليتهما مؤخراً عن سلسلة من الهجمات الإرهابية. ومع ذلك، في عام 2014، زادت الطين بِلة حيث تزايدت أعداد اللبنانيين السُنة المنضمين إلى هذه الجماعات.

وفي حين يعتقد البعض أن نمو التطرف السني في بلادٍ يمثل فيها السنة نحو ما يقرب من ربع السكان، مجرد امتداد مؤقت للصراع السوري؛ يؤمن البعض الآخر أنّ جذور التطرف محلية
وعميقة.

جذور التطرف

ربما تعود أبرز العوامل التي ساهمت في تفجّر التطرف السني الأخير في لبنان، إلى تنامي استياء السُنة من حزب الله وبخاصة بعد أنّ أعلنت الحركة الشيعية في مايو 2013 تدخلها العسكري الرسمي في سوريا دعماً لبشار الأسد.

إلا أنّ استياء السنة من حزب الله أعمق من ذلك بكثير، حيث يتهمه الكثيرون بالوقوف وراء الإغتيالات التي استهدفت القادة الرئيسيين في المجتمع السني اللبناني منذ عام 2000، ولا سيما رئيس الوزراء رفيق الحريري الذي أغتيل في عام 2005.
وباستخدام مكانته كحركة مقاومة ضد اسرائيل، كان حزب الله قادراً على بناء ترسانة قوية من الأسلحة وميليشيا ذات ثِقل، حيث أثبت مراراً وتكراراً دوره الهام في تطويع السياسة الداخلية لصالحه وذلك على حساب السياسيين السُنة.

عامل رئيسي آخر هو العامل الإجتماعي الإقتصادي، إذ يعيش معظم اللبنانيين السُنة في مناطق مهمشة على المستويين الإجتماعي والإقتصادي عن باقي مناطق البلاد. ففي طرابلس على سبيل المثال، ثاني أكبر المدن اللبنانية، دفع ارتفاع معدلات البطالة والفقر بعض الشباب السُنة إلى الإنضمام إلى الجماعات المتطرفة. ووفقاً لدراسة أعدتها اللجنة اﻻﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻐﺮﺑﻲ ﺁﺳﻴﺎ (الأسكوا) التي نُشرت في يناير 2015، فإن 57% من سكان طرابلس من الفقراء والمحرومين فيما يعاني 26% من الفقر المدقع ويصنفون ضمن الفئة الأكثر حرماناً، ويعاني 35% من مشاكل صحية كما يعيش 35% في مساكن غير ملائمة و25% ليس لديهم إمكانية الحصول على التعليم، إذ تعكس هذه الأرقام هشاشة السكان وخطر ميلهم نحو التطرف.

كما مُهد الطريق لتنامي التطرف الديني أيضاً بسبب غياب القيادة الدينية السليمة. فضلاً عن ذلك، باتت دار الفتوى، المؤسسة المسؤولة رسمياً عن توفير الإرشاد الإسلامي والتعليم الديني الذي أقرته الدولة للمسلمين السنة في لبنان، هشة بسبب الانقسامات السياسية الداخلية، على الرغم من أن انتخاب مفتي جديد في أغسطس 2014 زاد الآمال في إحياء المؤسسة.

وتشكّل سياسة الحكومة بالتعامل مع اللاجئين عاملاً آخر من عوامل الخطر، إذ تساهم الإعتقالات المتكررة، والإغلاق الرسمي للحدود وتشديد القيود (كما في التأشيرات والتعليم والاستشفاء) في تنمية البيئة المعادية التي تشجع على التطرف. هذه الأجواء، التي عُزِزت أيضاً بسبب الضعف الإقتصادي الكبير النابع من تدفق اللاجئين، قد تشكّل أيضاً عاملاً آخر يدفع بعض السوريين إلى الانضمام للجماعات المتشددة، التي غالباً ما تقدم حوافز مالية ورعاية للأسر وتوفير شعور مؤقت بالأمان.

كيف يضبط ألإتجاه؟

إنّ نمو التطرف واضح، إلا أنّ وسائل الحدّ منه أقل وضوحاً. وعلى المدى المتوسط والبعيد، ستتطلب مواجهة نمو التطرف في لبنان تحسين البُنية التحتية العامة والاقتصاد في المناطق المهمشة مثل البقاع وشمال لبنان، حيث يعيش الكثير من السنة. كما سيعني التعامل مع جذور التطرف السني أيضاً معالجة سلاح حزب الله والتدخل العسكري في سوريا.

ومع ذلك، يبدو في الوقت الحالي تنفيذ هذه التدابير على أرض الواقع أمراً مستحيلاً، نظراً للتضارب الكبير في المجتمع اللبناني والموارد المحدودة للدولة وذلك على كلا المحورين؛ سياسياً لغياب وجود رئيس للدولة، ومالياً بسبب عجز الميزانية المتزايد والانخفاض الحاد في معدلات النمو.

أما فيما يتعلق بالتدابير على المدى القصير، فتتمثل في منع تدهور الأوضاع أكثر فأكثر. وتشتمل هذه، من بين أمور أخرى، على تعزيز دور دار الفتوى. إذ يمكن لهذه المؤسسة أن تلعب دوراً غاية في الأهمية من خلال وضع برامج تهدف إلى نزع فتيل التطرف الديني ومن خلال الجهد التعليمي الضخم الذي ينطوي على تسيير برامج توعية في المناطق السُنية المهمشة في البلاد.

كما يعتبر تعزيز قدرات الجيش ومحاولة سدّ الفجوة بينه وبين الطائفة السُنية من التدابير الأخرى قصيرة المدى التي قد تثبت فعاليتها، إذ يمكن أن يسمح هذا للجيش بأنّ يلعب دوراً أكثر فعالية في جميع أنحاء البلاد، إلى جانب الحد من عدم الثقة بالسُنة.

فضلاً عن ذلك، يتوجب على الحكومة اللبنانية الشروع بالإصلاح الجزئي، على الأقل، للنظام القضائي ونظام السجون، بما في ذلك إعادة تأهيل السجون الثمانية المكتظة في البلاد ومرافق الاحتجاز الثلاثة والعشرون. كما أنّ سجن العديد من الإسلاميين في ظل ظروف سيئة للغاية وانتظارهم المحاكمات لسنواتٍ عديدة يغذي الإسلاموية أيضاً. ومما يدل على أهمية هذه المسألة، المفاوضات غير المباشرة منذ ديسمبر 2014 بين الحكومة اللبنانية وجبهة النصرة وداعش، اللذان لا يزالان حتى تاريخه يحتجزان أكثر من 25 جندي وعنصر أمن كرهائن، كما تشمل المفاوضات من بين قضايا أخرى قضية تبادل السجناء.